السبت، 4 ديسمبر 2010

ويكيلكس والإعلام الجديد

حينما ظهرت القناة الإخبارية الأمريكية CNNفي التسعينيات من القرن العشرين واستطاعت أن تصل للخبر أينما حدث وتنشره على العالم كله، كان ذلك بمثابة ثورة جديدة في عالم الاتصالات والإعلام قلبت المفاهيم وقربت كل بعيد. أذكر كلاما قرأته في ذلك الوقت للأمين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي لخص ما حدث وانعكاساته على السياسة العالمية بقوله إن أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة عشر أصبحوا الآن ستة عشر. وعندما سأله الضيوف المندهشون عن هوية العضو الإضافي الجديد، رد الأمين العام بنبرة جادة لا تخلو من الهذر: إنه شبكة CNN التي كانت تتفرد في أوائل التسعينيات بالتربع وحدها على عرش المحطات الإخبارية غير المعروفة بعد في عالمنا العربي آنذاك.
ومثلما كانت CNN علامة فارقة في مسار الإعلام الدولي، اعتقد أن موقع ويكيلكس سوف يدشن لنقطة تحول جديدة في مسار الإعلام الجديد وخاصة الإعلام الإليكتروني، وسيكون أكثر دعما لنظرية "المواطن الصحفي" التي اعتمدها الإعلام الغربي منذ سنوات ثم تبناها موقع تدوينات منتصف عام 2010.
موقع ويكيليكس (Wikileaks) ، ومعناها "تسريبات الويكي" يعتبر -كما يقول القائمون عليه- موقعا للخدمة العامة مخصصا لحماية الأشخاص الذي يكشفون الفضائح والأسرار التي تنال من المؤسسات أو الحكومات الفاسدة، وتكشف كل الانتهاكات التي تمس حقوق الإنسان أينما وكيفما كانت.
الاسم جاء من دمج كلمة "ويكي" والتي تعني الباص المتنقل مثل المكوك من وإلى مكان معين، وكلمة "ليكس" وتعني بالإنجليزية "التسريبات".
تم تأسيس الموقع في يوليو 2007 وبدأ منذ ذلك الحين بالعمل على نشر المعلومات، وخوض الصراعات والمعارك القضائية والسياسية من أجل حماية المبادئ التي قام عليها، وأولها "صدقية وشفافية المعلومات والوثائق التاريخية وحق الناس في خلق تاريخ جديد".
وكانت بداية انطلاق الموقع من خلال حوار بين مجموعة من الناشطين على الإنترنت من أنحاء متفرقة من العالم مدفوعين بحرصهم على احترام وحماية حقوق الإنسان ومعاناته، بدءا من قلة توفر الغذاء والرعاية الصحية والتعليم والقضايا الأساسية الأخرى.
ومن هذا المنطلق، رأى القائمون علي الموقع أن أفضل طريقة لوقف هذه الانتهاكات هو كشفها وتسليط الضوء عليها.
ويعتمد الموقع في أغلبية مصادره على أشخاص يوفرون له المعلومات اللازمة من خلال الوثائق التي يكشفونها، ومن أجل حماية مصادر المعلومات يتبع موقع ويكيليكس إجراءات معينة منها وسائل متطورة في التشفير تمنع أي طرف من الحصول على معلومات تكشف المصدر الذي وفر تلك التسريبات.
كما يحظى ويكيليكس بشبكة من المحامين وناشطين آخرين للدفاع عن المواد المنشورة ومصادرها التي لا يمكن -متى نشرت على صفحة الموقع- مراقبتها أو منعها.
هذا الاعتماد المتزايد على شبكة الإنترنت سيكون نقطة التحول الكبرى في دنيا المواقع والمدونات الإلكترونية، وهذا الموقع الإخباري ذي الثلاث سنوات من العمر، منح مجتمع الإعلاميين العاملين على الشبكة الإلكترونية قوة دفع لا يمكن احتواؤها بعد اليوم، ودشن بنشر مثل هذه الوثائق السرية التي لم يستطع البنتاجون إنكارها، زمنا جديدا في توازنات علاقة القوة المتغيرة بين السلطة الرابعة التي ظلت حتى ظهور الـ (CNN) مجرد حبر على ورق، وبين سائر السلطات الأخرى النافذة في عصر العولمة والفضاءات المفتوحة.
والجديد في عالم المواقع الإليكترونية يتمثل في الإضافة النوعية التي أنتجها موقع ويكيلكس الإخباري، بعد نشره لنحو خمسة وسبعين ألف وثيقة تكشف الكثير من أسرار حرب أفغانستان، من دون أن تتجرأ الإدارة الأميركية على القيام بحجب هذا الموقع أو منعه على الشبكة العنكبوتية.
نحن اليوم أمام واقعة إعلامية ستكون علامة بارزة في الإعلام الجديد حيث ستكرس لمفهوم سلطة الإنترنت كوسيلة إعلامية تفاعلية عابرة للحدود والقيود والسلطات الرسمية حتى لو كانت الولايات المتحدة الأمريكية، نحن أمام سلطة تزداد مع مرور الوقت تطورا ونفوذا وسيطرة على نحو يتجاوز بأشواط طويلة سطوة وسائل الإعلام التقليدية، ويتعدى حتى قدرات المحطات الفضائية بوصولها إلى مئات الملايين في لحظات محدودة ومن دون أن يتمكن أحد على منعها مثلما يفعل الرقيب مع وسائل الإعلام التقليدية.
وكما كانت الـ (CNN) بداية فارقة لعصر من الإعلام الفضائي الجديد، يشكل موقع ويكيلكس، بداية أخرى أكثر أهمية من سابقتها في مسار هذا التطور المفتوح على آفاق لا نهائية في عصر الإعلام الإلكتروني وزمن الصورة الرقمية، الأمر الذي يدعو الحكومات في العالم العربي على وجه الخصوص إلى استيعاب مغزى هذا التطور بروح إيجابية، عوضا عن محاولات القمع والمنع والحجب لكبح هذا التطور الذي لا راد له.
قصة ويكيلكس لم تنتهِ، لكن العالم بأسره لن ينسى ما يمكن أن يفعله الإعلام الجديد، وإعلامنا العربي بحاجة إلى صحوة حتى لا يفوته القطار مرة أخرى فهذه الوسائل والأدوات الحرة ليست حكرا على الصحفي الغربي والسماء المفتوحة ملك للجميع،ونتمنى أن يشكل موقع تدوينات بداية انطلاقة صحيحة وجريئة للإعلام العربي الحر.

الأحد، 28 نوفمبر 2010

تجربة شخصية في انتخابات مصر البرلمانية



28 نوفمبر 2010، موعد المصريين مع انتخابات مجلس الشعب (البرلمان) والتي تعلق عليها حبل الأمل لدى المصريين وتوقع بعضهم أن تكون زلزالا يهز أركان المعبد السياسي ويفجر التابوت الذي ألفه المصريون لعقود مضت، وتوقع آخرين أن يكون بوابة العبور نحو ديمقراطية حقيقية تمهد للانتخابات الرئاسية 2011.
وكنت واحدا من هؤلاء المصريين الذين لم يتفاءلوا لدرجة الاعتقاد بزلزلة أركان المعبد، كما أني لم أتصور أن تكون سنة أولى ديمقراطية، لكني تمنيت أن تصبح بمثابة فترة تمهيدية تسبق مرحلة الديمقراطية؛ أي كأننا في مرحلة Baby class التي تسبق عادة الفترة الدراسية الطبيعية.
ولإيماني العميق بـ (حتى تغيروا ما بأنفسكم)، ولاقتناعي بأهمية أن يبدأ كل منا بالعمل المطلوب منه ويرفض تماما المقولة المنتشرة بين المصريين (يا عم هو أنا اللي حأغير الكون) ولضرورة إلغاء شعار اللا مبالاة، لذلك قررت أن أشارك في اختيار من سيمثلني تحت قبة البرلمان، قررت أن أصبح مواطن انتخابي (حر)!.
ولأنني من هؤلاء الذين يتعاملون بحرص شديد مع الدوائر الحكومية، بل ويتحاشون التعامل مع أي منها إلا لضرورة، توجهت إلى قسم الشرطة أقدم قدما وأؤخر أخرى لعمل الإجراءات اللازمة نحو قيد أسمي في سجل الانتخابات؛ فلا يوجد بين المصريين من يذهب طواعية إلى قسم الشرطة؛ ذهبت إليهم بالطبع في المواعيد المحددة والمعلن عنها لفتح باب القيد في الجداول الانتخابية.. كان ذلك في شهر يناير 2010.
وبمنتهى اللطف قابلني المسئول وملأت الاستمارة المعدة لذلك، ثم طلب مني العودة لاستلام البطاقة الانتخابية في شهر مارس 2010، وفي الموعد المحدد ذهبت فأرجأ حصولي على البطاقة إلى الشهر التالي (أبريل)، وفي شهر مايو كان المسئول الموجود بمكتب الشرطة (الإداري) امرأة تعاملت معي بمنتهى (الخشونة) قائلة (مفيش بطاقات خلصت، مستعجلين على أيه ....) ولسان حالها وتعبيرات الوجه تقول (روحوا هم يشيلكم ولا يجيبكم تاني).. وقررت بالفعل ألا أذهب مرة أخرى، لكن ضميري لم يتركني وعقلي الباطني يكرر (تغير ولا تيأس) لذلك ذهبت في شهر يوليو ثم أغسطس وتسلمتها أخيرا في شهر سبتمبر 2010 !!!.
المهم جاء اليوم الموعود، وقررت متحمسا خوض تجربة المشاركة الانتخابية لأول مرة في حياتي (32 سنة عمري المهني)، صحوت مبكرا وتوجهت إلى أقرب لجنة انتخابية لسكني في مدينة نصر، خرجت من منزلي الساعة العاشرة مستحضرا بعض المعتقدات المصرية القديمة (البركة في البكور) و(قبل الزحمة) وأخيرا (علشان أخلص بدري).
وأمام اللجنة وجدت زحاما شديدا لدرجة أنني فكرت في التراجع والعودة مساء، لكني وجدت من يهمس في أذني (عاوز تدخل يا أستاذ؟)، نعم.. (تفضل) وفتح لي فرجه بين القضبان الحديدية المحاط بها اللجنة الانتخابية.. ها ها ، بدأت بمخالفة كعادة المصريين أو على الأقل مخالفة لخط السير المقرر من قبل الأمن، وبمجرد أن مررت لم ينس الرجل أن يدس في يدي بطاقة دعاية انتخابية للمرشحة التي يتبعها (لا تنسى .... من ... لقد توسمت فيك خيرا)!!.
شققت طريقي وسط الزحام، كنت أعتقد أنه زحام الناخبين، لكن بعد خطوات معدودة اكتشفت أنه زحام مندوبي المرشحين!، سألت؛ مبرزا بطاقتي الانتخابية (أين اللجنة؟) سألوني (ما الذي جاء بك هنا، هل انتخبت من قبل؟) وكانت إجابتي بالنفي فهذه المرة الأولى، فتركني رجل الأمن أبحث بنفسي عن اللجنة.
وجدت مجموعة من الموظفين جالسين وفي أيديهم بعض الأوراق، سألتهم أين اللجنة؟، نظر أحدهم إلى بطاقتي الانتخابية وصرخ سائلا من بجواره (فين حرف اللام، مين معاه حرف اللام؟) توقعت أنه يبحث عن أسمي فقلت (أنا أسمي محمود) فصرخ مجددا (حرف الميم يا جماعة؟ حرف الميم) ولما لم يرد أحد توقعت أن الحرف قد ضاع وبدأت أفكر ماذا سأفعل وكيف أمارس حقي الدستوري، هل أعود إلى المنزل مرة أخرى! وصرخ ضميري (تغير، ألم نتفق على ضرورة التغيير).
عدت إلى الواقع مجددا حينما عاود الموظف صراخه (خلاص يا جماعة لقيت حرف الميم، معايا وأنا معرفش)!!، كنت أظن ونحن قد اقتربنا من نهاية 2010 أن كل الأسماء ستكون مسجلة على جهاز كمبيوتر، وأنه بضغطة زر أحدد لجنتي ومكانها، وكنت أحلم أنه ربما يأتي الزمن الذي يستطيع فيه الناخب أن يدلي بصوته وهو في منزله أو عمله بمجرد دخوله لموقع اللجنة الانتخابية على الإنترنت واختيار مرشحه، كل ذلك ممكن طالما أن المواطن يملك كلمة المرور التي تتيح له ذلك.
المهم قال لي الرجل (لجنة 4 يا أستاذ، فوق.. طريق السلامة)، شكرته ثم وأنا أتسلم منه البطاقة فوجئت به يقول بلغة اليقين (موش الراجل بتاعك هو الراجل بتاعنا؟) ووجدت بطاقة دعاية انتخابية تتدلى على صدره لمرشح الحزب الوطني!، ابتسمت وشكرته، نعم فلولا أنه أفاق سريعا لضاع حرف الميم وما عرفت لجنتي الانتخابية!.
بحثت عن اللجنة في دهاليز المقر الانتخابي، ووجدتها.. شبة خالية باستثنائي وشخص سبقني وابنه ووقف يطلب استمارة اختيار نواب مجلس الشعب، وفي مدخل اللجنة جلس بعض الأشخاص أظنهم مندوبي المرشحين، مرة ثانية كنت أتوقع أن أقف بعيدا عن مسئولي اللجنة منتظرا أن يفرغ من أمامي، لكني لم أجد من يمنعني من الذهاب إليهم والبحث عن أسمي والتوقيع ثم الذهاب إلى رئيس اللجنة لسحب الاستمارات المعدة للانتخاب.
المفروض أن يعطيني رئيس اللجنة ورقتين دفعة واحدة، واحدة منهما لمقعد كوته المرأة والثانية لمجموع المرشحين، لكني فوجئت بالشهامة المصرية تتجلى حيث أشفق علي رئيس اللجنة من الانتظار ريثما ينتهي من أمامي (الوحيد باللجنة ولا يوجد غيرنا) لذلك أعطاني استمارة كوته المرأة وطلب من الاختيار ووضعها في الصندوق المخصص ثم العودة مرة أخرى لاستلام الاستمارة الثانية والذهاب بها إلى الصندوق الآخر.
واستجبت لاقتراح رئيس اللجنة، لكني لم أكن شهما مثله كما توقع ولم أفرغ من اختيار النائبة التي أريد بالسرعة التي توقعها، فنهرني قائلا (أيه يا أستاذ موش عارف مين تختار؟) ونفيت ذلك على الفور مؤكدا (اختار من تعرف، لكني فقط كنت اقرأ بقية الأسماء)، فأبتسم قائلا (لا داعي وخلصنا)!.
وأخذت الاستمارة الثانية وذهبت لاختيار المرشح ووضعها في الصندوق المخصص، تأخرت ريثما اقرأ كل الأسماء، فهي كثيرة ويجب أن اقرأ الاسم واسم الشهرة حتى أتيقن من اختياري، وجاءني صوت رئيس اللجنة مرة أخرى (أيه يا أستاذ موش عارف فين الراجل بتاعك؟).
انتهيت مسرعا حتى لا يظن الرجل بي السوء، نعم أنا أعرف الرجل الذي تريدون (الراجل بتاعنا كلنا)، طلب مني رئيس اللجنة غمس أصبعي في سائل أمامه ونصحني أن يكون الأصبع الصغير وألا أضعه كاملا في السائل مجرد طرف الأصبع يكفي، المفروض أن هذا السائل علامة على أني أدليت بصوتي ولا يجوز لي تكرار ذلك، تذكرت وقتها أن أعضاء اللجنة لم يطلبوا مني ما يثبت أنني لم أدل بصوتي من قبل، لم يشاهدوا أصابعي حتى يتأكدوا من أن أحداها ليس مغموسا في السائل!!، فهل سيفعلون ذلك ويتحققون مع من سيأتي بعدي؟ لا أظن، فأنت في مصر.
المهم،وبشكل سريع، لاحظت أنه تم وضع كل مرشحي الحزب الوطني في الجانب الأيمن من الاستمارة، ربما حتى يسهل على من لا يعرف أحد أن يختار من يجده مكتوبا أولا في الكشف، وربما من باب (إن في التيمن بركة)، لكن من المؤكد أن طريقة الكتابة مقصودة بدليل أن أول اسم في الاستمارة مرشح الحزب الحاكم رغم أن أسمه لا يبدأ بحرف الألف فترتيب نشر الأسماء لا يخضع لقاعدة الترتيب الأبجدي المعمول بها في أي مكان، ولكن من المؤكد أن خبراء الحزب الحاكم قد أوصوا بذلك على اعتبار أن الجانب الأيمن هو أول ما تقع عين الناخب عليه عند النظر للاستمارة، كما أن طريقة وضع صندوق الانتخاب تتيح لرئيس اللجنة معرفة من أي جانب اختار الناخب مرشحه وليس مهما معرفة الاسم بالتحديد.
أما عن سبب عدم تسرعي في اختيار المرشح فيرجع لكوني لا أعرف كل المرشحين، بل ربما لا أعرف إلا مرشح الحزب الحاكم لكثرة ما قرأت من لافتات تأييد له ولاصطدامي بصورته في كل مكان، ولأنه عضو فعال في الحكومة الحالية، لكن المؤكد أن خدماته لا تصل بشكل مباشر إلى جماهير الناخبين لذلك كنت أتساءل (ماذا سيفعل لي هذا الوزير عندما يصبح نائبا عن دائرتي الانتخابية؟).
ويقودني هذا التساؤل، مثل غيري من الناخبين، إلى تحديد الأسس التي عليها أختار المرشح، أريد مثلا شارعا نظيفا خاليا من القاذورات وهذا غير مؤمن حاليا خصوصا بعدما أصبحت مدينة نصر تتنافس عالميا على لقب أقذر مدينة في العالم، فهل سيستطيع مرشح مجلس الشعب تحقيق هذا الحلم؟، أريد أيضا مكانا تقف فيه سيارتي بعدما أصبحت شوارع المنطقة غابة من السيارات لدرجة أني أتساءل ألا يخرج أصحابها لأعمالهم؟، أريد حلا لمشاكل الزحام المروري وأن أصل لمقر عملي بمنطقة الدقي في معدل الوقت الطبيعي (حاليا يتراوح الزمن من 45 دقيقة إلى ثلاث ساعات!!).
لن أتكلم عن توفير احتياجاتي وأسرتي بأسعار معقولة والعمل على الحد من الغلاء وجشع التجار، ولن أحلم بالحصول على حقوقي الدستورية والدفاع عن عدم سن تشريعات تحرمني منها أو تزيد من معاناتي كمواطن مصري، ولن أتجرأ وأفكر في مستقبل أولادي على أساس أنني مؤمن ويجب لكي يكتمل إيماني؛ وفقا للمفهوم الرسمي؛ ألا أفكر في الغد على اعتبار (أن الله لم يطلب مني أعمال العبادة ليوم الغد فلماذا أفكر أنا في مستقبلي ومستقبل أولادي ليوم الغد).
أنا ابن اليوم، أفكر فقط فيمن يؤمن لي متطلباتي اليومية والحياتية، فقط ليوم واحد، أرى فيه شارعا نظيفا وتقف سيارتي على بعد كيلو متر واحد من منزلي وأذهب لعملي في نصف ساعة فقط ولا يحتك بي البشر العصبيين وتبتسم زوجتي في وجهي ويتضاحك أطفالي معي قبل ذهابهم إلى النوم مبكرا بدلا من عبوس الجميع للضغوط التي يواجهونها سواء في مدارسهم أو عملهم.
هل أنا من الطماعين أم ما زلت قنوعا، لا أريد الكثير من نواب البرلمان ولا من حكومة البرلمان، أريد فقط أن أعيش اليوم في سلام. يا رب حقق أمنيتي وأمنيات المصريين.

الأربعاء، 8 سبتمبر 2010

تخاريف صائم

 اليوم، التاسع والعشرون من شهر رمضان المبارك، كنت بالأمس القريب استعد نفسيا لاستقبال الشهر ممنيا نفسي بمزيد من الطاعات والعبادات التي نقصر في أدائها طوال العام، لكن ها هو الشهر ولى ولم أنفذ 10% مما كنت أتخيل أني قادر على تنفيذه.. أدعو لي أن أوفق في الطاعة وأن تدوم هذه العشرة بالمائة بقية شهور العام.. اللهم آمين.

 أمس، ليلة التاسع والعشرين كانت الفرصة الأخيرة لالتماس ليلة القدر، التي وصفها رب العزة بأنها "خير من ألف شهر"، في كل عام كنت أمني نفسي للفوز بها، ولكن تمر الليالي الوترية ونحن عاجزون عن قيامها.. اسأل نفسي، إذا كان الله سبحانه وتعالى قد حجب عن نبيه ومصطفاة صلى الله عليه وسلم إخبار المسلمين بموعدها تحديدا بعدما أطلعه عليه فطلب منا التماسها في الليالي الوترية من العشر الأخيرة لشهر رمضان المبارك، إذا كان الأمر كذلك فهل يمنحنا الله عز وجل شرف قيامها والفوز بدعائها رغم أن حياتنا كلها وعلاقاتنا عبارة عن مشاحنات دائمة. المسلمون اليوم ليسوا كما كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هم كما أخبرنا صاروا غثاءً، فهل نحن نستحق ثواب هذه الليلة.. لا أظن وربما لهذا السبب لا نرى علامات تلك الليلة التي أخبرنا بها علماء الأمة.

 مع نهاية شهر رمضان، أنظر إلى أبنتي الصغرى وأجدها أفضل مني وأقوى، عمرها 10 سنوات أتمتها بالكاد منذ أيام قليلة وهي تصوم شهر رمضان من اليوم الأول، رغم حرارة الجو ورغم الإجازة الصيفية التي تصاحبها مغريات كثيرة خلال النهار فهي تتطلب كثير من اللعب وكثير من الشيبسي والحلوى، رغم كل هذه المغريات إلا أنها صامدة لم تشكو يوما من طول فترة الصيام وجفاف حلقها وحاجتها لقليل من الماء، وما إن تسمع آذان المغرب حتى تعُب من الماء عبا فهي لا تريد غيره.. تقبل الله منك يا تسنيم، ولا تنسيني في دعئك يا صغيرتي.

 مدفع الإفطار له أهمية خاصة منذ طفولتي، فهو يرتبط لدي بكثير من أكواب قمر الدين وأطباق الحلوى التي التهمها بعد الإفطار، في ذاكرتي ما زالت محفورة تلك الدقائق الأخيرة قبل انطلاق المدفع وآذان المغرب، فرحة لا تعادلها فرحة، استعيد ذكرياتها هذه الأيام بعدما رأيت أبنتي تسنيم حريصة هي أيضا على سماع ضربة المدفع، لم يعد هذا متاحا في تليفزيون الدولة الرسمي لذلك فهي تتسلل حيث المذياع وتظل رابضة إلى جواره حتى تسمع بأذنيها "البووووم"، الفارق بيني وصغيرتي أنني كنت أهتم أيضا بمدفع الإمساك عن الطعام بينما تسنيم تهتم فقط بمدفع الإفطار.. هذا هو الفرق بين الأجيال.

 العيدية، تدرجت في طفولتي ما بين المليم والقرش (صاغ) وعندما نبت شعر ذقني عرفت معنى الخمسة قروش والعشرة (الشلن والبريزة)، لم تلمس يداي مبلغا أكثر من هذا، وكان ما اتلقاه يفتح لي أبواب الدنيا كلها ويوفر كل احتياجاتي من البونبون (النادلر) وغيره من الألعاب البسيطة التركيب والبدائية الصنع.. اليوم عندما أعطي بناتي الثلاثة (مريم وسارة وتسنيم) ورقة المأتي جنيه ينظرون لي وعلامات الاستفهام تتراقص في عيونهم، الكبيرتين (مريم وسارة) لا تتكلمان تأدبا وخجلا، بينما الصغيرة (تسنيم) تملك من الجرأة ما يجعلها تقول "أيه يا بابا حشتري أيه بالفلوس دي؟!".. ربنا يسامحك يا حكومة وضعتني سياساتك الاقتصادية في مأزق حرج، ولم استطع الإجابة على أبنتي مفضلا صمت المقهورين الذي اصبح من طباعنا نحن المصريين.

الاثنين، 9 أغسطس 2010

نسائم رمضان - 1


حين شرعت في كتابة هذه التدوينة لم يكن قد بقي من شهر شعبان إلا أقل من 48 ساعة لتعلن بعدها دار الإفتاء في كل دولة إسلامية مولد هلال شهر رمضان الذي ينتظره المسلمون من العام للعام، وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء نقوله كلما اقترب شهر الصوم، "اللهم بلغنا رمضان".
وسوف أحاول في هذه التدوينة ممارسة عادة التفكير بصوت مسموع لتحديد ما الذي يجب علينا أن نفعله قبل دخول شهر رمضان..
بداية يجب علينا أن نعرف ونتذكر الهدف من فريضة الصيام، لقد حددها لنا المولى عز وجل بشكل واضح وصريح حين ذكر في الآية الكريمة "يا أيُّها الذينَ آمَنوا كُتِبَ عليكُمُ الصيامُ كما كُتِبَ على الذين مِن قبلكم لعلَّكُم تتَّقون"، أي أن المقصود من الصيام أن أصبح تقياً، أن أخشى الله عز وجل وأجعل بيني وبين غضبه وقاية، وإذا نجحت في فعل ذلك خلال شهر رمضان سأكون قادرا على فعله خلال باقي أيام العام، فهذا الشهر فرصة للتدريب كي أصبح تقيا وأنال رضوان الله ورضاه.. إذن يجب أن أبدأ الاستعداد من الآن كي أكون في رمضان من المتقين الفائزين برضوان الله وجناته .
والمقصود من هذا التدريب أن أحول حياتي كلها إلى عبادة، من خلال النية تطبيقا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "لكل امرئ ما نوى"، وعليه فإذا أكلت يجب أن تكون نيتي هي أن أقوِّي جسمي لأقوم بالصلاة على أكمل وجه ممكن، وإذا نمت مبكراً كانت نيتي هي أن أستيقظ لقيام الليل ثم صلاة الفجر، وإذا أعدت ربة البيت الطعام كانت نيتها هي إطعام الطعام وإفطار الصائمين لتنال بذلك أجرا ًعظيماً.
أيضا يجب علي أن أحاول تغيير عادة سيئة من عاداتي واستبدالها بعادة حميدة، فإذا كنت أعتدت السهر إلى وقت متأخر فيجب أن أعوِّد نفسي على النوم المبكر من أجل الاستيقاظ قبل الفجر لقيام الليل وصلاة الفجر.
ومن المهم أن أبدأ بعمل خطة تدريجية لقيام الليل، مثلا أبدأ بركعتين قبل أذان الفجر ولو بخمس دقائق وبعد أن أعتادها أجعل قراءتي في القيام بسور أطول، وفي المرحلة التالية أستيقظ قبل الفجر بربع ساعة ليكون لدي وقت للتسبيح والاستغفار حتى أذان الفجر،فإن شعرت بحلاوة قيام الليل وصارت نفسي تهفو إليه استيقظت قبل الفجر بنصف ساعة لأصلي عدداً أكبر من الركعات، وهكذا..
وقت السحر وهو الوقت المبارك الذي يضيعه أغلب الناس في أغلب العام فيأتي رمضان لينبههم عليه فيوقظهم ليتقووا من خلال الطعام ولكن كثيرا من الناس يقضون هذا الوقت في الطعام وينسون الحديث الشريف " إن الله ينزل في الثلث الأخير من كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول ألا هل من مسترزق فأرزقه ألا هل من مستغفر فأغفر له ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر
ويجب الحرص على صلاة الفجر في المسجد؛ والتي نسهو عنها وننام في سائر أوقات السنة فيأتي رمضان ليوقظ في أنفسنا أن هناك صلاة مشهودة في المسجد ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا )، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم " بشر المشاءين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة يفزع الناس ولا يفزعون" ، ويقول صلى الله عليه وسلم" من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح".
ويجب أن أتذكر أهمية الدعاء في هذا الوقت من الليل وأن أكثر منه والاستغفار طوال اليوم لاسيما في هذا الشهر المبارك حيث إن دعاء الصائم مستجاب كما ورد في الحديث الشريف " ثلاثة لا ترد دعوتهم ....الصائم حتى يفطر " وفي رواية "الصائم حين يفطر"، قال العلماء إن الله وضع آية الدعاء بين آيات الصيام إشعارا منه بأن الدعاء في الصيام لا يرد فكم عندنا من الحاجيات نري أن تقضى.
وبالإضافة إلى ذلك هناك كثير من الوسائل التي تجعلنا نجدد حيلتنا في رمضان منها الإكثار من النوافل والتصدق وصلة الأرحام وإدراك معاني الأخوة في الله ومراعاة شعور المسلم فكلها تعطي للحياة معنى آخر غير المعنى الذي كنا قد اعتدناه .
وأهم هذه الوسائل التي تجدد الحياة أول كلمة نزلت في رمضان من القرآن وهي كلمة اقرأ والقراءة باسم الله فهي الوسيلة الأولى لرفع مستوى الثقافة الإسلامية ونشر الوعي، فليجعل المسلم لنفسه في رمضان ساعة على الأقل يقرأ فيها وليتدبر معاني القرآن ليعرف ما يقرأ فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم جميعا لا يتنقلون من آية إلى أخرى إلا بعد أن يتدبروا معناها ويطبقوها في حياتهم.
وقبل أن أترككم أذكركم بدعائه صلى الله عليه وسلم حين نرى، أو نعلم، ظهور هلال رمضان فقد كان الرسول يقول "اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله هلال رشد وخير".

الأحد، 11 يوليو 2010

تدوينات المواطن الصحفي


انتهى زمن الصحفي التقليدي الذي ظهر في العديد من الأفلام العربية (بقلم ونوته) يجري وراء المصدر ليكتب ما يقوله قبل أن يدفع به إلى رئيس التحرير ليعلمه الناس ويقرؤه في صحف صباح اليوم التالي، قارئ اليوم تصل إليه المعلومة ويعرف الخبر فور وقوع الحدث وبالتالي لم يعد يحتاج إلى مطالعة الصحف ليطلع على أحداث الأمس.

وبالضربة القاضية استطاع من أطلق عليه تعبير "المواطن الصحفي" أن يقضي على طموحات دارسي الإعلام والحالمين بالانضمام إلى سوق الإعلام بأشكاله المتعددة، نظرة سريعة على ما تبثه فضائيات القرن الواحد والعشرين وما تضمه الشبكة العنكبوتية من مواقع وصفحات وما تضخه المطابع من أوراق ممهوره بتوقيع أشخاص لم نعرفهم من قبل، كل ذلك المشهد يؤكد أن جيلا جديدا تسلم الراية الإعلامية ودون أن ندري يحفر بصماته وأفكاره على الخارطة الإعلامية.

المسئولون عن الفضائيات العربية لم تعد لديهم شروط تعجيزية في مقدمي البرامج والمذيعات، لم تعد الوسامة مطلوبة ولا سرعة البديهة والقدرة على التحاور ولا الثقافة العامة أو غير ذلك من مواصفات كانت لا توجد إلا في القليل النادر من راغبي العمل الإعلامي وقليل منهم هو الذي يصل ويظهر على الشاشة مقتحما بيوتنا.

اليوم قد تجد من يصرخ ولا يتكلم، يتلعثم ولا يتعلم، لا يدري ما يقول بل يردد ما هو مكتوب دون أن يفهم، ليس لديه مهارات إدارة الحديث، لكنه يمتلك علاقات جيدة ولدية أجندة عالية المستوى، وإن كان هذا الشرط ليس أساسيا لكنه مطلوب، والمهم والأهم أن يكون قادرا على جذب مزيد من الرعاة لبرنامجه حتى ولو كان ما يقوله "سمك لبن تمر هندي"، وهذا الشرط الجوهري دفع العديد من الشباب إلى شراء مساحات زمنية في المحطات الفضائية وملئها ببرامج لا طعم لها لكن وراءها من يمولها وينفق عليها لأغراض شخصية!.

وإذا كان الإعلام المرئي قد شهد هذا التطور (الانتكاسة)، وإذا كان تأثيره الأخطر لأنه يقتحم كل البيوت ويخاطب كل الثقافات والمستويات، فإن الأخطر خلال العشر سنوات المقبلة ستشهده ساحات الإنترنت بعد أن صار داخل كل بيت وأصبح في متناول الجميع وصار لا يحتاج إلى لغة أجنبية بل ابتدعت ساحاته ما بات معروفا باسم لغة الإنترنت وهي مزيج من المعنى العربي ولكن بحروف لاتينية تكاد لا تفقه منها شيئا.

ومثلما أضاعت طريقة الكتابة الجديدة لغات العالم كلها ومزجتها في شيء مستهجن لا معنى له، كان أسلوب الكتابة وحرفية صناعها والمهنية الإعلامية كلهم جميعا ضحايا لهذا القادم الجديد الذي لا يحمل أي مؤهلات علمية لكن لديه القدرة على مخاطبة قارئ الإنترنت والتفاعل معه.

ورغم اعتراضي، المهني والشخصي، على ما يحدث في أروقة الإعلام المرئي حيث أنني أدعم وبشدة أن يتولى أصحاب الاختصاص والكفاءة مقاليد الأمور بشرط تدريبهم وثقل موهبتهم وتنمية أفكارهم وقدراتهم الذاتية، رغم ذلك إلا أنني أؤيد وبشدة ما يحدث في ساحات الإنترنت التي لم تعد تنتظر قارئ افتراضي لا تعلم عنه شيئا بل هي تدرك نوعية من يقرأ لها وماذا يحب ويكره، والقارئ يتفاعل معها لحظة بلحظة ويستطيع أن يعدل مسار ما يكتب له تدعيما لمقوله جديدة مفاداها "هذا ما أريد فأكتبه لي".

لهذا أؤيد وأسجل دعمي الكامل لظاهرة "المواطن الصحفي" الذي يستطيع أن يصل إلى المعلومة ويقدمها قبل وصول الصحفي المحترف، ولنا فيما حدث مع الغزو الأمريكي للعراق أبرز مثال حيث كان مواطنا أمريكيا هو روس كيرك صاحب مدونة (ثقب في الذاكرة) حين وضع الإعلام الأمريكي في موقف مخز في أبريل ٢٠٠٤ بعد نشره لصور الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في العراق.. لقد سبق كبريات الصحف ووكالات الأنباء وجميع وسائل الإعلام العالمية رغم أن ما فعله مجهود فردي منشور في مدونة لم يكن يعرفها الكثيرون في ذلك الوقت وقد نشر هذا المواطن ما توصل إليه من معلومات مدعما بالصور في مدونته الشخصية وبعدها تدافعت وسائل الإعلام للنقل عنه واستكمال مسلسل الفضائح الأمريكي.

المهم أن بداية ظهور المعلومة كانت بفضل هذا المواطن الذي مارس العمل الصحفي دون أن يكون محترفا وقدم العمل الإعلامي بكل مهنية واقتدار من حيث توثيق المعلومة وتسجيلها، وبالطبع استنساخ هذه التجربة أمر وارد لكنه ليس شرطا أن يكون على المستوى ذاته حيث يستطيع كل فرد أن يصل إلى المعلومة وأن يقدمها بتباين واختلاف درجة المصداقية والتوثيق إذ سيكون ذلك من مهام المتلقي الذي عليه أن يتأكد من المعلومة المقدمة له قبل أن يصدقها ويتداولها.

نظرية "المواطن الصحفي" تخطت حاجز التجربة في أوروبا والولايات المتحدة، ومع بروزها وانتشارها اضطر ملاك المواقع الإعلامية الكبيرة إلى تخصيص مساحات من مواقعهم لهؤلاء القادمين الجدد، لكن في وطننا العربي ما زالت الفكرة تحبو على استحياء رغم كثرة عدد المدونين، لكن ليس كل مدون مواطن صحفي كما أنه لا يستطيع أي صحفي أن يصبح مدونا.

وتدعيما لهذه الفكرة ومحاولة نشرها في البلاد العربية، بدأ مجموعة من الإعلاميين العرب المقتنعين بالفكرة في إنشاء أول موقع عربي يمزج بين التدوين والصحافة لإتاحة الفرصة أمام الراغبين في طرق هذا المجال بعدما صار الجمهور هو صانع الرسالة الإعلامية، وشكلت المدونات بذلك فرصة للعديد من الكتاب ذوي الموهبة لعرض نتاجهم وإبداعهم الفكري من قصص ومقالات وأشعار وخواطر ذاتية وفضفضة شخصية، وبذلك أصبح أي شخص في مقدوره أن يفتح منبرا إعلاميا على الإنترنت يسجل فيه ما يريد ليقرأه الجميع.

إن موقع "تدوينات" هو البذرة الإعلامية الأولى التي تبدر بشكل علمي متخصص لتجذب شريحة من مستخدمي الإنترنت لم تجد في السابق متنفسا لعرض أفكارها وإبداعاتها وأيضا ما تتوصل إليه من أخبار ومعلومات.

إن موقع تدوينات هو الموقع العربي الأول الذي يمكن أن تكتب أسمه بالحروف العربية وتستطيع أن تزوره بكتابة عنوانه بهذا الشكل تدوينات com. ، كما يمكنك أن تكتبه بالطريقة التقليدية tadwinat.com، أو tadwinat.net.. اكتبه بأي طريقة فكلها ستؤدي بك إلى دخول عالم التدوينات ومن يعلم ربما تصبح روس كيرك العربي وتتناقل وسائل الإعلام كلها ما تنشره من معلومات.

كأس العالم وحب الوطن


أقر وأعترف بأنني واحد من قليلين على سطح المعمورة لم يتابعوا بالكامل فعاليات كأس العالم والمباريات التي شهدت فعالياتها ساحات جنوب أفريقيا، لكني وبحكم العادة الجبرية كنت اقرأ نتائج المباريات خلال مطالعتي لصحف الصباح ثم أكتفي بمشاهدة ما ينشر من صور تعطيني انطباعا عن ردود فعل الجمهور تجاه النتائج وكيف يواجهون خسارة فريقهم أو صعوده للدور التالي.

ومن متابعة انطباعات الجمهور لاحظت أن السعادة تغمر المشاهدين عندما يفوز فريقهم ويسارعون إلى التعبير عن ذلك بألوان متعددة لعل أبرزها رسم علم دولتهم على الوجوه والأذرع ومناطق أخرى من الجسم، كانوا يتسابقون إلى التغني بأوطانهم والتعبير عن حبهم له عندما يسجل فريقهم هدفا في مرمى الخصم، وكانوا يغضبون ويثورون عندما يخسر الفريق، وفي كثير من الحالات يتحول الغضب إلى تخريب وتدمير يعكس حالة الكراهية الإيجابية للوطن الضحية.

هل حب الوطن يكون فقط في حالات الانتصار، سواء السياسي أو الكروي، وهل هو حب فطري أم أننا حولناه إلى كلمات مجردة تفتقد الروح والمعنى؟، وإذا كان حب الوطن دافعاً إلى تحقيق المواطنة فإن ممارسة المواطنة هي التعبير الصادق عن ذلك الحب، ما الذي يجعلني إذن مواطنا صالحا أحب بلدي إذا ما انتصر فريق ينتمي إليها وأحبها أيضا إذا ما خسر الفريق أو حتى انهزم الناس كلهم.

اعتقد أن خللا ما حدث في نظرة الفرد للوطن أو المكان الذي يعيش فيه، كنت أظنها ظاهرة مصرية محلية فقط، حيث تظهر وتنتشر في بلدي ويلمسها كل من يسير بالطريق أو يعاشر الناس ويخالطهم، مفهوم حبي لمصر يعني دفاعي عنها في كل مكان وإخلاصي في العمل لنهضتها كان نجاحي لا يتم إذا استمر تأخر بلدي ومصلحتي الذاتية الشخصية تنصهر في المصلحة العامة التي تسيطر على الجميع كان تخريب المال العام أمرا مستبعدا وعبارة "يا عم هو أنا اللي سأصلح الكون" غير مدرجة في قاموسي الفكري.

اليوم، ماذا نرى ونسمع!، غلبت المصلحة الفردية وسيطرت الأنانية وغابت المصلحة العامة وصار حبي لذاتي هو البداية والنهاية، صرت لا أشعر بمن حولي وأعيش كأني في جزيرة منعزلة لا وجود فيها لغيري، لا أشعر بإحساس المواطنة إلا إذا رأيت تجمعا كرويا وانتصر الفريق الذي يحمل علم بلدي، وبتلقائية غريبة وبدون تفكير صرت أنصهر في هذا الرد فعل للحدث وبمجرد انتهاءه تتفرق المشاعر وأعود إلى ذاتي انكمش داخلها وأنسى من حولي.

باختصار صرنا مواطنين حسب الحدث ولم يعد يجمعنا كيان جغرافي ولا رابطة عاطفية، بل صار ما يجمعنا ويفرقنا هو الحدث وتبخر حب الوطن.

هذا ما لاحظته أيضا خلال متابعتي لصور وحكايات كأس العالم 2010 وهي بالتالي تختلف عن صور وحكايات أول مونديال عرفته البشرية.. تغيرنا جميعا إلى الأسوأ وليس إلى الأفضل كما كنت أحب وأتمنى.

الأربعاء، 23 يونيو 2010

المصريون والنظافة.. ضدان لا يلتقيان


هل أنت مصري؟، هل أنت نظيف وتحب النظافة؟.. أرجوك لا تغضب واستوعب السؤال جيدا قبل أن تجيب. أسمعك تردد "وهل يوجد إنسان يعترف بأنه غير نظيف!"، لكن الواقع والانطباع السائد؛ ليس عندي فقط ولكن عند كثيرين؛ أن المصري والنظافة ضدان لا يلتقيان!.
سألت أصدقائي فقال بعضهم، إنه الفقر الذي جعلنا غير نظيفين!.. واعترضت لأن النظافة لا علاقة لها بمستوى دخل الفرد فهي لا تتطلب مستلزمات مادية لا يقدر على شرائها، يكفي قليل من الماء يستطيع به أن ينظف كل شيء حوله ولكن حتى هذا الماء نستخدمه بطريقة تدلل على أننا والنظافة ضدان ويكفي للدلالة على ذلك مشاهدة من يغسل سيارته في الشارع أو حتى محطات البنزين، صحيح أنه يهدر الكثير من الماء بلا داع ولكنه يجعل كل ما حوله قذرا؛ بل ونفسه أيضا؛ في مقابل أن يخرج بالسيارة وكأنها نظيفة وهي ليست كذلك.. أظن أنك لا تحتاج مثالا آخر يثبت أننا والنظافة ضدان، يكفي فقط أن تنظر إلى الشارع المصري لتتأكد من صدق مقولتي "المصري والنظافة ضدان لا يلتقيان"، بل دعني أكون قاسيا؛ وإن كنت على حق؛ وأطالبك بالنظر إلى بيتك لتتأكد من صدق مقولتي، بل سأكون أكثر قسوة وأطالبك بالنظر إلى نفسك لتكون أكثر اقتناعا بما أدعي وأقول.
أسألك، هل تغسل يديك قبل الأكل وبعده، كما كانت تطالبنا الإرشادات المدونة على ظهر كراسات المدرسة والتي اختفت هذه الأيام مع اختفاء النظافة من حياتنا؟ دعنا من هذا السؤال حتى لا تقول "لست صغيرا حتى أتتبع تلك النصائح" رغم أنها ليست قاصرة على الصغار، هل تنظف نفسك بعدما تقضي حاجتك؟ معظم المسلمين؛ رغم أن الإسلام دين النظافة لا يعرفون؛ أتذكر ما قاله الدكتور محمد العوضي المفكر الكويتي الجنسية حينما كنت أحاوره، قال "سألت أحد المتطرفين الذين تطاولوا على شيوخنا: قل لي كيف تنظف نفسك بعد قضاء حاجتك؟"، ولما علمت أنه لا يعرف قلت له "أذهب وعندما تعرف كيف تنظف مؤخرتك تطاول على شيوخك ومن هم أكثر علما منك!".
قرأت منذ فترة استبيانا أجرته إحدى الشركات الأمريكية رصدت من خلاله جهازا يبين عدد الذين يغسلون أيديهم بعد خروجهم من الحمام فوجدت أنهم لا يتعدون الثلاثة أشخاص من بين كل مائة شخص!!!، ربما نستهين بهذه العملية لكن لو عرفنا عدد الجراثيم التي تمرح في كفوفنا لأدركنا كم هو هام أن ننظف أنفسنا جيدا ثم ننظف أيدينا بدقة حتى نتجنب ومن نخالطه العديد من الأمراض.
هناك أيضا دراسة علمية تؤكد أن نصف المصريين لا يغسلون أيديهم بعد العطس!، أو بعد العودة إلى البيت أو بعد حمل أشياء من الخارج أو حتى بعد ملامسة بعض الأشياء مثل اللحوم النية و مقابض الأبواب و غيرها، ولأهمية غسل اليدين خصصت منظمة الصحة العالمية يوم 15 أكتوبر من كل عام أسمته ( يوم غسل اليدين) ، فلماذا غسل اليدين مهم؟

بالرجوع إلى الدراسة فقد أنه تحت الخواتم على سبيل المثال مئات الملايين من الميكروبات و نفس الشيء تحت الأساور و ساعات اليد، غير أن الأيادي المبللة تنتشر الميكروبات فيها ألف ضعف الأيدي الجافة، وdكثر انتشار البكتيريا والجراثيم في راحة اليد وفي الأظافر وفي الخطوط وفي تعاريج راحة اليد وعقل الأصابع وفي فتحتي الأنف والجروح والشقوق والدمامل.
وأوضحت الدراسة أن الموبايلات، التي نستخدمها بكثرة هذه الأيام، تنتشر فيها البكتيريا بشكل مخيف جدا، بنسبة 92% لدى بائعي الأطعمة، وبنسبة 76% لدى الطلبة و الأساتذة، وبنسبة 42% لدى الموظفين العموميين، وبنسبة 38% بين مقدمي الخدمات الصحية والمستشفيات.
والآن، دعني أكرر السؤال الذي طرحته في البداية، هل أنت نظيف؟ بالتأكيد إذا أجبت بصدق سيكون بالنفي، ولكن دعنا لا نقف عند الإجابة بل نتخطاها إلى محاولة التصحيح، أبدأ بنفسك ثم بغرفتك التي تعيش فيها ثم ببيتك الذي تسكن به ثم بالعقار الذي تقيم فيه فالشارع الذي تقطن به.. وهكذا كلما أتممت دائرة وتأكدت من أنها نظيفة تنطلق إلى الدائرة الأوسع، ويوما ما قريبا أم بعيدا سنستطيع أن نجيب على السؤال ونحن واثقون من أننا نظيفين.
تحدثت عن نظافة اليدين، أما نظافة الروح، وطهارة اليد فلذلك موضوع آخر.

الخميس، 17 يونيو 2010

الاستبداد وفساد الأخلاق.. وجهان لعملة واحدة!


نعم، كل ما نعيشه من تردي وسوء حال مبعثه الاستبداد الذي يرتبط به ويوازيه فساد الأخلاق.. ديننا الإسلامي حل هذه المشكلة من جذورها ولو طبقنا ما جاء به لصلح حالنا، باختصار شديد يقول الحق سبحانه ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) هذه الجملة التي هي أسمى و أبلغ ما قاله مشرع سياسي من الأولين والآخرين.
في كتابه الرائع "طبائع الاستبداد" يربط العلامة عبد الرحمن الكواكبي بين الاستبداد والجهل وفساد الأخلاق، ولروعه ما الكتاب من تحليل ورؤى صادقة تنطبق على واقعنا الحالي حتى نكاد نعتقد أنه يعيش بيننا ويتكلم بلسان حالنا دعونا نعيد قراءة بعض فقراته من جديد.
الاستبداد لغةً هو غرور المرء برأيه، والأنفة عن قبول النصيحة أو الاستقلال في الرأي وفي الحقوق المشتركة، وفي اصطلاح السياسيين هو تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة و بلا خوف تبعة .
صفة الاستبداد كما تشمل حكومة الحاكم الفرد المطلق الذي تولى الحكم بالغلبة أو الوراثة، تشمل أيضاً الحاكم الفرد المقيد المنتخب متى كان غير مسئول وتشمل حكومة الجمع و لو منتخباً لأن الاشتراك في الرأي لا يدفع الاستبداد وإنما قد يعدله الاختلاف نوعاً وقد يكون عن الاتفاق أضر من استبداد الفرد، ويشمل أيضاً الحكومة الدستورية المفرقة فيها بالكلية قوة التشريع عن قوة التنفيذ وعن قوة المراقبة.
يقول الكواكبي: إذا سأل سائل : لماذا يبتلي الله عباده بالمستبدين ؟ فأبلغ جواب مسكت هو: إن الله عادل مطلق لا يظلم أحداً , فلا يولي المستبد إلا على المستبدين , و لو نظر السائل نظرة الحكيم المدقق لوجد كل فرد من أسراء الاستبداد مستبداً في نفسه , لو قدر لجعل زوجته و عائلته و عشيرته و قومه و البشر كلهم , حتى و ربه الذي خلقه تابعين لرأيه و أمره .
الناس وضعوا الحكومات لأجل خدمتهم والاستبداد قلب الموضوع فجعل الرعية خادمة للرعاة فقبلوا وقنعوا. الحكومة المستبدة تكون طبعاً مستبدة في كل فروعها من المستبد الأعظم إلى الشرطي إلى الفرّاش إلى كنّاس الشوارع ولا يكون كل صنف إلا من أسفل أهل طبقته أخلاقاً لأن الأسافل لا يهمهم طبعاً الكرامة وحسن السمعة إنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدومهم بأنهم على شاكلته وأنصار لدولته وشرهون لأكل السقطات من أي كانت ولو بشراً أم خنازير آبائهم أم أعدائهم وبهذا يأمنهم المستبد ويأمنونه فيشاركهم ويشاركونه وهذه الفئة المستخدمة يكثر عددها ويقل حسب شدة الاستبداد وخفته فكلما كان المستبد حريصاً على العسف احتاج إلى زيادة جيش المتمجدين العاملين له المحافظين عليه واحتاج إلى مزيد الدقة في اتخاذهم من أسفل المجرمين الذين لا أثر عندهم لدين أو ذمة واحتاج لحفظ النسبة بينهم في المراتب بالطريقة المعكوسة وهي أن يكون أسفلهم طباعاً وخصالاً أعلاهم وظيفةً وقرباً ولهذا لا بد أن يكون الوزير الأعظم للمستبد هو اللئيم الأعظم في الأمة.
ما أشبه المستبدَّ في نسبته إلى رعيته بالوصيّ الخائن القوي يتصرّف في أموال الأيتام وأنفسهم كما يهوى ما داموا ضعافاً قاصرين؛ فكما أنّه ليس من صالح الوصيّ أن يبلغ الأيتام رشدهم، كذلك ليس من غرض المستبدّ أن تتنوّر الرعية بالعلم.
العلم قبسه من نور الله، وقد خلق الله النّور كشّافاً مبصراً، يولّد في النفوس حرارةً وفي الرؤوس شهامةً، العلم نور والظلم ظلام، ومن طبيعة النّور تبديد الظّلام، والمتأمل في حالة كلِّ رئيس ومرؤوس يرى كلَّ سلطة الرئاسة تقوى وتضعف بنسبة نقصان علم المرؤوس وزيادته.
وكما يبغض المستبدُّ العلمَ ونتائجه؛ يبغضه أيضاً لذاته، لأن للعلم سلطاناً أقوى من كلِّ سلطان، فلا بدَّ للمستبدِّ من أن يستحقر نفسه كلما وقعت عينه على من هو أرقى منه علماً ولذلك لا يحبُّ المستبدُّ أن يرى وجه عالمٍ عاقل يفوق عليه فكراً، فإذا اضطر لمثل الطبيب والمهندس يختار الغبي المتصاغر المتملِّق وعلى هذه القاعدة بنى ابن خلدون قوله: (فاز المتملقون)، وهذه طبيعة كلِّ المتكبرين، بل في غالب الناس، وعليها مبنى ثنائهم على كلِّ من يكون مسكيناً خاملاً لا يُرجى لخيرٍ ولا لشرٍّ.
لا يخفى على المستبدّ، مهما كان غبياً، أنْ لا استعباد ولا اعتساف إلا مادامت الرّعية حمقاء تخبط في ظلامه جهل وتيه عماء، فلو كان المستبدُّ طيراً لكان خفّاشاً يصطاد هوام العوام في ظلام الجهل، ولو كان وحشاً لكان ابن آوى يتلقّف دواجن الحواضر في غشاء الليل، ولكنّه هو الإنسان يصيد عالِمَه جاهلة.
بين الاستبداد والعلم حرباً دائمةً وطراداً مستمراً: يسعى العلماء في تنوير العقول، ويجتهد المستبدُّ في إطفاء نورها، والطرفان يتجاذبان العوام ومن هم العوام؟ هم أولئك الذين إذا جهلوا خافوا، وإذا خافوا استسلموا، كما أنَّهم هم الذين متى علموا قالوا، ومتى قالوا فعلوا.
العوام هم قوة المستبدُّ وقُوْتُهُ بهم عليهم يصول ويطول؛ يأسرهم فيتهللون لشوكته؛ ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم؛ ويهينهم فيثنون على رفعته؛ ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته؛ وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريماً؛ وإذا قتل منهم لم يمثِّل يعتبرونه رحيماً؛ ويسوقهم إلى خطر الموت، فيطيعونه حذر التوبيخ؛ وإن نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلهم كأنهم بُغاة.
والحاصل أنَّ العوام يذبحون أنفسهم بأيديهم بسبب الخوف الناشئ عن الجهل والغباوة، فإذا ارتفع الجهل وتنوَّر العقل زال الخوف وأصبح الناس لا ينقادون طبعاً لغير منافعهم كما قيل: العاقل لا يخدم غير نفسه، وعند ذلك لا بدَّ للمستبدِّ من الاعتزال أو الاعتدال. وكم أجبرت الأمم بترقّيها المستبدَّ اللئيم على الترقّي معها والانقلاب –رغم طبعه- إلى وكيلٍ أمين يهاب الحساب، ورئيسٍ عادل يخشى الانتقام، وأبٍ حليمٍ يتلذذ بالتحابب. وحينئذٍ تنال الأمة حياةً رضيّة هنية، حياة رخاء ونماء، حياة عزّ وسعادة، ويكون حظّ الرئيس من ذلك رأس الحظوظ، بعد أن كان في دور الاستبداد أشقى العباد؛ لأنه على الدوام ملحوظاً بالبغضاء، محاطاً بالأخطار، غير أمين على رياسته، بل وعلى حياته طرفة عين؛
ولأن المستبد لا يرى قطّ أمامه من يسترشده فيما يجهل؛ لأنَّ الواقف بين يديه مهما كان عاقلاً متيناً، لا بدَّ أن يهابه، فيضطرب باله، فيتشوش فكره، ويختلّ رأيه، فلا يهتدي على الصواب، وإن اهتدى فلا يجسر على التصريح به قبل استطلاع رأي المستبدّ، فإن رآه متصلِّباً فيما يراه فلا يسعه إلا تأييده راشداً كان أو غيّاً، وكلُّ مستشار غيره يدَّعي أنَّه غير هيّاب فهو كذَّاب؛ والقول الحقُّ: إنَّ الصدق لا يدخل قصور الملوك؛ بناءً عليه؛ لا يستفيد المستبدُّ قطُّ من رأي غيره، بل يعيش في ضلال وترددٍ وعذابٍ وخوف، وكفى بذلك انتقاماً منه على استعباده النّاس وقد خلقهم ربهم أحراراً.
إنَّ خوف المستبدّ من نقمة رعيته أكثر من خوفهم من بأسه؛ لأنَّ خوفه ينشأ عن علمه بما يستحقُّه منهم، وخوفهم ناشئ عن جهل؛ وخوفه عن عجزٍ حقيقي فيه، وخوفهم عن توهّم التخاذل فقط؛ وخوفه على فقد حياته وسلطانه، وخوفهم على لقيمات من النّبات وعلى وطنٍ يألفون غيره في أيام؛ وخوفه على كلِّ شيء تحت سماء ملكه، وخوفهم على حياةٍ تعيسة فقط.
كلما زاد المستبدُّ ظلماً واعتسافاً زاد خوفه من رعيّته وحتّى من حاشيته، وحتى ومن هواجسه وخيالاته. وأكثر ما تُختم حياة المستبدِّ بالجنون التّام. قلت: (التام) لأنّ المستبدَّ لا يخلو من الحمق قطّ، لنفوره من البحث عن الحقائق، وإذا صادف وجود مستبدٍّ غير أحمق فيسارعه الموت قهراً إذا لم يسارعه الجنون أو العته؛ وقلتُ: إنه يخاف من حاشيته؛ لأنَّ أكثر ما يبطش بالمستبدين حواشيهم؛ لأنَّ هؤلاء أشقى خلق الله حياةً، يرتكبون كلَّ جريمةٍ وفظيعة لحساب المستبدِّ الذي يجعلهم يمسون ويصبحون مخبولين مصروعين.
الكواكبي هو الذي قال ما سبق، لكننا نحن الذين نعيش ما قال " يعيش الإنسان في ظل العدالة والحرية نشيطاً على العمل بياض نهاره وعلى الفكر سواد ليله، إن طعم تلذذ وإن تلهى تروح وتريض لأنه هكذا رأي أبويه وأقرباءه وهكذا يرى قومه الذين يعيش بينهم يراهم نساءً ورجالاً أغنياءً وفقراء ملوكاً وصعاليك كلهم دائبين على الأعمال يفتخر منهم كاسب الدينار بكده وجده على مالك المليار إرثاً عن أبيه وجده.".. هل قرأتم ما أود أن أقول!

الخميس، 10 يونيو 2010

العدالة الغائبة في مصر المحروسة


ماذا يحدث في مصر؟ سؤال أصبح مكررا هذه الأيام من كثرة غرائب ما يحدث.. كل شيء أصبح غير منطقي ويسير عكس الاتجاه المفروض أن يسير فيه.
مثلا، مشاجرة تحدث بين محام ورئيس نيابة فيتحول الأمر إلى اعتصام فإضراب ثم حكم من قاض لم يستمع إلى مرافعات الدفاع ليعرف بالضبط ماذا حدث قبل أن يصدر حكمه بحبس المحامي ليشتعل الموقف بين الطرفين بما يؤثر على السلطة القضائية بمصر.. في هذه القضية كان الخصم هو الحكم لذلك غابت العدالة إجباريا وبفعل فاعل في زمن أصبح للعدالة عنوانان!!.
محكمة أخرى تصدر حكمها تبيح الطلاق وبأحقية زواج الأقباط مرة ثانية بعد الانفصال فتشتعل الساحة أمام الدير ويعتصم المسيحيون اعتراضا على حكم المحكمة على اعتبار أنه صدر مخالفا للشريعة المسيحية التي لا تسمح بالطلاق إلا بواقعة الزنا.. ومرة ثانية ستغيب العدالة بفعل فاعل ويحاول المعتصمون فرض آرائهم دون سند أو برهان!!.
القارئ للصحف المصرية سيقرأ عجبا وسيدرك إلى أين تتجه مصر حكومة وشعبا، مثلا، واصل نحو ٥٠٠ مضيف جوى اعتصامهم بمقر نقابة العاملين بشركة «مصر للطيران» بمصر الجديدة، مطالبين بتطبيق اللائحة المالية المجمدة الخاصة بزيادة رواتبهم منذ ١٤ عاماً أسوة بزملائهم الطيارين.
كما تجمع أكثر من ١٥٠ طياراً بمقر رابطة الطيارين، للمطالبة بالمساواة مع طياري شركة «إير كايرو» التابعة لوزارة الطيران، مؤكدين أن هذه الشركة «لا تحقق أي أرباح مالية، ورغم ذلك يحصل عاملوها على رواتب مرتفعة».
وهذه ليست المرة الأولى التي يتظاهر فيها أصحاب المطالب الفئوية المطالبين بتحسين أوضاعهم المالية، وكل هذه التظاهرات تؤكد أن هناك خللا في لائحة الأجور والمرتبات وأن الأوضاع المعيشية في مصر تزداد سوءا مما دفع بهؤلاء إلى الخروج وإظهار غضبهم للنظام، وللأسف دائما تأتي الحلول جزئية ومجرد مسكنات مما يدفع بالأزمة إلى معاودة الاشتعال من طرف آخر.. وهذا ما يدفعنا إلى التأكيد مجدد على أن السبب الرئيسي في ذلك هو غياب العدالة، وهنا أيضا بفعل فاعل ومع سبق الإصرار والترصد!!.
وبموازاة هذه الأخبار نجد رافدا آخر يؤكد على انتشار الفساد وغياب الذمم؛ وهما جناحا غياب العدالة؛ ويتبين من قراءة تفاصيل أسباب حكم مجلس تأديب القضاة بفصل المستشار سيد زكى نائب رئيس مجلس الدولة من عمله القضائي أن ذلك لاتهامه بتلقي رشاوى من رجل الأعمال محمد فريد خميس مقابل إصدار أحكام ضد الرئيس مبارك وعدد من الوزراء تخص الجامعة البريطانية وعدد من الوزراء، وهى القضية المتورط فيها نائب آخر لرئيس مجلس الدولة هو المستشار أحمد عبد اللطيف، والذي استقال من منصبه.
وقال المحامى رأفت المسلمي في التحقيقات إن رجل الأعمال محمد فريد خميس استضافه في قصره بمارينا 3 أيام متواصلة، وخلالها عرف بنشوب نزاع بين فريد خميس والدكتور ذهني فراج على بناء مجموعة فيلات، فعرض على خميس الاستعانة بالمستشار أحمد عبد اللطيف نائب رئيس مجلس الدولة لحسم النزاع لصالح خميس، لكن وزير الطيران بصفته رئيس مجلس أمناء قرية مارينا تمكن من إنهاء النزاع بحمل خميس على التنازل عن الأراضي المتنازع عليها!!.
وفي سياق أخباري مختلف نقرأ في الصحف المصرية أن المستشار عبد المجيد محمود النائب العام قرر حفظ البلاغات المقدمة ضد رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافة وبعض العاملين بالهيئة بسبب إعادة طباعة ونشر مؤلف "ألف ليلة وليلة" والذي أشار المبلغون إلي انه يحوي العديد من العبارات التي من شأنها ازدراء الدين الإسلامي وخدش الحياء العام وكذلك الدعوة إلي الفجور والفسق وإشاعة الفاحشة.
ألف ليلة مؤلف تراثي صدر منذ ما يقرب من قرنين من الزمان يوضح لنا كيف كان الأدباء قديما يكتبون النظم الأدبية، ومع ذلك ما زال يثير كل هذه الضجة والتي ربما أدت إلى زيادة مبيعاته وحرص الناس على قراءته، أي أن الشخص الذي رفع الدعوى القضائية ساهم دون أن يدري في نشر "الرذيلة" التي يقول أن كتاب التراث يحض عليها!!.
ولمزيد من الضوء على "اللخبطة" التي تحدث في مصر، ألقت أجهزة الأمن القبض على مجموعة من أتباع الطريقة " الأحمدية القاديانية"، ونسبت إليهم التحقيقات اتخاذ مكان في منطقة المقطم لإقامة شعائر الحج، كما تروج المجموعة إلى أن فريضة الحج يجب أن تكون لقبر القاديانى بالهند وليس إلى الكعبة المشرفة بمكة!!.
.. وصدق من قال: في مصر كل شيء ممكن الشيء ونقيضه!، وهذا دفعني إلى تذكر صديقي محمد بركات الصحفي والإعلامي الكبير حين تعجب له أحد الأصدقاء السعوديين مما شاهده في مصر من "فجور" و"فاحشة"، فكان تعليق بركات "في هذا الاتجاه، على مرمى البصر مسجدا، وبالقرب منه حانة.. إن أردت دخول الأول فلك ما تريد، وإن رغبت في الثانية فتلك حريتك"!!. لا يوجد ضابط ولا رابط في مصر والكل يفعل ما يريد، تطبيقا لما قاله سائق تاكسي ذات يوم تعليقا على الفوضى الحادثة "مصر يا أستاذ ما لهاش كتالوج"!!.

الخميس، 3 يونيو 2010

أنا بكره إسرائيل


عنوان ليس بجديد، لكنه في حاجة إلى تأكيد وتكرار، غناها شعبان عبد الرحيم منذ سنوات.. كان صادقا فيما يقول ولذلك نجحت أغنيته وسجلت أرقاما قياسية في التوزيع رغم تردي مفرداتها الفنية.. اليوم أجدني وآخرين نصرخ بأعلى صوتنا منددين بما فعلته إسرائيل بمواطنين عُزل لم يخرجوا من بيوتهم إلا ابتغاء مساعدة المحتاجين، وهل يوجد أشد عوزا من سكان محاصرين منذ ثلاث سنوات ونيف وكأنهم سجناء بقعة أرض لا يستطيعون عنها حراكا.
ما فعلته إسرائيل بقافلة الحرية الإنسانية جعلني أشد كراهية لإسرائيل حكومة وشعبا، وجعلني أكره العالم الظالم معهم، لم نسمع بعد المجزرة إلا كلمات إدانة، قالوها على استحياء وربما خوفا من أحفاد القردة والخنازير؛ كما وصفهم ربي الكريم؛ قالوها ولم يزيدوا مع أن المفروض أن نخرج لسحل هؤلاء دون وجل أو استحياء، ما فعله هتلر فيهم قليل وليته لم يبق أحدا منهم، لكنه أبقى ليعذبنا بهم ولنعرف كم كان محقا حين أحرقهم.
لقد أرادت إسرائيل عبر الهجوم الذي نفذته قوات الكوماندوز التابعة للجيش على أسطول الحرية صباح يوم الاثنين 31/5/2010، وفي عرض المياه الدولية، توجيه رسالة إلى العالم كله بأنها مستعدة للذهاب بعيدا جدا لمنع كسر حصار غزة، وأنها تتمسك بهذا الحصار باعتباره مكسبا وحقا تتيحه لها القوانين والقرارات الدولية، وبالتالي ليس من حق أحد أن يقرر عنها في هذا المجال، كما أنها ليست مستعدة للمجاملة في شأن "سيادي" ويخص أمنها بالدرجة الأولى، حتى لو كان نتيجة ذلك تعريض علاقات إسرائيل مع أكثر من أربعين دولة (التي يشارك رعاياها في أسطول الحرية) لخطر القطيعة.
أرادت إسرائيل أيضا أن توجه رسالة واضحة للأميركيين، وللرئيس أوباما نفسه، بأن الأمن الإسرائيلي خط أحمر لا يمكن بأي حال من الأحوال مناقشته والمناورة بشأنه، كما أن إسرائيل تعرف أكثر من غيرها ما يهدد أمنها وتعرف صياغة المعالجات المناسبة لمثل هذه الحالات.
كذلك تدرك إسرائيل أن فك الحصار، وبهذه الطريقة، يشكل انتصارا لقوى التحرر، الأمر الذي يمكن أن يتحول مع الزمن إلى نموذج يمكن تطبيقه على مختلف عناصر القضية الفلسطينية ولذلك فهي لن تسمح بنجاحه مهما كلفها ذلك.
وأسطول الحرية؛ الذي كان متوجها إلى غزة لمناصرة أهلها المحاصرين؛ هو مجموعة من ست سفن، تضم ثلاث سفن تركية، وسفينتين من بريطانيا، بالإضافة إلى سفينة مشتركة بين كل من اليونان وأيرلندا والجزائر والكويت،وقد جهزت القافلة وتم تسييرها من قبل جمعيات وأشخاص معارضين للحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ العام 2007، ومتعاطفين مع الغزاويين.
انطلق أسطول السفن من موانئ لدول مختلفة في جنوب أوروبا وتركيا، وكانت نقطة التقاءها قبالة مدينة ليماسول في جنوب قبرص، قبل أن تتوجه إلى القطاع مباشرة، انطلق الأسطول باتجاه قطاع غزة في 29 مايو 2010، محملا بعشرة آلاف طن من التجهيزات والمساعدات، والمئات من الناشطين الساعين لكسر الحصار، الذي قد بلغ عامه الثالث على التوالي
شاركت شخصيات كثيرة في قافلة كسر الحصار من 44 دولة مختلفة، وكان من أبرز المشاركين فيها أعضاء من البرلمان الأوروبي والألماني والإيطالي والأيرلندي، وأعضاء آخرين من البرلمان التركي والجزائري والكويتي والمصري والأردني، وكذلك أعضاء عرب من الكنيست الإسرائيلي، بالإضافة إلى أكثر من 750 شخصية ناشطة في المجال الحقوقي تضم عددا من الإعلاميين، وهذا يعتبر أكبر تحالف دولي يتشكل ضد الحصار المفروض على غزة.
ولكن في فجر يوم 31 مايو، 2010 بعد الساعة الرابعة فجرًا، تم الهجوم على سفن أسطول الحرية في المياه الدولية من قبل القوات الإسرائيلية ، في أحداث وصفتها مصادر عديدة "بالـمجزرة" و "الجريمة" و"إرهاب الدولة".وقد نفذت عملية الهجوم على الأسطول قوات إسرائيلية خاصة، حيث استخدمت هذه القوات الرصاص الحي والغاز.
لقد تكشفت صورة إسرائيل العنصرية بشكل جلي في هذا اليوم حيث حاول حكام إسرائيل قلب الصورة لمصلحة كيانهم الغاصب، وذلك من خلال محاولة اغتيال الحقيقة حين أدعت أن من على متن سفينة الحرية هم الذي بدءوهم الهجوم بالعصي والسكاكين (البلاستيك)!!!.
واللافت أن وتيرة التهديدات الإسرائيلية تصاعدت قبل أيام من خلال التلويح باعتراض سفن أسطول الحرية الإنساني والاستيلاء عليها، وهي سفن كانت محمّلة بأكثر من عشرة آلاف طن من المساعدات الإنسانية.
كان من شأن المساعدات الدولية لو وصلت إلى غزة أن تحد من معاناة أهالي قطاع غزة، حيث وصلت معدلات البطالة إلى أكثر من 60% من قوة العمل هناك، ناهيك عن انتشار الفقر المدقع بين ثلثي المجتمع في القطاع بسبب الحصار الاقتصادي الجائر، مما جعل الخيارات صعبة سواء لدى الأسرة في القطاع أو لدى العامل الفلسطيني الذي يتحمل عبء إعالة أكثر من خمسة أشخاص بسبب اتساع قاعدة الهرم لسكان القطاع، ونقصد الأطفال الذين يشكلون أكثر من 50% من سكان القطاع.

الأحد، 25 أبريل 2010

حكام فاسدون.. وشعوب فاسدة!


لماذا شعوب الدول العربية؛ سكان العالم (النائم)؛ يصفون دائما حكامهم بالفاسدين والديكتاتوريين والسارقين مع إنه لو أن مواطنا آخر من مواطني هذه الدول سنحت له الفرصة وقفز على مقاعد السلطة لفعل فعلتهم وسرق مثلهم وربما كان أكثر فسادا وأشد بطشا.. إن هؤلاء الحكام هم نتاج طبيعي للبيئة التي خرجوا منها وثمرة من ثمار البذور الفاسدة التي نمت في ذات التربة الفاسدة!.

"من أعمالكم سُلط عليكم"، مقوله نرددها كثيرا؛ كنت اعتقد أنها من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم حتى بحثت عنه ولما تبين لي أن لا أصل له في كتب الأحاديث عُدت فتناولته على أن كلام مرسل من الأقوال الشهيرة؛ والعبارة تشرح نفسها فلو كنا صالحون لجاءنا حكام صالحون، أما كوننا من شرذمة الفاسدين فمن أين يأتينا رجل صالح ليتولى أمرنا ويحكم فيما بيننا، لو حدثت المعجزة ووجدنا هذا الرجل الصالح وحكَم فينا شرع الله لما صرنا فاسدين ولصلُح حالنا جميعا.

والقرآن؛كتاب الله وأحكامه؛ يؤكد ذلك، ففي سورة الأنعام- آية 129- يقول الله تعالى "وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا" وعند تفسير هذه الآية يقول السعدي في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، إن العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم،ومنْعهم الحقوق الواجبة، ولَّى عليهم ظلمة، يسومونهم سوء العذاب، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله، وحقوق عباده، على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين، كما أن العباد إذا صلحوا واستقاموا، أصلح الله رعاتهم، وجعلهم أئمة عدل وإنصاف، لا ولاة ظلم واعتساف .

وفي تفسيره لذات الآية "وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا"، قال سعيد عن قتادة: وإنما يولي الله الناس بأعمالهم، فالمؤمن ولي المؤمن أين كان وحيث كان، والكافر ولي الكافر أينما كان وحيثما كان، ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي .

وقال مالك بن دينار: قرأت في الزبور (إني أنتقم من المنافقين بالمنافقين، ثم أنتقم من المنافقين جميعا، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم إن المقصود بالآية ظالمي الجن وظالمي الإنس، وقرأ "ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين" ،الزخرف-36، قال: ونسلط ظلمة الجن على ظلمة الإنس.

ومعنى الآية الكريمة: كما ولينا هؤلاء الخاسرين من الإنس تلك الطائفة التي أغوتهم من الجن، كذلك نفعل بالظالمين، نسلط بعضهم على بعض، ونهلك بعضهم ببعض، وننتقم من بعضهم ببعض، جزاء على ظلمهم وبغيهم .

وفساد الشعوب وجور الحكام تحدث عنه أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "يأتي زمان علي أمتي يحبون خمس وينسون خمس.. يحبون الدنيا وينسون الآخرة يحبون المال وينسون الحساب يحبون المخلوق وينسون الخالق يحبون القصور وينسون القبور يحبون المعصية وينسون التوبة فإن كان الأمر كذلك ابتلاهم الله بالغلاء والوباء والموت الفجأة وجور الحكام".

والآن، تعالوا ننظر ماذا نفعل في حياتنا وهل نحن على طريق الحق سائرون أم جانبنا الصواب وصارت حياتنا معصية كبيرة، تأملوا معي، نحن لا ننظر في أوامر الله ونواهيه، لا نقيس أفعالنا بمقياس الشرع، نصوم ولا يكون لنا من صيامنا إلا الجوع والعطش، نصلي ولا تكون إلا حركات من قيام وقعود دون أن يخشع القلب أو ندرك معنى ما نردده، نأت فرائض الإسلام وأركانه ولكن حياتنا بعيدة تماما عما أديناه من طاعات، كما يقولون (هذه نقره وتلك نقره)!!!.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم قوم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك قال فالزم جماعة المسلمين وإمامهم فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام فاعتزل تلك الفرق كلها ...الخ.

علينا إذن ألا نتهم حكامنا بالفساد، فسادهم ليس إلا جزءا من فساد الشعوب، وكما قال بعض الشعراء
وما من يد إلا يد الله فوقها ولا ظالم إلا سيبلى بظالم

السبت، 17 أبريل 2010

متى يثور المصريون؟


متى تنفعل وتثور؟، نعم أسألك أنت.. ألا تنفعل إذا ما أخطأ في حقك آخر!، ألا تثور إذا ما تعرضت لظلم!، إذا تيقنت أن حقك ضائع!، وأنك محروم من أبسط متاع الدنيا!.. إذن لما لا تثور وأنت تتعرض لكل ذلك الآن.
هناك توافق عام في مصر علي أن هناك تدهوراً في الأداء العام للنظام انعكس في تدني الظروف التي يعيش فيها ٩٠% من المصريين بدءا من الخدمات الأساسية مثل توفير المياه النقية، ورغيف الخبز، والصرف الصحي، والبيئة النظيفة، وحتى التعليم، والرعاية الصحية، والعمل المناسب والسكن الملائم.. وبازدياد هذا التدهور من عام إلى آخر وتنامي الضغوط المادية والمعنوية علي ملايين المصريين، كان من المنطقي أن يأتي سؤال مثل: لماذا لا نثور نحن المصريين، ولا نتحرك احتجاجاً علي تلك الأوضاع الظالمة؟
قد ينظر البعض إلى حجم المعاناة التي تعيشها الأغلبية الساحقة من المصريين وإلى مدى تدهور الحالة الثقافية والاجتماعية والتعليمية والصحية وإلى مدى اتساع وشيوع الفكر الخرافي والشعوذة والبلطجة والعشوائية، وتغلغل الفساد والتسيب واللا مسئولية والعبثية، ينظر إلى كل هذا ويسأل هل ماتت الروح المصرية؟، هل فقدنا الإحساس بالحياة ولا أقول الاستمتاع بها؟
حقاً في السنوات الخمس الأخيرة تقريباً، تحركات واحتجاجات سواء تحركات مهنية ومطالب فئوية أو تحركات ساعية إلي «التغيير»، غير أن هذا كله لم يترجم أبداً في حركة احتجاجية عامة، في شكل هبّة جماهيرية شاملة مثلما حدث مثلاً في ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧ أو في شكل مظاهرات حاشدة «مثل مظاهرات فبراير ١٩٦٨».. أو في شكل عصيان مدني شامل.
ولا توجد إجابة واحدة تحدد بوضوح سبب عدم ثورة المصريون أو انعدام رد فعلهم الغاضب تجاه تلك الأوضاع المزرية، ولكن هناك من يري أن المصريين شعب مسالم، قلما يثور، وصبره علي الظلم والقهر هو بلا حدود!.
وهناك من يعتقد أن المصريين لا يثورون لأن أوضاعهم الاجتماعية -والاقتصادية، ومشكلات حياتهم اليومية تشغلهم، وتستنفد طاقاتهم إلي أقصي حد، بحيث لا تتبقي لديهم طاقة للتحرك والثورة!.
والتفسير الثالث يرى أن عزوف المصريين عن الاحتجاج والثورة راجع لما يتعرضون له من بطش السلطة وإرهابها، إلي حد يجعل أغلبهم يفكر ألف مرة قبل أن يتحرك ويثور.
تحدث أعلام ومفكرون وشعراء عن مصر، وعن شعب مصر بصفات عديدة لا شك أن أكثرها سلبية هي ما يتعلق بموقف المصريين من الحاكم أو السلطة السياسية، مثلا كتاب "لماذا لا يثور المصريون؟" من تأليف علاء الأسواني يتناول فيه الحياة السياسية والاجتماعية المصرية.والكتاب مجموعة من المقالات الصحفية الجريئة التي نشرها الكاتب حتى عام 2008 وفيها يتناول همومًا مصرية شغلتنا جميعًا في تلك الفترة الحرجة من تاريخ مصر.
يناقش الأسواني ويحلل أوضاع المصريين أمام حكّامهم، والزمن الصعب الذي يعيشونه ويستعرض أبرز الأفكار السياسية والأزمات الديمقراطية التي تهم كل من يفكر في مستقبل مصر.
وتحت عنوان " ديمقراطية أبو طربوش " يرى الأسواني أن العبقرية المصرية ربما تتلخص في كلمة واحدة: التأقلم .. إن قدرة المصري اللانهائية على التكيف مع أصعب الظروف والاستمرار في الحياة، هذه القدرة صفة حضارية رائعة يتميز بها شعبنا بجدارة.. فربما لا نكون أشجع الشعوب ولا أمهرها لكننا بالتأكيد أساتذة كبار في الدفاع الحياة ضد كل ما يهددها، فنحن نعرف تماما كيف ننتزع من الطغاة مساحة ما ولو صغيرة لنعيش ونستمتع ونبدع.
وعندما يجلس المصري آخر النهار وسط أولاده فإنه يعرف كيف يسخر من ظالميه ويكون مجرد استمراره في الحياة بمثابة هزيمة للذين قمعوه.. ولم يكن المصري ليستمر عبر آلاف السنين من الظلم لو لم يكن حكيما وصبورا وقد تعلم من تجربته الطويلة كيف يتعايش مع الطغيان بحيث لا يصيبه إلا أقل الضرر، إنه لا يتمرد على الطاغية ولا ينسحق أمامه بل هو يبحث دائما عن حل وسط يقيه الشرور ويمكنه من الاستمرار.
وقد يرى البعض أن المصريين شعب مذعن وخاضع وبالتالي غير ثوري.. ولكن ثورات المصريين على مر العصور تكذب هذا الزعم، فالمصريون يثورون في النهاية ولكن متى؟!.. عندما تتدهور أحوالهم إلى درجة لا رجاء منها وبعد أن تنفد كل محاولات التأقلم والتعايش مع الظلم والفقر، عندئذ ينتفض المصريون وتكون ثورتهم هنا إلى غضب الحليم الذي قد يتأخر لكنه عندما يندلع يكتسح كل شيء، والمدهش أن كل الثورات المصرية (على الأقل في العصر الحديث) قد اندلعت فجأة بعد فترات من السكون الظاهري التي قد يظن معها أن مقاومة الناس قد ماتت.
وقديما تحدث ابن خلدون عن الطاعة التي لا تدعو إلي التمرد أو الثورة، والدعة والصبر، والسلبية الشديدة، والخضوع والشعور بالتبعية والقهر والمحسوبية والنفاق، كما أشار حمدان أيضاً إلي ما ذكره المقريزي عن الدعة والجبن وسرعة الخوف والنميمة، والسعي لدي السلطان.
وذكر «أرنولد توينبي» في كتابه الشهير «دراسة للتاريخ» أن الفلاح المصري، علي مر التاريخ، كان ينظر إلي ممثلي السلطة وعلي رأسهم حاكم الدولة - نظرة إجلال بلغت في معظم الأحيان حد التأليه والتقديس ولذلك كان يذعن لأوامرهم بصورة شبه مطلقة، وأصبحت طاعة الحاكم وكل من يمثله واحدة من أبرز الصفات السلوكية للفلاح المصري.
أما جمال حمدان فقد حدد في كتابه الأشهر «شخصية مصر»، خمسة أركان للشخصية المصرية، وهي «التدين والمحافظة والاعتدال والواقعية والسلبية». ومع أن حمدان ـ مدفوعا بشعوره الوطني الجارف ـ مال إلي تقدير أن «الاعتدال» هو الخاصية المركزية بين تلك الخصائص، إلا أنه لم ينكر ما تنطوي عليه خصائص: «المحافظة، والواقعية، والسلبية» من آثار ونتائج سيئة علي علاقة المصريين بالسلطة السياسية، فالمحافظة تعني أن المصري تقليدي ومقلد، وغير ثوري وغير مجدد.
والواقعية تعني أن المصري مطيع بالضرورة أكثر مما هو متمرد بالطبع، وإذا ما عجز عن تغيير الواقع فإنه يخضع له، ويرضخ للأمر الواقع، إلا أنه حينئذ قد يسخر منه للتعويض أو التنفيس، وهنا يستشهد حمدان بقول الجبرتي: «والمصري يكره الحكام في كل صورة حتي أدناها»، وبإشارة العقاد إلي أن علاقة المصري بالحكومة علاقة «عداوة مريبة»، لكنه مع ذلك يقبل بها بل قد يتملقها، إلا أنه حتما يسخر منها، ويتندر بها سرا أو علنا، ويستنتج حمدان أن المصري العادي أو المتوسط يتجنب الصدام ويتحاشاه، لاسيما في المواقف العدائية، وبالتالي يؤثر السلامة عن المواجهة، والسلام عن الصراع
ويخلص حمدان ـ علي مضض ـ إلي أن سمة الاعتدال تجعل الشعب المصري تلقائيا شعبا غير ثوري بالطبع، ويري أن «تلك بالدقة هي نقطة الضعف الكبرى في كل كيان مصر، والنقطة السوداء للأسف في كل تاريخها، ومصدر الخطر علي مستقبلها
ثم يلفت النظر ـ بعد ذلك كله ـ ما يقوله جمال حمدان بالنص: «إن ما تحتاجه مصر أساسا إنما هو ثورة نفسية، بمعني ثورة علي نفسها أولا، وعلي نفسيتها ثانيا، أي تغيير جذري في العقلية والمثل وأيديولوجية الحياة قبل أي تغيير حقيقي في حياتها وكيانها ومصيرها.. ثورة في الشخصية المصرية، وعلي الشخصية المصرية.. ذلك هو الشرط المسبق لتغيير شخصية مصر، وكيان مصر، ومستقبل مصر.

وفي اعتقادي أن الشخصية المصرية لن تتغير، مصر بلد قديم، بالغ القدم، يمتد تاريخه إلى سبعة آلاف سنة، واللحظة الراهنة ما هي سوى قطرة في محيط الوجود المصري الشاسع الضارب في الزمن، وطبيعة المسار التاريخي هي الصعود والهبوط، الرقاد والقيام، الغيبوبة والبعث، الركود والتجدد، هكذا كان تاريخ مصر، وهكذا سيظل فالحضارة المصرية القديمة تظل روحها حاضرة في شخصية كل مصري اليوم.
الحضارة المصرية فريدة بين حضارات العالم، فهي حضارة مزجت الشيء ونقيضه.. مزجت العلم بالسحر، والفن بالحياة، والرقص بالتعبد، والموسيقى بالترتيل في الفرح والحزن، في الميلاد والزفاف والموت وهي الحضارة الباهرة التي لفرط حبها وتعلقها بالحياة ابتكرت الأبدية والخلود بلا سابق إنذار أو دعوة أو رسول! فيالها من عبقرية مصرية متفردة. والمصري إلى اليوم لا شبيه له في مدى عشقه للحياة وللفرح وللضحك.
هذه الحضارة الاحتوائية - التي تحتوي كل شيء بما فيها المتناقضات، تواءم بينها في النهاية في أسلوب حياة - ولا أقول "نظام" حياة لأن الشخصية المصرية تنفر من النظام ولا تحبه ولا تزدهر إلا في غيابه - فإذا بالمحصلة هي حياة مصرية مليئة بصخب الوجود ودبيب العيش وجلجلة الكنائس وآذان المساجد وأغنيات المذياع في المقاهي وضجيج الحياة اليومية وصياح البشر وزغاريد الأفراح وولولات المآتم تتصاعد كلها في الشارع والوجدان المصري - يتحامل بعضها على بعض ويكمل بعضها بعضا لتقدم لنا في النهاية أسلوب حياة فريدا في شغفه بالعيش حتى الثمالة ومنتشيا بالتلاحم الإنساني الحميم نشوة لا مثيل لها بين بشر البلدان الأخرى.
ومثل هذه السمات الشخصية تجعلنا نؤكد أنه نادرا ما يثور المصري على أوضاعه الصعبة إلا حينما يتفاقم الوضع وتصبح الثورة هي ملاذه الأخير.. فتحت غطاء الضعف والتعب والاهتراء الخارجي تكمن قوة تاريخية هائلة يستنفرها المصري في الوقت المناسب لينتفض بها في الوقت المناسب.
ولو توقف الناظر إلى حال مصر قبل أكتوبر 1973 لما أستطاع أن يتخيل أن ذلك البلد الجريح المهزوم وذلك الجيش المرهق الذي هرب في الصحراء وهزم في ستة أيام منذ ست سنوات فقط يمكن أن ينتفض تلك الانتفاضة المذهلة في السادس من أكتوبر ليحقق إنجاز العبور العظيم.
الشعب المصري سوف يثور، ولن تنفع سياسة المهدئات الاستخبارية التي ينتهجها النظام معه، فمنذ الثمانينات لجأ نظام الحكم إلى حيلة بارعة تسمح للمصري أن يقلل من غضبه، وتعتمد هذه الحيلة على عنصرين رئيسيين، الأول مساحة من حرية الصراخ تسمح لكل مصري أن ينفث عن نفسه؛ حتى لا ينفجر؛ دون أن يمارس حق حرية التنفيذ أو التغيير. والعنصر الثاني من حيل النظام يطلق عليه سياسة "غض الطرف" فالحكومة سمحت بالرشاوى والعمولات وكافة أنواع الفساد، غضت الطرف عن كل ذلك الفساد حتى تترك لكل مواطن حرية حل مشاكله المادية بنفسه ولو عن طريق غير مشروع.
ولكن؛ رغم عبقرية النظام الحالي، فلا يجب أن ينخدع بصبر المصريين ، فتحت حطب الصبر والاحتمال والمسالمة يتوهج دائما جمر متقد لا يخمد هو جمر الروح المصرية التي لا تموت، أحذروا غضب المصريين فإنه آت لا ريب.

السبت، 10 أبريل 2010

قيرغيزستان وثورة 1919.. مخاوف من الاستنساخ في مصر


يخطئ من يظن أن الأحداث التي وقعت في قيرغيزيا لم تؤثر على أنظمة الحكم في العالم الثالث وخصوصا العربي منه الذي تطمح جُل شعوبه إلى استنساخ الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام حكم فاسد في قيرغيزسان.
والثورة كمصطلح سياسي هي الخروج عن الوضع الراهن سواء إلى وضع أفضل أو أسوأ من الوضع القائم وللثورة تعريفات معجمية تتلخص بتعريفين ومفهومين ،التعريف التقليدي القديم الذي وضع مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفرنسية وهو قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة.
وقد طور الماركسيون هذا المفهوم بتعريفهم للنخب والطلائع المثقفة بطبقة قيادات العمال التي اسماهم البروليتاريا، أما التعريف أو الفهم المعاصر والأكثر حداثةً هو التغيير الذي يحدثه الشعب من خلال أدواته "كالقوات المسلحة" أو من خلال شخصيات تاريخية لتحقيق طموحاته لتغيير نظام الحكم العاجز عن تلبية هذه الطموحات ولتنفيذ برنامج من المنجزات الثورية غير الاعتيادية.
والمفهوم الدارج أو الشعبي للثورة فهو الانتفاض ضد الحكم الظالم، وقد تكون الثورة شعبية مثل الثورة الفرنسية عام 1789 وثورات أوروبا الشرقية عام 1989 وثورة أوكرانيا المعروفة بالثورة البرتقالية في نوفمبر 2004 أو عسكرية وهي التي تسمى انقلابا مثل الانقلابات التي سادت أمريكا اللاتينية في حقبتي الخمسينيات الستينات من القرن العشرين، أو حركة مقاومة ضد مستعمر مثل الثورة الجزائرية { 1954-1962}.
وما حدث في قيرغيزيا ثورة شعبية مثل الثورة الفرنسية وثورات أوروبا الشرقية وأخيرا الثورة البرتقالية، وكان ما بين 3 إلى 5 آلاف متظاهر توجهوا إلى مقر الرئاسة فأطلقت شرطة مكافحة الشغب قنابل صوتية وغازات مسيلة للدموع على المتظاهرين الذين رشقوا الشرطة بالحجارة وهاجموا أفراد وسيارات قوات الأمن بالعصي.
وحاولت الشرطة من دون جدوى تفريق المتظاهرين الذين تجمعوا احتجاجا على الفساد وارتفاع الأسعار واعتقال قادة المعارض، وطارد رجال الشرطة المحتجين ورشقوهم بالحجارة ولكنهم فشلوا في تفريق المظاهرين المعارضين الذين كانوا يلوحون بأعلام قرغيزيا ذات اللونين الأحمر والأصفر.
وبعد ذلك أعلنت المعارضة القيرغيزية استيلاءها بالكامل على السلطة، وقالت روزا أوتونبايفا التي تولت رئاسة ما يسمى بحكومة الثقة الشعبية إن الحكومة السابقة قدمت استقالتها، وإن الرئيس كرمان بك باكييف هرب إلى جنوب البلاد.
والسيدة أوتونبايفا التي قادت هذه الثورة الشعبية يصفها محللون بكونها امرأة قاسية ولكنها ناعمة الكلام، وأنها معتدلة في وجهات نظرها السياسية.
وكانت أوتونباييفا ولدت في مدينة أوش جنوبي قرغيزستان عام 1950 ودرست الفلسفة وتخرجت في جامعة موسكو الحكومية عام 1972 قبل أن تلتحق للعمل في الحزب الشيوعي وتخدم سفيرة للاتحاد السوفياتي السابق لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) ثم سفيرة للاتحاد في ماليزيا في ثمانينات القرن الماضي.
كما تقلدت منصب وزيرة خارجية قرغيزستان مرتين في عهد الرئيس السابق عسكر أكاييف، ولكنها اختلفت مع أكاييف عام 2004 متهمة إياه بالفساد ومحاباة الأقارب وإضعاف الديمقراطية في البلاد التي سبق لمراقبين غربيين وصفها بكونها "سويسرا آسيا الوسطى".
وأسست أوتونباييفا حزبها السياسي الخاص المسمى "أتا دزيبت" أو "فاذرلاند" أو "أرض الأب" وحاولت الترشح للانتخابات البرلمانية عام 2005، لكن المسئولين التابعين لأكاييف أعاقوا ترشيحها.
الثورة في قيرغيزيا أعادت إلى الأذهان مرة أخرى إمكانية تغيير الأنظمة الفاسدة والدكتاتورية بدون انقلابات عسكرية، وهي بذلك تؤكد مجددا أهمية الثورات في التاريخ السياسي للمجتمعات العصرية وذلك في ظل النتائج المترتبة عليها من تغيرات اقتصادية واجتماعية وثقافية تؤدي إلى تغيير جذري شامل في المجتمع.
والمثير بالنسبة للثورة الشعبية في قيرغيزستان أن البعض في مصر شبهها بثورة 1919 بقيادة سعد زغلول زعيم الحركة الوطنية المصرية، فالثورتان كان الشعب هم وقودها وكانتا ضد الفساد وظلم الحكام، فثورة 1919 جاءت في ظل المعاملة القاسية التي كانت بحق المصريين من قبل البريطانيين، والأحكام العرفية التي أصدرت بحقهم بالإضافة إلى رغبة المصرين بالحصول على الاستقلال، كما اندلعت أيضا في ظل المعاملة القاسية التي عاناها المصريون من قبل البريطانيين والأحكام العرفية التي أصدرت بحق المصريين، ورغبة المصريين بالحصول على الاستقلال، وثورة 1919 تعتبر أول ثورة شعبية في أفريقيا وفي الشرق الأوسط، تبعتها الهند وثورة العراق والمغرب وليبيا.
وتندلع الثورات عموما حين تلاقي الجماهير الفقيرة الظلم والاستغلال من الفئة الحاكمة وينتشر الفساد، وهذا بالضبط ما حدث للمصرين قبل ثورة 1919، ففي الريف كانت تصادَر ممتلكات الفلاحين من ماشية ومحصول لأجل المساهمة في تكاليف الحرب العالمية الأولى ، كما حرصت السلطات العسكرية على إجبار الفلاحين على زراعة المحاصيل التي تتناسب مع متطلبات الحرب، وبيعها بأسعار قليلة، وتم تجنيد مئات الآلاف من الفلاحين بشكل قسري للمشاركة في الحرب فيما سمي بـ "فرقة العمل المصرية" التي استخدمت في الأعمال المعاونة وراء خطوط القتال في سيناء وفلسطين والعراق وفرنسا وبلجيكا وغيرها.
أيضا، نقصت السلع الأساسية بشكل حاد، وتدهورت الأوضاع المعيشية لكل من سكان الريف والمدن، وشهدت مدينتي القاهرة والإسكندرية مظاهرات للعاطلين ومواكب للجائعين تطورت أحيانا إلى ممارسات عنيفة تمثلت في النهب والتخريب.
ولم تفلح إجراءات الحكومة لمواجهة الغلاء، مثل توزيع كميات من الخبز على سكان المدن أو محاولة ترحيل العمال العاطلين إلى قراهم، في التخفيف من عنف الأزمة، كذلك تعرض العمال ونقاباتهم لهجوم بسبب إعلان الأحكام العرفية وإصدار القوانين التي تحرم التجمهر والإضراب.
مشاهدات ما قبل ثورة 1919 تتكرر الآن في مصر، اعتصامات.. إضرابات.. ارتفاع أسعار.. فساد أنتشر وتغلغل إلى الجذور، وحكومة عاجزة لا تعرف كيف تواجه ما يحدث.. ومحاولات من معارضين للتحرك وسط هذا الركام، وكل ذلك يقرب إلى الأذهان ما حدث في قيرغيزستان!، فاللهم هون علينا واحفظنا مما هو آت.
فيديو من أحداث قيرغيزستان
http://arabic.euronews.net/2010/04/08/opposition-leader-claims-kyrgyzstan-control
/

الأحد، 4 أبريل 2010

البرادعي وحتمية التغيير في مصر


منذ فترة ليست بقصيرة بدأ اسم محمد البرادعي يتردد بقوة في مصر حينما خرجت أصوات في الإعلام، وبالأخص على صفحات الانترنت، تطرح اسمه بجانب آخرين للمنافسة على مقعد رئاسة الجمهورية على خلفية انتخابات الرئاسة القادمة في 2011.

جاء ذلك مع انتهاء عمل البرادعي كمدير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحينها أعلن بكلمات واضحة عن نيته واستعداده خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، وطالب ببعض الشروط والمحددات والضمانات، التي من أهمها تعديل المادة 76 من الدستور والإشراف القضائي الكامل والرقابة الدولية وإنشاء لجنة مستقلة ومحايدة تشرف على العملية الانتخابية، ومن ثم وضع دستور جديد يكفل الحريات وحقوق الإنسان".

ومنذ ذلك الحين انطلقت دعوات على الانترنت لدعمه في معركة الترشح للرئاسة، وبشكل شديد التعجل سارع نشطاء لإجراء توكيلات له لإنشاء مجلس لصياغة دستور جديد.

ومن فرط حماس البعض لعودة البرادعي شبهها بعودة القائد التاريخي سعد زغلول الذي اجتمعت عليه الأمة المصرية لكي يقودها في مواجهة الاحتلال البريطاني من أجل الحرية والاستقلال في عشرينات القرن الماضي.

وما بين المؤيدين والمعارضين كان هناك فريق من أمثالي زاده صخب الشارع حيرة والتباساً في فهم ما يحدث وفي فهم كيف يمكن أن يصبح البرادعي قائداً لتحول كبير في مصر يهدف إلى الوصول لنظام ديمقراطي يحلم به كل مصري.

ومن خلال متابعتي لتصريحات القائد المنتظر أشعر أن البرادعي نفسه تغشاه هذه الحيرة، ويبدو ذلك واضحا في تصريحاته، على قلتها، منذ استقبله بضع مئات له في المطار عندما عاد في 19 فبراير 2010، كما أنه لا يبدو واضحا ماذا سيفعل البرادعي، هل سيستقر مقامه في مصر حيث ساحة التغيير المنشود، أم سيتولى تحفيز التغيير عن بُعد ويترك المهمة على الأرض لبعض الناشطين الذين تحلقوا حوله بالفعل ويسعون لتوظيف شخصه ومكانته من أجل أفكارهم وتطلعاتهم السياسية التي قد لا تتوافق إجمالاً معه ولكنها تداعيات المرحلة ليظهر بعدها التباين واضحا بين كل هذه الفرق الغير متناغمة؟

وبالإضافة إلى الجولات الميدانية التي بدأها الدكتور البرادعي في الأيام الأخيرة، فإنه يعتمد في الأساس على الترويج الدعائي من خلال الإنترنت، سواء بتجميع مؤيديه في مجموعة باسمه على "Face book" أو بالمدونات التي بدأت في الظهور على عالم الشبكة الافتراضي وبجوارها «تي شيرتات» ويافطات مكتوب عليها «البرادعي رئيساً لمصر».

وفي رأيي أن هذا النوع من التأييد الغالب في عالم افتراضي مثل الإنترنت قد يكون عنصراً مكملاً وليس عنصراً رئيساً في أي تحول حقيقي بالنسبة إلى حركة د.محمد البرادعي المقبلة، وإذا كان مؤيدي البرادعي يعتقدون أنهم يستطيعون في بلد مثل مصر استعارة نموذج معركة الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي استطاع حشد كثير من مؤيديه عن طريق الإنترنت، فإن هذا لا يصلح في بلد مثل مصر، لأن أوباما فرض وجوده السياسي استناداً لآليات بلد ديمقراطي متقدم اقتصادياً وتقنياً، حتى قبل أن يوظف آلية وإمكانات شبكة الإنترنت في جذب تمويل أو أنصار جدد يدعمونه في الوصول إلى سدة الرئاسة في انتخابات مشهود لها بالنزاهة، في حين أن محمد البرادعي لم يفرض وجوده السياسي بعد، ويأخذ عليه معارضوه مآخذ كثيرة أبرزها وجوده خارج البلاد لأكثر من عقدين، ومن ثم عدم إلمامه بتفاصيل الحياة في مصر وتعقيداتها وإشكالاتها، ناهيك عن سطوة الأمية في بلد قوامه 80 مليون نسمة تحجب عنهم تأثيرات العالم الافتراضي، وتضع غالبيتهم أولوية حل المشاكل الاقتصادية والتغلب على مصاعب الحياة اليومية فوق أي أولوية أخرى، وتسودهم أيضا بحسب علماء الاجتماع المصريين مقولة «من نعرفه أفضل ممن لا نعرفه».

عموما، وعلى عكس النغمة السائدة في مصر من أن النظام سيشن حربا ضروس ضد الدكتور البرادعي، توقعت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية استجابة الرئيس حسني مبارك لمطالب المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتعديل الدستور وإجراء إصلاحات سياسية، رغم كشفها عن اعتراضها علي الدور الذي كان يلعبه البرادعي في إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي قالت إنه كان سياسيًا أكثر منه مهنيًا.

وفي هذا الإطار صاغت وزارة الخارجية الأمريكية بشكل حذر بيانًا عن الوضع في مصر قالت فيه إنها "ترغب في رؤية صعود عملية سياسية أكثر شمولاً في مصر، لكن هذه في النهاية قرارات يجب أن تقوم مصر باتخاذها".

هذا ما قاله المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية بى جى كراولى فى تصريحات لوكالة يونايتد برس الأمريكية ردا على الاتهامات التي وجهت لواشنطن بأنها تدعم البرادعي وترغب في إثارة الفوضى وعدم الاستقرار في مصر.

وكانت تقارير صحفية ذكرت في وقت سابق أن فرصة وصول محمد البرادعي إلى كرسي الرئاسة المصرية باتت ضعيفة جدا، وذلك في أعقاب تصريحات للرئيس مبارك ونجله جمال مبارك، أكدا خلالها على عدم وجود أية نية لتعديل الدستور وخاصة المادة 76 المثيرة للجدل والتي تراها المعارضة المصرية عائقا أمام أي مواطن مصري مستقل للترشح في الانتخابات الرئاسية المقررة في 2011.

لقد رهن مبارك ترشيح البرادعي للرئاسة بالتزامه بالدستور، وكذلك اعتبر الأمين العام المساعد أمين السياسات في الحزب الوطني جمال مبارك - الذي يرى معارضون أن هناك مخططاً لتوريثه الحكم - أن المرشح المستقل في انتخابات الرئاسة "يمثل استثناء" في أن القاعدة هي ترشيح ممثلي الأحزاب.

ويشترط الدستور المصري لمن يرغب في الترشح لانتخابات الرئاسة أن يكون عضوا في الهيئة العليا لأحد الأحزاب قبل عام علي الأقل من الانتخابات، علي أن يكون قد مضي علي تأسيس هذا الحزب خمس سنوات.

كما يشترط أن يحصل أي مرشح مستقل للرئاسة على تأييد 250 عضواً منتخباً في مجلسي الشعب والشورى ومجالس المحافظات من بينهم 65 عضواً على الأقل في مجلس الشعب و25 عضواً في مجلس الشورى و10 أعضاء في مجالس المحافظات.

وسواء دخل الدكتور البرادعي في قائمة المرشحين لشغل مقعد الرئاسة في 2011 أم فاز الرئيس الحالي بفترة ولاية أخرى، أو ظهر منافسون آخرون، فإن المصريين يطالبون بإحداث تغيير جذري يشعر به المواطن البسيط، والحقيقة أن هذا مطلب شرعي إذ أنه لا يوجد مجتمع لا يتغير ويبدو المجتمع مستقرا ساكنا سائرا في انجاز وظائفه في هدوء طوال أجيال متعاقبة، ولكنه حين يصل إلى درجة من التجمع الحضاري يبدأ في التغير بسبب وجود قوى تعمل في أعماقه لتجديد الاتساق أو لتأسيس نظم جديدة.

وفي رأيي أن التغير الاجتماعي الذي ننشده يجب أن يتناول كل مقومات الحياة الاجتماعية والنظم والعلاقات الإنسانية، ويجب أن يقوم على فكر واضح وتخطيط دقيق لبناء الدولة العصرية التي تستند إلى العلم والتكنولوجيا وهذا يقتضي المواجهة العلمية المستنيرة لما قد يتمخض عنه التغير الاجتماعي من مشكلات ومتناقضات ومطالب واحتياجات، وبالتالي إتباع الأسلوب العلمي في مسيرة التغير الاجتماعي بحيث يكون تغيرا متوازنا متكاملا يفضي إلى التطور والنمو والتقدم.

وأستشهد هنا بما قاله ابن خلدون عن التغيير الاجتماعي حينما تحدث عن المراحل التي تمر بها الدول والتغيرات التي تنتهي إليها المجتمعات وأبان أنه إذا سيطر الترف على مجتمع ما كان ذلك مؤذنا بضعفه وعجزه عن مدافعة عدوه، أو فشله أمام ضغوط الحياة.

وكذلك ما قاله مالك بن نبي والذي اعتبر أن التغيير الاجتماعي عملية بنائية تستهدف إقامة حضارة بواسطة نظام من العلاقات الاجتماعية، فالتغيير الاجتماعي بالضرورة من صنع الأشخاص، والأفكار، والأشياء جميعاً، ويفرق مالك بين التغيير الاجتماعي والتغير الاجتماعي، فيرى أن التغيير يتجلى من خلال تدخل الإنسان بالتخطيط، أما التغير فهو ظاهرة تلقائية وتشمل التغير نحو الأسوأ أو الأفضل.

نحن ننشد التغيير، واعتقد أن الدكتور البرادعي يصلح أن يكون جزء من منظومة التغيير، أو الشخص الذي يحرك عجلة الإصلاح أو دينامو للإصلاح، بغض النظر عن كونه سيشغل مقعد الرئاسة أم سيشغله غيره، فهذا له شروط أخرى يجب أن تتوافر في شخصية الرئيس المقبل لمصر.

الأربعاء، 3 مارس 2010

الحكام العرب.. والعداء الغربي للإسلام!

بارعون نحن في التهرب من المواجهة، ناجحون بدرجة امتياز في إخفاء رؤوسنا بالرمال.. نعلم يقينا ما يحيق بنا من أزمات ويخطط لنا من مكائد، لكننا نتغافل عنها وكأننا لا نراها مع أننا نعيش فيها وتعيش من حولنا.. أفلا نقرأ التاريخ لندرك أن ما يحدث ما هو إلا سلسلة متتالية من المكائد التي تحاك ضد المسلمين؟ هل نحن في حاجة إلى من يذكرنا دائما بموقف الآخرين منا على امتداد التاريخ!
ألم يقل اللورد كرومر أول حاكم بريطاني في مصر : إن مهمة الرجل الأبيض الذي وضعته العناية الإلهية على رأس العالم هي تثبيت دعائم الحضارة المسيحية إلى أقصى حد ممكن بحيث تصبح هي الأساس في العلاقات بين الناس و إن كان من الواجب منعا من إثارة الشكوك ألا نعمل على تنصير المسلمين و أن نراعي المظاهر الزائفة للدين الإسلامي كالاحتفالات الدينية و ما شابه ذلك.
هكذا تحدد في بدايات القرن العشرين الهدف الاستعماري بكل وضوح و هو اجتثاث الإسلام من نفوس الناس من قلوبهم وعقولهم و إحلال قيم الفكر الغربي العلماني بدلا منها.. ولقد طبق الحاكم الإنجليزي هذه الرؤية فقال عندما قدم إلى مصر كحاكم عسكري لها عن طريق بريطانيا "جئت إلى مصر لأمحو ثلاثا : القرآن والكعبة والأزهر".
أما كبير المبشرين زويمر فقد قال في كتاب "الغارة على العالم الإسلامي" أن تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول من أنفسهم، ومن بين صفوفهم، لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها، (أليس حكامنا إلا تطبيق عملي لهذه النظرية!).
وفي كتابه "الإسلام في وجه التغريب" يؤكد زومير "إن الغاية التي نرمي إليها إخراج المسلمين من الإسلام ليكون أحدهم إما ملحداً أو مضطرباً في دينه، وعندها لا يكون مسلماً له عقيدة يدين بها، ولن يكون للمسلم من الإسلام إلا الاسم"!.. هل نحن في حاجة لأمثلة مما حولنا تؤكد أن هذه الغاية صارت حقيقة لا مجرد أمنيات.
ويقول المستشرق جيب في كتابه "وجهة الإسلام" إن تغريب الشرق إنما يقصد به قطع صلة الشرق بماضيه جهد المستطاع، في كل ناحية من النواحي حتى إذا أمكن صبغ ماضي الشرق بلون قاتم مظلم يرغب عنه أهله فقدت شعوب الشرق صلتها بماضيها ففقدت بذلك أعظم جانب من حيويتها!
أليس هذا ما يحدث الآن!.. هل نحن في حاجة إلى مزيد من الأدلة لنثبت أن ما يحدث اليوم هو استمرار لما أحيك بالأمس، من المؤكد أننا جميعا نؤمن بذلك، لكن بعضنا كالنعام يدفن رأسه في الرمال معتقدا أن لا أحد يراه، وهذا ليس بغريب عنا، فالنعام أصله عربي وهو مثلهم طائر عشبي ضخم تأقلم مع العيش تحت ظروف الصحراء القاسية وسماه العرب قديماً "الطائر الجمل" وهو محدود الذكاء فحجم المخ حوالي ثلثي حجم إحدى عينه، ومن العجيب أن الغرب يستفيد منه بشكل غريب الآن حيث يدخل في صناعة أدق الأجهزة الإلكترونية الحساسة لتمتعه بخاصية الكهرباء الساكنة!.. لا أسكن الله لنا جسدا عند الدفاع عن الحق والدين، وندعوه ألا يجعلنا فريسة سهلة يلوكها الآخرين دون أن يجدوا لها، على الأقل، "مرارة" بداية من كرومر ومن كان قبله إلى من يأتي بعده ومرورا بكل أشكال الاستعمار التي تستهدف ديننا ووطننا وحياتنا.

السبت، 27 فبراير 2010

الأب الروحي


هل تعرفون صاحب "الحق المر"؟، إنه الأب الروحي لكل أبناء جيلي من المسلمين؛ إنه الشيخ محمد الغزالي رحمة الله والذي ولد عام 1917 وتوفي عام 1996 وهو يجاهد في سبيل نصره الإسلام المعتدل، توفي بمدينة الرياض في المملكة العربية السعودية ودفن في أطهر بقاع الأرض بمنطقة البقيع في المدينة المنورة مع الصحابة والشهداء.
عرفت الشيخ محمد الغزالي قبل أن ألقاه؛ من خلال مقالات الحق المر التي كان يكتبها بمداد قلبه ولا يخشي فيما يقول إلا الحق سبحانه وتعالي؛ فلما عملت بالصحابة تشرفت بلقائه أكثر من مرة حتى صرت ضيفا مستديما في بيته وعلى صلة بأفراد أسرته.
كنت أسعى لمحاورته لا لكي أنفرد بحوار معه تنشره صفحات الجرائد، بل قبل ذلك وبعده، لكي استزيد من علمه وأتعلم من فقهه، كنت أنصت إليه لأتعلم كيف أتكلم، وأنظر إليه ليمتلئ وجداني بنور إيمانه، فقد كان يرحمه الله من هؤلاء الذين قال الله تعالى فيهم (نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، يقولون ربنا أتمم لنا نورنا وأغفر لنا إنك على كل شيء قدير).
كما كنت من أكثر المعجبين بآرائه حين يتكلم عن الأخلاق وبالأخص حين يمزج ما يقول بنظرته إلى أسلوب الحكم وأخلاق الساسة والحكام.
كان يقول إن "الحكم تعاون على طاعة الله وإسلام الوجوه إليه والتزام حدوده ووصاياه ,لا ولاء هناك لشيء آخر ولا تجمع إلا في هذا الاتجاه, فإذا ارتد عنه ,أحد انقطع حبله بالجماعة، والحاكم عندنا باسم الله يأمر وينهى لا بأي اسم آخر".
وحين تحدث عن نظام الديمقراطية في عصرنا قال إن "له لجان وأجنحة وشعب كثيرة ,وخلاصته النقية المحترمة ضمان بقاء الشورى وتقليم أظافر الفرد المستبد، وقد لمسنا هذه الخلاصة في الشورى الإسلامية الأولى مع مظهرها الساذج وأدواتها البدائية، وقد أحكم الغربيون الحراسة على صور الديمقراطية التي اختاروها لأنفسهم، أحكموا الحراسة عليها فعلا وكان ينبغي أن نمزج بين مبادئ الشورى عندنا وبين ما استوردناه من آخر التجارب الأوربية فهل فعلنا؟
الذي حدث أن الهيكل المادي أقيم بدقه أما الروح اليقظان الواعي فانه لم ينقل لا من مواريثنا القديمة ولا من تجارب العالم الحديث, ومن هنا وقعت غرائب في عالم الدساتير وعالم القضاء.
وفي واحدة من مقالاته ربط بين أخلاق المسلمين والملكية العامة، فقال "ما أشد حب الناس للمال ,وما أحرصهم على جمعه, وما أسرعهم للاستيلاء عليه, لاسيما إذا كان مالا عاما أي ملكا للدولة، عندما فتحت فارس وسقط ملك الأكاسرة أرسل القائد الفاتح نفائس الإيوان إلى المدينة المنورة كانت أكواما من الذهب والجواهر في حقائب بعضها فوق بعض حملت من المدائن إلى دار الخلافة لم تنقص ذرة خلال آلاف الأميال، قال ابن جرير:
لما قدم بسيف كسرى ومنطقته مع بقية الكنوز قال عمر إن أقواما أدوا هذا لذووا أمانة فقال له على ابن أبى طال )انك عففت فعفت الرعية).
وكان أكثر ما يعجبني من الشيخ عدم انغلاقه ومزجه بين صحيح الدين وجوهرة وروح العصر الذي نعيش فيه، كان يعتبر أن عظمة الأمم قبل أن تكمن في أجهزتها التشريعية والتنفيذية تكمن في قدراتها النفسية والخلقية وما ينتجه الإيمان من مواهب وملكات، ونحن في العالم الإسلامي الكبير نحتاج إلى الأمرين كليهما ولا بأس علينا ونحن نعالج تخلفنا الإداري والحضاري أن نقتبس من كل تجارب الأرض شرقا وغربا لكن ذلك لا يغنى كثيرا عن الأحوال النفسية المصاحبة أي عن الإيمان والخلق, وكل صرح يرتفع خاليا من هذين العنصرين فهو صرح من ورق لا ينتظر المدافع لدكه بل سينهار مع هبوب الرياح.
وفى عصرنا الحديث تقاربت البلاد وتعارف الناس وتكشفت الأمم بمحامدها ومعايبها فماذا يرى العالم منا نحن المسلمون؟
هل يسير في أقطارنا سائح ويدرس أحوالنا ثم يعود إلى أرضه ليتحدث عن صدق الكلمة والوعد وعن رعاية الأمانة والعهد وعن شرف الخصومة بين الأفراد والجماعات؟
المؤسف أن عناصر النفاق تجد لها مرتعا خصيبا بيننا، ما ارخص الكلمة وما أضيع الأمانة وما أيسر اللعب بالعهود والعقود أما الفجور في الخصومة فأمر لا يعرف له حد, وتفسير هذه المحنة سهل, كيف تفسرها؟
يقول الله تعالى:
لا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا .
الأمر الفرط هو السائب وعندما يكون الكلام سائبا والسلوك سائبا والتحرك غير ملتزم بغاية مرسومة ولا بخط محدد بل هو كترنح السكران, فمعنى هذا أن الأمة قد انفرط عقدها وتناثرت حباتها، ومما تنشأ هذه الفوضى؟ من إتباع الهوى وعيش كل امرئ داخل مآربه الخاصة مما ينشئ هذا الهوى المطاع وتلك الأنانية الغالبة ؟
وأمتنا الإسلامية تناست رسالتها العظمى في الداخل والخارج وأخلدت إلى الأرض وهبطت دون مستواها, والغريب أنها لما فقدت قوتها الخاصة والتحقت بالحضارات الغالبة شيوعية كانت أو رأس مالية التقطت من هذه الحضارات ما يوافق نسيانها لله, فكان إقبالها على الدنايا أشد غراما من غيرها, وقد تسبق هؤلاء وأولئك في الإسفاف والغفلة.
ويستحيل أن تصح لنا نهضة أو تسلم لنا عودة أو صحوة إلا ببناء أخلاقي متماسك صلب تشد العقيدة أوصاله وتشيع فيه فضائل الصدق والأمانة والوفاء والشرف أما أن ندعى الإسلام و أركان النفاق سامقة في مجتمعنا فأمر مستنكر مستكره، إن النظام الأخلاقي وراء كل عمل مثمر ونجاح معجب.
وعصر الآلات التي نعيش فيه يحسب الأعمال بالذرة وبالمليمتر ولا مكان فيه للتسيب المنفلت الذي يعرف الآن بين المسلمين ويعشش في سلوكهم .
رحم الله شيخنا محمد الغزالي الذي توفي مدافعا عن "الحق المر"، واستأذنه في أن أجعل من تلك الكلمات عنوانا لمدونتي فقد كان كما قلت "الأب الروحي" لكل من قرأ مقالاته واستمع لمحاضراته فما بالكم بمن صلى خلفه وأنصت إليه وأعجبه دستوره في الحياة المبني على الأخلاق المستوحاة من القرآن وأخلاق الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.

الأربعاء، 27 يناير 2010

لماذا لا توجد ديمقراطية عربية؟


لماذا لا توجد ديمقراطية عربية؟، والسؤال يحمل تأكيدا بغياب هذا النوع من الممارسة السياسية الذي لا تعرفه الشعوب العربية وإلا أصبح سؤالا استفهاميا على طريقة هل توجد ديمقراطية عربية؟، لكنه بصيغته المطروحة يحمل رؤية استنكارية، والسائل بالطبع هم قادة الرأي في الدول المتقدمة.
لقد بدأت موجة التحول الديمقراطي ولم يكن عدد الدول الديمقراطية يتجاوز 40 دولة، ومع بداية التسعينات وانهيار الاتحاد السوفيتي وصل عدد تلك الدول إلى حوالي 76 دولة وبحلول عام 2002 أضحى عدد تلك الدول حوالي 118 دولة بحيث أضحت الديمقراطية النمط السائد في غالبية دول العالم باستثناء الدول العربية . إذ صمدت السلطوية واحتكار السلطة السياسية بالمنطقة العربية في مواجهة المد الديمقراطي الذي اجتاح النظام العالمي منذ عام 1974 والذي تعزز بانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وهو ما آثار تساؤلات عديدة حول أسباب افتقاد الزخم السياسي الداعم لعملية التحول الديمقراطي في الدول العربية المتلاصقة جغرافيَّا دون غيرها من المناطق الجغرافية في العالم، ولماذا لا توجد ديمقراطية راسخة في العالم العربي على امتداد مساحته الجغرافية؟
و في هذا الإطار تأتي الدراسة التي أعدها لاري دياموند Larry Diamond مدير مركز الديمقراطية والتنمية وحكم القانون في جامعة استانفورد Stanford’s Center on Democracy, Development, and the Rule of Law ونشرتها دورية الديمقراطية Journal of Democracy في يناير 2010 تحت عنوان: " لماذا لا توجد ديمقراطيات عربية؟".
وتتضمن الدراسة؛ التي أشار إليها "تقرير واشنطن لشهر يناير 2010؛ تحليلاً للاتجاهات السائدة في تفسير عدم وجود دول ديمقراطية عربية معللاً أسباب عدم قابلية تلك التفسيرات للتعميم وافتقادها للدقة وتبنية تفسيرًا جديدًا لغياب الديمقراطية في العالم العربي يقوم علي الدمج بين عوامل اقتصادية وسياسية وجيواستراتيجية.
ولا يمكن الجزم بأن الثقافة السياسية هي المحددة الأساسي لتعثر عملية التحول الديمقراطي في العالم العربي فالقيم النابعة من المعتقدات الإسلامية لم تمنع عددًا من الدول التي يعتنق غالبية سكانها الدين الإسلامي من تحقيق ديمقراطية سياسية مستقرة خاصة ألبانيا وماليزيا وتركيا والسنغال. حيث يصنف مركز "فريدم هاوس" 8 دول إسلامية غير عربية باعتبارها دولاً ديمقراطية، بما يعني أن المعتقدات الدينية لا تعد محددًا لمسار التحول الديمقراطي.
المعضلة تكمن من وجهة نظر داياموند في الانقسامات والشكوك المتبادلة بين التيارات السياسية العلمانية من جانب والتيارات الإسلامية المعتدلة والراديكالية من جانب آخر، وتأكيد حوالي 56% ممن تم استطلاع آراؤهم في عدد من الدول العربية علي ضرورة التوافق بين الممارسة الديمقراطية والشريعة الإسلامية وهو ما يجعل موضوعات مثل حقوق الأقليات السياسية والدور السياسي والمجتمعي للمرأة موضع جدل ونقاش عام في مختلف المجتمعات العربية في ظل مخاوف التيارات السياسية المدنية العلمانية من احتمالات وصول الإسلاميين للسلطة عبر انتخابات نزيهة يتلوها قيامهم بقمع المعارضة السياسية والعودة للسلطوية ومركزية السلطة، في مقابل مخاوف أخرى من قيام الجيش بتنظيم انقلاب عسكري لمنع الإسلاميين من السيطرة على السلطة على غرار ما حدث في الجزائر بعد تحقيق جبهة الإنقاذ الإسلامية للأغلبية في الانتخابات البرلمانية بما أسفر عن حرب أهلية استمرت قرابة عقد من الزمن وحصدت أرواح حوالي 150 ألف مواطن .
ويعتقد مدير مركز الديمقراطية والتنمية وحكم القانون في جامعة استانفورد أن السبب الأول لعدم وجود ديمقراطية عربية يكمن في هيكل النظم الاقتصادية العربية وليس مستوى التنمية الاقتصادية في تلك الدول، حيث إن حوالي 11 دولة عربية يمكن تصنيفها كدول ريعية rentier states تعتمد على صادرات البترول والغاز كمصدر أساسي للدخل القومي وفي بعض الحالات تمثل تلك الصادرات حوالي 90 % من قيمة الناتج المحلي الإجمالي ومن ثم تتضاءل حاجة الدولة لفرض ضرائب على دخول المواطنين في مقابل تصاعد اعتماد المواطن على الدولة للحصول على الدخل والخدمات العامة، ويسبب ذلك خللاً في العلاقة بين السلطة السياسية والمواطنين وعلى حد قول هنتجتون في كتابه الموجة الثالثة للديمقراطية " إذا كانت مقولة لا ضرائب دون تمثيل مطلب سياسي فإن مقولة لا تمثيل دون ضرائب تصبح حقيقة سياسية في الدول الريعية ".
و يؤدي اعتماد الاقتصاد الوطني على الصادرات النفطية لعدة تداعيات على المستوي السياسي أهمها مركزية السلطة السياسية وإيلاء الأمن والاستقرار قدر كبير من اهتمام النظام الحاكم فضلاً عن انتشار الممارسات القمعية في مواجهة الإضرابات والمظاهرات بما يؤدي لإضعاف وتهميش مؤسسات المجتمع المدني في مقابل تضخم الجهاز الإداري والتنفيذي للدولة.
وعلى المستوى الاقتصادي تغيب المبادرة الفردية ويتضاءل دور القطاع الخاص باستثناء رجال الأعمال المرتبطين بالنخبة الحاكمة، وتحذر الدراسة من أن الدول المصدرة للنفط قد تعاني مما يسمى " الداء الهولندي " Dutch Disease، نتيجة وفرة الموارد الاقتصادية وغياب دور القطاع الخاص، واعتماد المواطن بصورة شبه كاملة على الدولة لتوفير مختلف احتياجاته، بما يؤدي لحالة من التراخي وانتشار أنماط الحياة الاستهلاكية وتراجع ثقافة الإنتاج وتوجيه الاستثمار والعائدات النفطية إلى قطاعات خدمية وليست إنتاجية .
ولا يمكن فصل البنية الاقتصادية عن نظيرتها السياسية، حيث يعد احتكار السلطة السياسية أحد أهم السمات المشتركة بين دول المنطقة العربية في ظل تأييد القوى الخارجية لاستمرار التسلطية السياسية حفاظًا على الاستقرار السياسي، ومما يعزز سلطوية النظم الحاكمة في العالم العربي استغلالها لاحتكار الدولة لأدوات القهر السياسي المتمثلة في قوات الشرطة والمخابرات وتوظيفها لقمع المعارضة السياسية للحفاظ على بقائهم في السلطة، بحيث تصنف غالبية الدول العربية ضمن أعلى دول العالم من حيث مستوى الإنفاق على الأمن، بيد أن النظم العربية الحاكمة لا تمارس القمع السياسي بصورة دائمة وإنما تعتمد على عدة آليات بصورة متزامنة مثل استقطاب بعض قيادات المعارضة والسماح بقدر محدود من التمثيل السياسي وإجراء انتخابات بصفة دورية حتى وإن كانت غير نزيهة وهو ما يطلق عليه دانيل برومبرج Daniel Brumberg إجراءات التكيف السلطوية، والتي يتم اتخاذها للتوائم مع المتغيرات الداخلية والخارجية، فعقب السماح بقدر محدود من الحريات السياسية بما يسمح للمعارضة السياسية بممارسة نشاط فعال لفترة مؤقتة يعود بعدها النظام الحاكم لقمع الحريات وتضييق الخناق على الأنشطة السياسية للمعارضة.
وكما يشير تقرير واشنطن فإن غالبية الدول العربية تعتمد على تمرير تعديلات دستورية تستهدف تعزيز احتكار النظام الحاكم للسلطة السياسية ، فالنظام الحاكم يدير عملية الإصلاح السياسي ويحدد وتيرتها بحيث يراوح النظام السياسي مكانه للحيلولة دون تداول السلطة . أما المعارضة السياسية في الدول العربية فتواجه معضلة معقدة، فهي إن شاركت بفاعلية في الانتخابات والبرلمان يتم اتهامها من جانب القوى الراديكالية بإضفاء الشرعية على ممارسات النظام الحاكم والمشاركة في النظام السياسي السلطوي وإن امتنعت عن المشاركة على سبيل الاحتجاج يتم اتهامها بالسلبية السياسية وعدم الفاعلية، ناهيك عن أن عوامل الضعف الهيكلية في بنية المعارضة السياسية تكون كفيلة بجعل دورها هامشيًا لاسيما انقسامها إلى جبهات متضادة والإطار القانوني غير التنافسي وافتقاد غالبيتها للدعم الشعبي باستثناء القوى السياسية الإسلامية .
تتكامل العوامل الاقتصادية والسياسية سالفة الذكر مع العوامل الجيواستراتيجية بما أدى لاستمرار حالة الجمود السياسي في الدول العربية، حيث يدفع تركز الاحتياطات النفطية في المنطقة مختلف الأطراف الدولية للتدخل لحماية مصالحها وخاصة الولايات المتحدة ويكون النمط الغالب للتدخل الدولي محاولة الحفاظ على الاستقرار السياسي ودعم النظم السلطوية الحاكمة، وتستخدم في هذا الصدد آليات من قبيل المساعدات العسكرية والاقتصادية والدعم العسكري ومبيعات السلاح .
ويبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تهتم كثيرا بقصة الديمقراطية في المنطقة العربية، وقد بات واضحا لكل المراقبين السياسيين أن إدارة الرئيس أوباما لا تضع نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان ضمن قائمة أولوياتها سواء في علاقاتها مع دول الخليج أو حتى علاقاتها مع مصر، وهو ما أكدته وزيرة الخارجية الأمريكية في أول زيارة للقاهرة في مارس 2009 بقولها "إن المشروطية السياسية غير مطروحة في إطار الشراكة بين مصر والولايات المتحدة".
أما المؤشر الأكثر أهمية في هذا الصدد فتمثل في تخفيض المساعدات الأمريكية لدعم الديمقراطية في مصر في موازنة عام 2009 إلي حوالي 20 مليون دولار في مقابل 54.8 مليون دولار في عام 2008 وهو ما تبعه تخفيض موازي في المساعدات المخصصة لمؤسسات المجتمع المدني المصرية إلي حوالي 7 مليون دولار في عام 2009 في مقابل 31 مليون دولار عام 2008.
ووفق إحصائيات مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط the Project on Middle East Democracy لا تتجاوز مساعدات دعم الديمقراطية نسبة 1% من إجمالي المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي حصلت عليها القاهرة خلال عام 2009. حيث اتجهت إدارة أوباما لتقليص مساعدات دعم الديمقراطية بنسبة 23% وتقليص دعم المجتمع المدني المصري بنسبة 44% وهو ما يعني أن الإصلاح السياسي لم يعد أحد أولويات العلاقات الأمريكية المصرية.
و في هذا الصدد تأتي دراسة شادي حامد Shadi Hamid نائب مدير فرع مؤسسة بروكنجز بالدوحة، وزميل مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط Saban Center for Middle East Policy التي نشرت في دورية الديمقراطية Democracy Journal في عدد شتاء عام 2010 لتركز علي تناقضات العلاقة الوطيدة بين القاهرة وواشنطن لاسيما بين الاعتبارات البرجماتية المرتبطة بالمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والاعتبارات القيمية المرتبطة بوضع الديمقراطية وحقوق الإنسان علي قائمة القضايا الثنائية بين الدولتين.
ويشير الكاتب إلي أن السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط طالما رجحت اعتبارات الاستقرار علي ما تمليه أسس النموذج الأمريكي من ضرورة دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، حتى بعدما تبنت إدارة الرئيس بوش نهجاً داعماً للإصلاح السياسي في منطقة الشرق الأوسط فإنها عادت لتتراجع بعدما شهدت المنطقة صعوداً للتيارات الإسلامية التي اعتبرتها إدارة بوش مناوئة للمصالح الأمريكية في المنطقة لاسيما بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وحصول الإخوان المسلمين في مصر علي 88 مقعداً في الانتخابات التشريعية عام 2005.
وهو ما دفع الإدارة الأمريكية للعودة للمعادلة التاريخية التي تحكم التحالف الوثيق مع مصر والتي تقوم علي الإفادة من مكانة القاهرة في الإقليم لتحقيق المصالح الأمريكية في مقابل التغاضي عن الأوضاع الديمقراطية وحقوق الإنسان. أي تحقيق المصالح مقابل غض الطرف عن وتيرة الإصلاح السياسي في مصر، علي الرغم من أن القاهرة هي ثاني أكبر دولة متلقية للمساعدات الأمريكية منذ عام 1979 علي حد قول الكاتب.
المشروطية الايجابية
يطرح حامد رؤية جديدة فيما يتعلق ببلورة سياسة خارجية أمريكية جديدة تجاه مصر تقوم علي الدمج ما بين تحقيق مصالح واشنطن في منطقة الشرق الأوسط ودعم الإصلاح السياسي وتعزيز الديمقراطية في مصر دون تهديد الاستقرار السياسي الذي يكفل تحقيق المصالح الأمريكية منوهاً إلي ضرورة تغيير نهج إدارة الرئيس أوباما تجاه المزيد من دعم الإصلاحات الديمقراطية والارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان في مصر باعتبار ذلك أحد أركان برنامجه للتقارب مع العالم الإسلامي وتحسين صورة الولايات المتحدة علي المستوي غير الرسمي.
ويري الكاتب أن تبدأ الجهود الأمريكية لدعم الديمقراطية بتغيير الخطاب السياسي لإدارة أوباما تجاه القاهرة بحيث ينحو تجاه انتقاد التراجع عن الإصلاحات السياسية التي اتخذتها مصر منذ عام 2005.
ويطالب بالمزيد من الإجراءات الداعمة للتحول الديمقراطي وتحسين أوضاع حقوق الإنسان وتمكين مؤسسات المجتمع المدني. ويؤكد الكاتب أن هذا الخطاب الداعم للديمقراطية يعطي دفعة لجهود الناشطين السياسيين الإصلاحيين في القاهرة علي اختلاف توجهاتهم ويزيد من الزخم الذي تشهده الساحة السياسية المصرية قبيل الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها عام 2010 والانتخابات الرئاسية عام 2011. كما يوفر للولايات المتحدة الاتساق بين القيم الأساسية للنموذج الأمريكي والسياسة الخارجية بما يعزز من ايجابية الصورة الدولية للولايات المتحدة باعتبار ضغوطها تأتي استجابة لمطالب قطاعات واسعة من الرأي العام وهو ما ينعكس إيجاباً علي فاعلية الدبلوماسية العامة الأمريكية.
وعلي مستوي آخر يري الكاتب ضرورة فرض واشنطن ما يطلق عليه المشروطية الايجابية في علاقاتها مع القاهرةPositive Conditionality بمعني الإبقاء علي المساعدات العسكرية والاقتصادية التي تمنحها واشنطن سنوياً للقاهرة دون تغيير وتقديم عرض من جانب إدارة أوباما بمنح القاهرة مساعدات اقتصادية إضافية تتراوح بين 400 إلي 700 مليون دولار في مقابل اتخاذ القاهرة لإجراءات جادة وتدريجية علي مستوي الإصلاح السياسي وتدعيم الديمقراطية الداخلية. فإذا لم تتخذ مصر تلك الإجراءات يتم تجميد تلك المساعدات وإضافتها علي مساعدات العام التالي لتحفيز الحكومة المصرية بصورة أكبر لاتخاذ خطوات جادة للإصلاح السياسي. ويري الكاتب أن تبدأ الشروط بمراعاة شفافية ونزاهة الانتخابات علي مستوي محلي ثم علي المستوي التشريعي والرئاسي وتشمل تحسين أوضاع حقوق الإنسان وتمكين المجتمع المدني وتوسيع نطاق ممارسة الحريات السياسية وإتاحة المعلومات. ويري الكاتب أن رفض القاهرة لهذه الشروط الأمريكية سيكون غير محتمل بالنظر إلي أن الرأي العام المصري سيجد فيما عرضته الولايات المتحدة تحقيقاً لمصلحة مزدوجة تتمثل في دعم الإصلاح الاقتصادي من خلال المساعدات ودعم الديمقراطية وحقوق الإنسان بما ينعكس بصورة ايجابية علي الأوضاع الداخلية.
أما البعد الثالث للتغير الذي يدعو إليه الكاتب فيتمثل في تدشين حوار مع التيارات والقوي السياسية ذات المرجعية الإسلامية وخاصة الإخوان المسلمين. ويري الكاتب أن تعلن إدارة الرئيس أوباما أنها لا تعارض التعامل مع تلك القوي بشرط قيامها بنبذ العنف والاعتراف بوجود إسرائيل. واقترح الكاتب أن تقوم وزارة الخارجية الأمريكية بالسماح للناشطين الإسلاميين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين بالمشاركة في الأنشطة والمنتديات التي يتم تنظيمها في إطار مبادرة الشراكة في الشرق الأوسط Middle East Partnership Initiative، وهو ما سيحمل رسالة مهمة للنظام الحاكم في القاهرة تؤكد من خلالها واشنطن علي جديتها في دعم الديمقراطية والإصلاح السياسي بغض النظر عن النتائج. وفي الوقت ذاته فإن الحوار مع القوي السياسية ذات المرجعية الإسلامية سيؤدي للتوصل لحلول وسط للخلافات بين الطرفين فيما يتعلق بالقضايا الخلافية المرتبطة بعملية السلام وأمن إسرائيل.
ويشير الكاتب إلي ضرورة عدم انحياز الولايات المتحدة إلي أي من القوي السياسية علي الساحة السياسية المصرية لأن الهدف هو دفع النظام الحاكم في مصر للسماح بتداول السلطة والتنافسية بين قوي سياسية متعددة بحيث يكون تداول السياسية عبر انتخابات نزيهة ودورية، ومن ثم تحقق واشنطن التقارب المنشود مع شعوب العالم الإسلامي انطلاقاً من القاهرة باعتبارها من أكبر مراكز التنوير والمدنية والتحديث في المنطقة العربية والعالم الإسلامي وهي ذات الأسباب التي دفعت أوباما لاختيار جامعتها منبراً لإلقاء خطابه للعالم الإسلامي.
ورغم هذه الصورة القاتمة عن مستقبل التطور الديمقراطي بالدول العربية عموما ومصر على نحو خاص فإن ثورة الاتصالات وما أحدثته من تغيرات فعلية في العقلية العربية تؤكد على أن التغير السياسي باتجاه الديمقراطية لم يعد ممكنًا تفاديه خاصة مع توظيف تكنولوجيا الاتصالات وإفادة المعارضة السياسية من المنتديات الاجتماعية مثل الفيسبوك وتويتر والمدونات كمساحات افتراضية لحشد الرأي العام ضد الركود السياسي الراهن في الدول العربية، أما إذا انخفضت أسعار البترول أو تم إيجاد بدائل للطاقة تتسم بانخفاض التكلفة، فإن النظم الحاكمة للدول المنتجة للنفط ستجد ذاتها مضطرة لإبرام عقد اجتماعي جديد مع شعوبها تقوم على التشارك في السلطة والتمثيل السياسي بما ينهي فترة احتكار تلك النخب للسلطة السياسية .

الخميس، 14 يناير 2010

السعودية: تحولات دينية.. حراك اجتماعي وثورة نسائية


يوم الجمعة (8 يناير 2010) عُدت من المملكة العربية السعودية بعد رحلة عمل استغرقت 30 ساعة في الرياض؛ ثم رحلة إيمانية لأداء العُمرة.. وما بين الرياض ومكة مرورا بجدة حكايات تستحق أن تُروى.

يوم الاثنين (4 يناير 2010) وصلتني دعوة كريمة من الصديق نديم مراد مدير عام الدار المحلية للنشر والخدمات الإعلامية حيث تم ترشيحي للتحكيم في جائزة التميز الخليجي بمجال الإعلام الصحي، ولولا المدير العام للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون الخليجي الدكتور توفيق بن أحمد خوجة الذي تدخل بالاتصال المباشر مع القنصل السعودي في مصر لما تم منحي تأشيرة الدخول للسفر في ذات يوم وصولها، إذ تستغرق الإجراءات عادة ما لا يقل عن الثلاثة أيام قبل استلامها رسميا من القنصلية السعودية.. المهم أني بالفعل سافرت في ذات اليوم، دون إعداد مسبق، فأي سفرة إلى السعودية لا تحتاج في رأيي إلى ترتيب إذ يكفي أنني سأتمكن من أداء العمرة والصلاة في بيت الله الحرام.

والرياض هي عاصمة المملكة العربية السعودية، رغم أن جدة هي الأشهر ومكة والمدينة هما في قلب كل مسلم، وكانت المرة السابقة التي ذهبت إليها (الرياض) في عام 2003 أي من نحو 6 سنوات، وهي سنوات قليلة في عمر الأمم إلا أنه بما حدث في الرياض خلفت تأثيرا يستغرق عقودا من الزمن.

في السعودية تحولات دينية وحراك اجتماعي سياسي والأهم تلك الثورة النسائية الهادئة، فهناك إذن مجموعة من المتغيرات سوف تبدل من الصورة النمطية السائدة عنها كدولة سلفية قبلية تحكمها مصالح عشائرية وعادات وتقاليد بدوية.

ولمعرفة حقيقة تلك التحولات لا بد من إطلالة سريعة على الكيفية التي تأسست بها الدولة، فكما هو معروف قامت الدولة السعودية الأولى على التحالف بين سلطة سياسية متمثلة في الأمير محمد بن سعود وسلطة شرعية متمثلة في الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي كان يحمل مشروعاً يهدف إلى إصلاح عقائد الناس ونشر العدل والقضاء على الفساد والظلم المنتشرين في الجزيرة العربية، ووجد سنداً سياسياً في توجهه الإصلاحي من قبل الأمير محمد بن سعود فكان الاتفاق التاريخي الذي قام الشريكان على أساسه بإقامة الحكم السعودي.

ثم قامت الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبد العزيز آل سعود وسانده في قيامها من يطلق عليهم (الإخوان) أو (إخوان من أطاع الله) الذين كونوا نواة الجيش الأساسي للملك عبد العزيز خلال حروبه التي خاضها لتوحيد المملكة، وكان قد قدم لهم نفسه بصفة جديدة تنطلق من مبدأ الإمامة الشرعية وليس من مبدأ السلطة السياسية.

وكان هؤلاء الأخوة يحتسبون ما يقومون به مع الملك عبد العزيز جهاداً في سبيل الله؛ لذلك وبعد انتهاء حروبهم في الحجاز أرادوا مواصلة فتوحاتهم لنشر الدين في العراق والشام لكن الملك عبد العزيز أثناهم عن ذلك لظروف تاريخية وسياسية مما تسبب في خروجهم عليه وقيام معركة السبلة الشهيرة بينهم وبينه التي انتهت بانتصار الملك عبد العزيز.. التوجه الديني والطبيعة القبلية للمجتمع السعودي أذن فرضتا على السلطة السياسية أخذهما بعين الاعتبار في كثير من قراراتها كونهما مصدرَي الشرعية لها.

مع تطور الدولة وتقدمها في بناء دولة مدنية وما تتطلبه من إصلاحات إدارية واقتصادية وبناء أجهزة حديثة استحدث الملك فيصل هيئة لكبار العلماء بهدف استفتائهم فيما يعرض عليهم من قبل الحاكم أو للإجابة عن استفسارات أفراد المجتمع الشخصية، وفرضت هذه الهيئة الطبيعة السلفية على المجتمع كأفراد والدولة بشكل رسمي.

ولكن خلال مرحلة السبعينيات والثمانينيات أرسلت الدولة مجموعات من شبابها إلى الخارج فكان أن تأثروا كثيرا بأفكار ومذاهب سياسية وفكرية مختلفة تسببت في تحريك الجمود الفكري والديني الذي طبعت به المؤسسة الدينية المجتمع جراء تبنيها الرأي الواحد.

وجاءت بعد ذلك الثورة الفضائية والمعلوماتية الحديثة التي مكنت الناس من الاطلاع على آراء واجتهادات فكرية وفقهية متعددة بعضها مخالف لما تتبناه المؤسسة الدينية، وانتشار ذلك بين أوساط العامة والخاصة جعل الدولة تعيد تطعيم مؤسساتها الدينية وعلى رأسها هيئة كبار العلماء والقضاء بشخصيات ذات نظرات تحديثية لضمان مسايرة تلك المؤسسات لتوجهات الدولة الحديثة وحتى لا تفقد مصداقيتها وهي التي قد تحتاجها في وقت من أوقات الأزمات السياسية.

وتشهد المرحلة الحالية انفتاحا إعلاميا كبيرا، وباتت القنوات الفضائية تغزو كافة المنازل، وأصبحت شبكة الإنترنت مجالا خصبا للشباب المتعطش للجديد ولتجاوز الحدود الضيقة التي ما زال يتسم بها السطح السياسي والاجتماعي السعودي.

كما تنامى دور القنوات الفضائية والمجلات والمواقع الإسلامية على شبكة الإنترنت في تقديم الخطاب الإسلامي المعاصر، من هنا أصبح سؤال "ماذا بعد" يطرح نفسه على الخطاب الاجتماعي للحركة الإصلاحية؛ خاصة أن الانفتاح الثقافي الذي وفرته وسائل الاتصال الحديث يحمل بعدا أخطر في عبور الثقافة الغربية المحملة بقيم ومفاهيم اجتماعية خطيرة - ذات طبيعة علمانية استهلاكية دنيوية تتصادم مع المنطلقات والقيم الإسلامية الغالبة في المجتمعات العربية، وفي مقدمتها الخليجية المحافظة.

ونتيجة لكل هذه المتغيرات كان لا بد أن ينعكس ذلك على هيئة كبار العلماء التي أعاد خادم الحرمين تشكيلها من جديد لتتضمن جميع المذاهب السنية، بعد أن كانت حكرًا على المذهب الحنبلي، وهو ما سيسهم بشكل كبير في إخراج السعودية من دائرة الرؤية الشرعية الواحدة التي كانت مرتبطة بالمذهب الحنبلي، لتصبح الرؤية والفتوى تتم من خلال دائرة آراء أوسع وأشمل شرعيا خاصة بعد أن أعفي العديد من العلماء وجيء بآخرين في الأربعينيات من العمر بعضهم ينحدر من جنوب المملكة فيما كان الوجود الغالب دوما لعلماء منطقة نجد معقل حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

أما فيما يتعلق بوضع المرأة السعودية فيكفي الإشارة إلى سابقة هي الأولى من نوعها على مستوى العلاقة بين السلطتين حيث أقال الملك عبد الله أحد أعضاء هيئة كبار العلماء د.سعد الشثري إثر تصريح له على إحدى القنوات الفضائية انتقد فيه اختلاط الرجال بالنساء في الجامعة التي افتتحها الملك.. هذه الإقالة أعادت طرح التساؤل حول مستقبل العلاقة التاريخية بين السلطة السياسية والمؤسسة الرسمية الدينية، وما إذا كان النمط السائد في العلاقة سيستمر أم أن الواقع بحاجة إلى نموذج آخر؟
ورغم قناعتي الكاملة بأن للمجتمع السعودية خصوصيته، فهو مجتمع قبلي متدين، ولا يستطيع أحدٌ أن يفرض عليه تفسيره الخاص عن الإسلام، إلا أن المتجول في مدينة الرياض يلحظ بسهولة الفارق الكبير في أوضاع النساء بين الأمس واليوم.

وحجم التغيير في هذا المجال سيتوقف على مدى قدرة المسئولين والحكومة على إحداث تغييرات تمس المرأة السعودية بجرة قلم، وإن كان الأمر ليس بهذه السهولة. فالمجتمع لا يتحمل التغييرات الدراماتيكية والفجائية، كما أن جميع المسئولين وصناع القرار هم بالنهاية سعوديون ونتاج هذه البيئة المحافظة، وهم – كغيرهم- حذرون فيما يتعلق بقضايا المرأة، ولعل المسئول يجد هو ذاته صراعاً بين كل تلك القيم الموروثة وبين متطلبات المجتمع الحديث.

وفي قراءة واقعية للمجتمع فإن الكثير من النساء السعوديات لا يردن الاختلاط لا في العمل ولا في التعليم، لكن في المقابل هن لا يردن أن يستخدم الفصل ذريعة للتمييز والتهميش، وحسب استفتاء نادر أجري في عام 2006 أفصحت 86% من النساء عن رفضهن للبيئة المختلطة، و89% منهن عن رفضهن لقيادة السيارة.

من الصعب إذن التنبؤ بما سيحدث في المستقبل القريب ولكن من المؤكد أن رياح التغيير أقوى من العادات والتقاليد، فالنساء السعوديات يقدن ثورة هادئة تهدف إلى الحصول على المزيد من الحقوق والحريات.. وهذا مؤشر لما يحدث بالفعل داخل المجتمع السعودي.