السبت، 10 أبريل 2010

قيرغيزستان وثورة 1919.. مخاوف من الاستنساخ في مصر


يخطئ من يظن أن الأحداث التي وقعت في قيرغيزيا لم تؤثر على أنظمة الحكم في العالم الثالث وخصوصا العربي منه الذي تطمح جُل شعوبه إلى استنساخ الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام حكم فاسد في قيرغيزسان.
والثورة كمصطلح سياسي هي الخروج عن الوضع الراهن سواء إلى وضع أفضل أو أسوأ من الوضع القائم وللثورة تعريفات معجمية تتلخص بتعريفين ومفهومين ،التعريف التقليدي القديم الذي وضع مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفرنسية وهو قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة.
وقد طور الماركسيون هذا المفهوم بتعريفهم للنخب والطلائع المثقفة بطبقة قيادات العمال التي اسماهم البروليتاريا، أما التعريف أو الفهم المعاصر والأكثر حداثةً هو التغيير الذي يحدثه الشعب من خلال أدواته "كالقوات المسلحة" أو من خلال شخصيات تاريخية لتحقيق طموحاته لتغيير نظام الحكم العاجز عن تلبية هذه الطموحات ولتنفيذ برنامج من المنجزات الثورية غير الاعتيادية.
والمفهوم الدارج أو الشعبي للثورة فهو الانتفاض ضد الحكم الظالم، وقد تكون الثورة شعبية مثل الثورة الفرنسية عام 1789 وثورات أوروبا الشرقية عام 1989 وثورة أوكرانيا المعروفة بالثورة البرتقالية في نوفمبر 2004 أو عسكرية وهي التي تسمى انقلابا مثل الانقلابات التي سادت أمريكا اللاتينية في حقبتي الخمسينيات الستينات من القرن العشرين، أو حركة مقاومة ضد مستعمر مثل الثورة الجزائرية { 1954-1962}.
وما حدث في قيرغيزيا ثورة شعبية مثل الثورة الفرنسية وثورات أوروبا الشرقية وأخيرا الثورة البرتقالية، وكان ما بين 3 إلى 5 آلاف متظاهر توجهوا إلى مقر الرئاسة فأطلقت شرطة مكافحة الشغب قنابل صوتية وغازات مسيلة للدموع على المتظاهرين الذين رشقوا الشرطة بالحجارة وهاجموا أفراد وسيارات قوات الأمن بالعصي.
وحاولت الشرطة من دون جدوى تفريق المتظاهرين الذين تجمعوا احتجاجا على الفساد وارتفاع الأسعار واعتقال قادة المعارض، وطارد رجال الشرطة المحتجين ورشقوهم بالحجارة ولكنهم فشلوا في تفريق المظاهرين المعارضين الذين كانوا يلوحون بأعلام قرغيزيا ذات اللونين الأحمر والأصفر.
وبعد ذلك أعلنت المعارضة القيرغيزية استيلاءها بالكامل على السلطة، وقالت روزا أوتونبايفا التي تولت رئاسة ما يسمى بحكومة الثقة الشعبية إن الحكومة السابقة قدمت استقالتها، وإن الرئيس كرمان بك باكييف هرب إلى جنوب البلاد.
والسيدة أوتونبايفا التي قادت هذه الثورة الشعبية يصفها محللون بكونها امرأة قاسية ولكنها ناعمة الكلام، وأنها معتدلة في وجهات نظرها السياسية.
وكانت أوتونباييفا ولدت في مدينة أوش جنوبي قرغيزستان عام 1950 ودرست الفلسفة وتخرجت في جامعة موسكو الحكومية عام 1972 قبل أن تلتحق للعمل في الحزب الشيوعي وتخدم سفيرة للاتحاد السوفياتي السابق لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) ثم سفيرة للاتحاد في ماليزيا في ثمانينات القرن الماضي.
كما تقلدت منصب وزيرة خارجية قرغيزستان مرتين في عهد الرئيس السابق عسكر أكاييف، ولكنها اختلفت مع أكاييف عام 2004 متهمة إياه بالفساد ومحاباة الأقارب وإضعاف الديمقراطية في البلاد التي سبق لمراقبين غربيين وصفها بكونها "سويسرا آسيا الوسطى".
وأسست أوتونباييفا حزبها السياسي الخاص المسمى "أتا دزيبت" أو "فاذرلاند" أو "أرض الأب" وحاولت الترشح للانتخابات البرلمانية عام 2005، لكن المسئولين التابعين لأكاييف أعاقوا ترشيحها.
الثورة في قيرغيزيا أعادت إلى الأذهان مرة أخرى إمكانية تغيير الأنظمة الفاسدة والدكتاتورية بدون انقلابات عسكرية، وهي بذلك تؤكد مجددا أهمية الثورات في التاريخ السياسي للمجتمعات العصرية وذلك في ظل النتائج المترتبة عليها من تغيرات اقتصادية واجتماعية وثقافية تؤدي إلى تغيير جذري شامل في المجتمع.
والمثير بالنسبة للثورة الشعبية في قيرغيزستان أن البعض في مصر شبهها بثورة 1919 بقيادة سعد زغلول زعيم الحركة الوطنية المصرية، فالثورتان كان الشعب هم وقودها وكانتا ضد الفساد وظلم الحكام، فثورة 1919 جاءت في ظل المعاملة القاسية التي كانت بحق المصريين من قبل البريطانيين، والأحكام العرفية التي أصدرت بحقهم بالإضافة إلى رغبة المصرين بالحصول على الاستقلال، كما اندلعت أيضا في ظل المعاملة القاسية التي عاناها المصريون من قبل البريطانيين والأحكام العرفية التي أصدرت بحق المصريين، ورغبة المصريين بالحصول على الاستقلال، وثورة 1919 تعتبر أول ثورة شعبية في أفريقيا وفي الشرق الأوسط، تبعتها الهند وثورة العراق والمغرب وليبيا.
وتندلع الثورات عموما حين تلاقي الجماهير الفقيرة الظلم والاستغلال من الفئة الحاكمة وينتشر الفساد، وهذا بالضبط ما حدث للمصرين قبل ثورة 1919، ففي الريف كانت تصادَر ممتلكات الفلاحين من ماشية ومحصول لأجل المساهمة في تكاليف الحرب العالمية الأولى ، كما حرصت السلطات العسكرية على إجبار الفلاحين على زراعة المحاصيل التي تتناسب مع متطلبات الحرب، وبيعها بأسعار قليلة، وتم تجنيد مئات الآلاف من الفلاحين بشكل قسري للمشاركة في الحرب فيما سمي بـ "فرقة العمل المصرية" التي استخدمت في الأعمال المعاونة وراء خطوط القتال في سيناء وفلسطين والعراق وفرنسا وبلجيكا وغيرها.
أيضا، نقصت السلع الأساسية بشكل حاد، وتدهورت الأوضاع المعيشية لكل من سكان الريف والمدن، وشهدت مدينتي القاهرة والإسكندرية مظاهرات للعاطلين ومواكب للجائعين تطورت أحيانا إلى ممارسات عنيفة تمثلت في النهب والتخريب.
ولم تفلح إجراءات الحكومة لمواجهة الغلاء، مثل توزيع كميات من الخبز على سكان المدن أو محاولة ترحيل العمال العاطلين إلى قراهم، في التخفيف من عنف الأزمة، كذلك تعرض العمال ونقاباتهم لهجوم بسبب إعلان الأحكام العرفية وإصدار القوانين التي تحرم التجمهر والإضراب.
مشاهدات ما قبل ثورة 1919 تتكرر الآن في مصر، اعتصامات.. إضرابات.. ارتفاع أسعار.. فساد أنتشر وتغلغل إلى الجذور، وحكومة عاجزة لا تعرف كيف تواجه ما يحدث.. ومحاولات من معارضين للتحرك وسط هذا الركام، وكل ذلك يقرب إلى الأذهان ما حدث في قيرغيزستان!، فاللهم هون علينا واحفظنا مما هو آت.
فيديو من أحداث قيرغيزستان
http://arabic.euronews.net/2010/04/08/opposition-leader-claims-kyrgyzstan-control
/

ليست هناك تعليقات: