الأحد، 4 أبريل 2010

البرادعي وحتمية التغيير في مصر


منذ فترة ليست بقصيرة بدأ اسم محمد البرادعي يتردد بقوة في مصر حينما خرجت أصوات في الإعلام، وبالأخص على صفحات الانترنت، تطرح اسمه بجانب آخرين للمنافسة على مقعد رئاسة الجمهورية على خلفية انتخابات الرئاسة القادمة في 2011.

جاء ذلك مع انتهاء عمل البرادعي كمدير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحينها أعلن بكلمات واضحة عن نيته واستعداده خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، وطالب ببعض الشروط والمحددات والضمانات، التي من أهمها تعديل المادة 76 من الدستور والإشراف القضائي الكامل والرقابة الدولية وإنشاء لجنة مستقلة ومحايدة تشرف على العملية الانتخابية، ومن ثم وضع دستور جديد يكفل الحريات وحقوق الإنسان".

ومنذ ذلك الحين انطلقت دعوات على الانترنت لدعمه في معركة الترشح للرئاسة، وبشكل شديد التعجل سارع نشطاء لإجراء توكيلات له لإنشاء مجلس لصياغة دستور جديد.

ومن فرط حماس البعض لعودة البرادعي شبهها بعودة القائد التاريخي سعد زغلول الذي اجتمعت عليه الأمة المصرية لكي يقودها في مواجهة الاحتلال البريطاني من أجل الحرية والاستقلال في عشرينات القرن الماضي.

وما بين المؤيدين والمعارضين كان هناك فريق من أمثالي زاده صخب الشارع حيرة والتباساً في فهم ما يحدث وفي فهم كيف يمكن أن يصبح البرادعي قائداً لتحول كبير في مصر يهدف إلى الوصول لنظام ديمقراطي يحلم به كل مصري.

ومن خلال متابعتي لتصريحات القائد المنتظر أشعر أن البرادعي نفسه تغشاه هذه الحيرة، ويبدو ذلك واضحا في تصريحاته، على قلتها، منذ استقبله بضع مئات له في المطار عندما عاد في 19 فبراير 2010، كما أنه لا يبدو واضحا ماذا سيفعل البرادعي، هل سيستقر مقامه في مصر حيث ساحة التغيير المنشود، أم سيتولى تحفيز التغيير عن بُعد ويترك المهمة على الأرض لبعض الناشطين الذين تحلقوا حوله بالفعل ويسعون لتوظيف شخصه ومكانته من أجل أفكارهم وتطلعاتهم السياسية التي قد لا تتوافق إجمالاً معه ولكنها تداعيات المرحلة ليظهر بعدها التباين واضحا بين كل هذه الفرق الغير متناغمة؟

وبالإضافة إلى الجولات الميدانية التي بدأها الدكتور البرادعي في الأيام الأخيرة، فإنه يعتمد في الأساس على الترويج الدعائي من خلال الإنترنت، سواء بتجميع مؤيديه في مجموعة باسمه على "Face book" أو بالمدونات التي بدأت في الظهور على عالم الشبكة الافتراضي وبجوارها «تي شيرتات» ويافطات مكتوب عليها «البرادعي رئيساً لمصر».

وفي رأيي أن هذا النوع من التأييد الغالب في عالم افتراضي مثل الإنترنت قد يكون عنصراً مكملاً وليس عنصراً رئيساً في أي تحول حقيقي بالنسبة إلى حركة د.محمد البرادعي المقبلة، وإذا كان مؤيدي البرادعي يعتقدون أنهم يستطيعون في بلد مثل مصر استعارة نموذج معركة الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي استطاع حشد كثير من مؤيديه عن طريق الإنترنت، فإن هذا لا يصلح في بلد مثل مصر، لأن أوباما فرض وجوده السياسي استناداً لآليات بلد ديمقراطي متقدم اقتصادياً وتقنياً، حتى قبل أن يوظف آلية وإمكانات شبكة الإنترنت في جذب تمويل أو أنصار جدد يدعمونه في الوصول إلى سدة الرئاسة في انتخابات مشهود لها بالنزاهة، في حين أن محمد البرادعي لم يفرض وجوده السياسي بعد، ويأخذ عليه معارضوه مآخذ كثيرة أبرزها وجوده خارج البلاد لأكثر من عقدين، ومن ثم عدم إلمامه بتفاصيل الحياة في مصر وتعقيداتها وإشكالاتها، ناهيك عن سطوة الأمية في بلد قوامه 80 مليون نسمة تحجب عنهم تأثيرات العالم الافتراضي، وتضع غالبيتهم أولوية حل المشاكل الاقتصادية والتغلب على مصاعب الحياة اليومية فوق أي أولوية أخرى، وتسودهم أيضا بحسب علماء الاجتماع المصريين مقولة «من نعرفه أفضل ممن لا نعرفه».

عموما، وعلى عكس النغمة السائدة في مصر من أن النظام سيشن حربا ضروس ضد الدكتور البرادعي، توقعت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية استجابة الرئيس حسني مبارك لمطالب المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتعديل الدستور وإجراء إصلاحات سياسية، رغم كشفها عن اعتراضها علي الدور الذي كان يلعبه البرادعي في إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي قالت إنه كان سياسيًا أكثر منه مهنيًا.

وفي هذا الإطار صاغت وزارة الخارجية الأمريكية بشكل حذر بيانًا عن الوضع في مصر قالت فيه إنها "ترغب في رؤية صعود عملية سياسية أكثر شمولاً في مصر، لكن هذه في النهاية قرارات يجب أن تقوم مصر باتخاذها".

هذا ما قاله المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية بى جى كراولى فى تصريحات لوكالة يونايتد برس الأمريكية ردا على الاتهامات التي وجهت لواشنطن بأنها تدعم البرادعي وترغب في إثارة الفوضى وعدم الاستقرار في مصر.

وكانت تقارير صحفية ذكرت في وقت سابق أن فرصة وصول محمد البرادعي إلى كرسي الرئاسة المصرية باتت ضعيفة جدا، وذلك في أعقاب تصريحات للرئيس مبارك ونجله جمال مبارك، أكدا خلالها على عدم وجود أية نية لتعديل الدستور وخاصة المادة 76 المثيرة للجدل والتي تراها المعارضة المصرية عائقا أمام أي مواطن مصري مستقل للترشح في الانتخابات الرئاسية المقررة في 2011.

لقد رهن مبارك ترشيح البرادعي للرئاسة بالتزامه بالدستور، وكذلك اعتبر الأمين العام المساعد أمين السياسات في الحزب الوطني جمال مبارك - الذي يرى معارضون أن هناك مخططاً لتوريثه الحكم - أن المرشح المستقل في انتخابات الرئاسة "يمثل استثناء" في أن القاعدة هي ترشيح ممثلي الأحزاب.

ويشترط الدستور المصري لمن يرغب في الترشح لانتخابات الرئاسة أن يكون عضوا في الهيئة العليا لأحد الأحزاب قبل عام علي الأقل من الانتخابات، علي أن يكون قد مضي علي تأسيس هذا الحزب خمس سنوات.

كما يشترط أن يحصل أي مرشح مستقل للرئاسة على تأييد 250 عضواً منتخباً في مجلسي الشعب والشورى ومجالس المحافظات من بينهم 65 عضواً على الأقل في مجلس الشعب و25 عضواً في مجلس الشورى و10 أعضاء في مجالس المحافظات.

وسواء دخل الدكتور البرادعي في قائمة المرشحين لشغل مقعد الرئاسة في 2011 أم فاز الرئيس الحالي بفترة ولاية أخرى، أو ظهر منافسون آخرون، فإن المصريين يطالبون بإحداث تغيير جذري يشعر به المواطن البسيط، والحقيقة أن هذا مطلب شرعي إذ أنه لا يوجد مجتمع لا يتغير ويبدو المجتمع مستقرا ساكنا سائرا في انجاز وظائفه في هدوء طوال أجيال متعاقبة، ولكنه حين يصل إلى درجة من التجمع الحضاري يبدأ في التغير بسبب وجود قوى تعمل في أعماقه لتجديد الاتساق أو لتأسيس نظم جديدة.

وفي رأيي أن التغير الاجتماعي الذي ننشده يجب أن يتناول كل مقومات الحياة الاجتماعية والنظم والعلاقات الإنسانية، ويجب أن يقوم على فكر واضح وتخطيط دقيق لبناء الدولة العصرية التي تستند إلى العلم والتكنولوجيا وهذا يقتضي المواجهة العلمية المستنيرة لما قد يتمخض عنه التغير الاجتماعي من مشكلات ومتناقضات ومطالب واحتياجات، وبالتالي إتباع الأسلوب العلمي في مسيرة التغير الاجتماعي بحيث يكون تغيرا متوازنا متكاملا يفضي إلى التطور والنمو والتقدم.

وأستشهد هنا بما قاله ابن خلدون عن التغيير الاجتماعي حينما تحدث عن المراحل التي تمر بها الدول والتغيرات التي تنتهي إليها المجتمعات وأبان أنه إذا سيطر الترف على مجتمع ما كان ذلك مؤذنا بضعفه وعجزه عن مدافعة عدوه، أو فشله أمام ضغوط الحياة.

وكذلك ما قاله مالك بن نبي والذي اعتبر أن التغيير الاجتماعي عملية بنائية تستهدف إقامة حضارة بواسطة نظام من العلاقات الاجتماعية، فالتغيير الاجتماعي بالضرورة من صنع الأشخاص، والأفكار، والأشياء جميعاً، ويفرق مالك بين التغيير الاجتماعي والتغير الاجتماعي، فيرى أن التغيير يتجلى من خلال تدخل الإنسان بالتخطيط، أما التغير فهو ظاهرة تلقائية وتشمل التغير نحو الأسوأ أو الأفضل.

نحن ننشد التغيير، واعتقد أن الدكتور البرادعي يصلح أن يكون جزء من منظومة التغيير، أو الشخص الذي يحرك عجلة الإصلاح أو دينامو للإصلاح، بغض النظر عن كونه سيشغل مقعد الرئاسة أم سيشغله غيره، فهذا له شروط أخرى يجب أن تتوافر في شخصية الرئيس المقبل لمصر.

ليست هناك تعليقات: