
أقر وأعترف بأنني واحد من قليلين على سطح المعمورة لم يتابعوا بالكامل فعاليات كأس العالم والمباريات التي شهدت فعالياتها ساحات جنوب أفريقيا، لكني وبحكم العادة الجبرية كنت اقرأ نتائج المباريات خلال مطالعتي لصحف الصباح ثم أكتفي بمشاهدة ما ينشر من صور تعطيني انطباعا عن ردود فعل الجمهور تجاه النتائج وكيف يواجهون خسارة فريقهم أو صعوده للدور التالي.
ومن متابعة انطباعات الجمهور لاحظت أن السعادة تغمر المشاهدين عندما يفوز فريقهم ويسارعون إلى التعبير عن ذلك بألوان متعددة لعل أبرزها رسم علم دولتهم على الوجوه والأذرع ومناطق أخرى من الجسم، كانوا يتسابقون إلى التغني بأوطانهم والتعبير عن حبهم له عندما يسجل فريقهم هدفا في مرمى الخصم، وكانوا يغضبون ويثورون عندما يخسر الفريق، وفي كثير من الحالات يتحول الغضب إلى تخريب وتدمير يعكس حالة الكراهية الإيجابية للوطن الضحية.
هل حب الوطن يكون فقط في حالات الانتصار، سواء السياسي أو الكروي، وهل هو حب فطري أم أننا حولناه إلى كلمات مجردة تفتقد الروح والمعنى؟، وإذا كان حب الوطن دافعاً إلى تحقيق المواطنة فإن ممارسة المواطنة هي التعبير الصادق عن ذلك الحب، ما الذي يجعلني إذن مواطنا صالحا أحب بلدي إذا ما انتصر فريق ينتمي إليها وأحبها أيضا إذا ما خسر الفريق أو حتى انهزم الناس كلهم.
اعتقد أن خللا ما حدث في نظرة الفرد للوطن أو المكان الذي يعيش فيه، كنت أظنها ظاهرة مصرية محلية فقط، حيث تظهر وتنتشر في بلدي ويلمسها كل من يسير بالطريق أو يعاشر الناس ويخالطهم، مفهوم حبي لمصر يعني دفاعي عنها في كل مكان وإخلاصي في العمل لنهضتها كان نجاحي لا يتم إذا استمر تأخر بلدي ومصلحتي الذاتية الشخصية تنصهر في المصلحة العامة التي تسيطر على الجميع كان تخريب المال العام أمرا مستبعدا وعبارة "يا عم هو أنا اللي سأصلح الكون" غير مدرجة في قاموسي الفكري.
اليوم، ماذا نرى ونسمع!، غلبت المصلحة الفردية وسيطرت الأنانية وغابت المصلحة العامة وصار حبي لذاتي هو البداية والنهاية، صرت لا أشعر بمن حولي وأعيش كأني في جزيرة منعزلة لا وجود فيها لغيري، لا أشعر بإحساس المواطنة إلا إذا رأيت تجمعا كرويا وانتصر الفريق الذي يحمل علم بلدي، وبتلقائية غريبة وبدون تفكير صرت أنصهر في هذا الرد فعل للحدث وبمجرد انتهاءه تتفرق المشاعر وأعود إلى ذاتي انكمش داخلها وأنسى من حولي.
باختصار صرنا مواطنين حسب الحدث ولم يعد يجمعنا كيان جغرافي ولا رابطة عاطفية، بل صار ما يجمعنا ويفرقنا هو الحدث وتبخر حب الوطن.
هذا ما لاحظته أيضا خلال متابعتي لصور وحكايات كأس العالم 2010 وهي بالتالي تختلف عن صور وحكايات أول مونديال عرفته البشرية.. تغيرنا جميعا إلى الأسوأ وليس إلى الأفضل كما كنت أحب وأتمنى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق