
كما ذكرت في تدوينتي السابقة، لقد أصاب جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا ما أصاب المجتمع المصري من تصارع على المناصب وتغليب المصلحة الشخصية على المصالح العامة وتدني الأهداف الكلية وعدم الاعتراف بالرأي الآخر مع تجريمه ونعته بالعمالة وغير ذلك من مسميات.
لكن أخطر ما أصاب جماعة الإخوان المسلمين، من وجهة نظري، هو اختراقها من جهات خارجية بهدف بث الفتنة الداخلية والتي ستؤدي في نهاية الأمر إلى تقويض الجماعة، وقد سبق أن حدث هذا الاختراق لأحزاب مصرية مثل الشعب والأحرار والوفد، وجميعها نجح اختراقها في تقويضها والتخلص من الصداع المزمن الذي كانت تحدثه.
ونموذج الاختراق الذي تكرر في الساحة السياسية المصرية كثيرا خلال الخمسة عشر سنة الأخيرة كان دائما يستلهم النموذج السوفيتي وما فعله جورباتشوف بالاتحاد السوفيتي، القوة العظمى الثانية قبل تفكك الاتحاد، حيث استطاع هذا الرجل بسياسته ودهائه أن يقضي على المنافس اللدود للولايات المتحدة الأمريكية وما كان يسببه من صداع مزمن لها.
ما يحدث في جماعة الإخوان المسلمين قريب الشبة بما حدث للاتحاد السوفيتي الذي انهار وتفكك، وما حدث للأحزاب المصرية التي تصدعت واختفت تقريبا من ساحة المنافسة، والأخوان المسلمون على الدرب قادمون بعدما أصابهم الصدع مؤخرا وبات هذا واضحا لمن هم داخل الجماعة أو المتابعون لها من الخارج.
والخلافات لم تبدأ مع انتخابات مكتب الإرشاد وإنما قبلها، صحيح أن اختلاف الرأي بين أكثر من فريق كان موجودا منذ النشأة بدليل خروج أكثر من معارض وانشقاقهم على الجماعة، ولكن كان يحدث ذلك دائما دونما تجريح لطرف من آخر وفي إطار فكري يضع الصالح العام في الاعتبار ولا يقف عند أهداف ورؤى شخصية.. كانت كما يقولون "معارك الكبار" أما اليوم فما نشاهده لا يندرج إلا تحت مسمى "لعب الصغار".
في هذا الإطار ووسط تلك الألعاب الصبيانية تأتي أنباء اختيار محمد بديع مرشدا ثامنا للجماعة ليخلف بذلك مرشدها السابع محمد مهدي عاكف الذي تنتهي ولايته في 13 يناير 2010 ويرفض تمديد فترة ثانية، وسوف يتسلم القيادة منه شخص غير معروف على الأقل خارج القطر المصري وهو أمر سلبي لجماعة أممية بحجم الإخوان المسلمين.
د.بديع لم يكن له علاقة مباشرة بالسياسة من قريب أو بعيد، وكل علاقته مرتبطة بالعمل النقابي، من خلال عضويته لمجلسي نقابة الأطباء البيطريين وإتحاد نقابات المهن الطبية، وقد ارتفعت أسهمه في الأزمة الأخيرة عندما اشتدت الحرب بين الدكتور محمود عزت، أمين عام الجماعة، والدكتور محمد حبيب، النائب الأول للمرشد حيث رجحت كفة بديع لأنه بعيد عن المشاكل.. فكان الأعلى أصواتا بين المرشحين في الانتخابات الأخيرة .
اختيار بديع مفاجأ بكل المقاييس ليس للإخوان فقط وإنما لكل القوى السياسية التي لم تسمع عنه شيئا ولم يكن له دور واضح في الحياة العامة وإن كان قريب من المجتمع الإخواني وهذه تمثل إشكالية حلها يبدو صعبا وتبعاتها سوف تظهر عند توليه بشكل فعلي مهامه التنظيمية.
ووفقا لما استطعت التوصل إليه من معلومات فإن مكتب الإرشاد توافق علي اسمين منهم وهما محمد بديع ورشاد بيومي، ويعتقد بعض الإخوان في ارتفاع كفة البيومي رغم حصول بديع علي أعلي الأصوات بشبه إجماع إلا أن الآلية التي تتخذها الجماعة لاختيار اسم المرشد لا تحسم بأعلي الأصوات بقدر ما يكون ما يمتلكه المرشح من مواصفات وإمكانات تناسب هذا المنصب حسبما يتراءي أعضاء المكتب، ولذلك يرجح هؤلاء اسم البيومي لما يتمتع به من حياد عن أطراف الصراع الذي دار بين جناحي الدكتور محمد حبيب نائب المرشد والدكتور محمود عزت أمين الجماعة، وسعيه للتوفيق بين الطرفين، لكن للأمور زوايا أخرى أهمها أن المرشد الذي ستنتهي ولايته محمد مهدي عاكف يدعم اختيار محمد بديع ليخلفه ويكون هو المرشد الثامن للجماعة.
ووفقا لموسوعة ويكيبيديا العالمية وموسوعة الإخوان الإسلامية فإن د. محمد بديع عبد المجيد سامي , واحد من أعظم مائة عالم عربي وفقاً للموسوعة العلمية العربية التي أصدرتها هيئة الإستعلامات المصرية 1999م ، وهو مؤسس المعهد البيطري العالي بالجمهورية العربية اليمنية ، عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين في مصر منذ عام 1993م ولد في 7 أغسطس 1943 في المحلة الكبرى في مصر
يعمل حاليا أستاذ متفرغ بقسم الباثولوجيا بكلية الطب البيطري جامعة بني سويف، وقد مارس العمل النقابي وشغل منصب أمين عام النقابة العامة للأطباء البيطريين لدورتين، وكذلك أمين صندوق اتحاد نقابات المهن الطبية لدورة واحدة.
وهو زوج السيدة سمية الشناوي كريمة الضابط طيار محمد علي الشناوي من الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين، ولديه من الأبناء "عمَّار" (مهندس كمبيوتر)، "بلال" (طبيب أشعة)، "ضحى" (طالبة صيدلة)، والأحفاد رؤى وحبيب وإياد.
تعرض للاعتقال ثلاث مرات كانت المرة الأولى سنة 1965م مع الأستاذ سيد قطب والإخوان، وحُكم عليه بخمسة عشر عامًا، قَضى منها 9 سنوات، وخرج في 4/4/1974م، وعاد لعمله بجامعة أسيوط، ثم نُقل إلى جامعة الزقازيق، وسافر بعدها لليمن حيث أسس هناك معهدها البيطري ، هعاد بعدها إلى جامعة بني سويف.
أما في المرة الثانية فقد حكم عليه بالسجن لمدة 75 يومًا في قضية جمعية الدعوة الإسلامية ببني سويف عام 1998م؛ حيث كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة جمعية الدعوة ببني سويف بعد اعتقال الحاج حسن جودة.
أما القضية الثالثة فهي قضية النقابيين سنة 1999م؛ حيث حكمت عليه المحكمة العسكرية بالسجن خمس سنوات، قضى منها ثلاث سنوات وثلاثة أرباع السنة وخرج بأول حكم بثلاثة أرباع المدة سنة 2003م.
ولا ينفي بديع وجود مشاكل وخلافات داخل جماعة الإخوان، ويؤكد (نعم حصلت مشكلة فى تفسير اللائحة، وهى مثل أى مشكلة تحدث بين إخوة فى أى بيت فيغلقون الباب حتى لا يدرى أحد خارج البيت، نحن نختلف ثم نتصالح، وتبقى الكلمة الطيبة بيننا).. وواضح أن الدكتور بديع لا يدرك أن الباب هذه المرة لم يغلق ومن هم خارج البيت صاروا أكثر دراية بمعارك الداخل!.
وفي تصريحات أخرى يبدو فيها عنف المرشد المرشح مع من يخالفوه يقول (أى أحد يخالف ويرفض أن يستمر معنا بمبادئنا وأهدافنا «يتفضل مع السلامة»، فمن لا يريد أن يسير معنا فلا نفرض أنفسنا عليه، واللى خرجوا فبسبب خلافات فى الرأى لأنهم أرادوا أن تسير الجماعة كما يريدون، كثيرون، ومنهم أنا اعترضت على بعض المواقف أو القرارات ومازلت مستمرا، فالرأى يؤخذ ويطرح بدون إصرار، لأن الإصرار يعنى وجود مصلحة شخصية، وهذا مرفوض فى الإخوان، واسألوا من خرجوا لماذا تركونا).
وعود على ما بدأت به التدوينة، ما حدث من اختراق لجماعة الإخوان المسلمين سيبتعد بها عن انتخابات مجلس الشعب المقبلة فى خريف 2010 بما يعنى أن فرص تكرار سيناريو انتخابات 2005 التى حصد بها الإخوان 88 مقعداً تبدو ضعيفة وهو نفس ما سيتكرر فى انتخابات النقابات المهنية، بل إن هذا الاختراق لا شك سوف يؤثر على انتخابات رئاسة الجمهورية فى 2011، لأنه لو أحكم المحافظون قبضتهم على مقاليد الأمور داخل الجماعة فإن ذلك سيؤدى إلى امتناع الجماعة عن لعب أى دور فى انتخابات الرئيس المقبل لمصر، بمعنى أن جماعة الإخوان لن تمنح أى مرشح معارض على منصب الرئاسة الفرصة لكسب تأييدهم والاستفادة من تنظيمهم ورصيدهم لدى قطاع من الشارع المصرى.. وهكذا يكون الاختراق قد نجح في تنفيذ أهدافه، والأيام بيننا.