الأربعاء، 23 ديسمبر 2009

انتخابات الإخوان بين التوجيه والتزوير

ما الفرق بين التزوير والتوجيه في أي عملية انتخابية؟ وهل التزوير لا بد وأن يكون فقط من خلال تغيير النتائج أو الدفع بمن ليس لهم حق التصويت بدلا من أصحاب الحق الأصليين؟.
السؤال فرض نفسه بمناسبة ما حدث خلال انتخابات مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، حيث مارس قادة الجماعة الألاعيب ذاتها التي يتمترس بها أي حزب حاكم يعشق السلطة ويرفع شعار الغاية تبرر الوسيلة.
أجريت انتخابات مكتب الإرشاد وسط أجواء ضبابية، واثبت البعض أن آرائه ومواقفه تتبدل بحسب المصلحة الخاصة، وتأكد لي؛ على المستوى الشخصي؛ أن الجماعة أصابها ما أصاب المجتمع المصري وأن اعضائها كالمصريين جميعا يرفعون لافتة (أنا ثم أنا وأخيرا أنا) والكل يعتبر أنه الأجدر والأحق والأفضل والأنسب.. وغير ذلك من أفعال التفضيل.
وفيما يتوقع مراقبون أن تؤدي نتائج هذه الانتخابات التي تفاعلات داخل الجماعة، فإنّ مرشدها العام محمد مهدي عاكف، قال في بيان صحفي "إنّ انتخابات تشكيل مكتب إرشاد جديد لجماعة الإخوان المسلمين أُجريت طبقاً لقرار من مجلس الشورى العام للجماعة في الأيام القليلة الماضية؛ وذلك بعد استطلاع رأي مجلس الشورى العام، وكان رأي أغلبية المجلس أن يجري انتخاب كامل لمكتب الإرشاد، وكذلك كان رأي الأغلبية أن يتم انتخاب مكتب الإرشاد الآن".
ومع أن محمد حبيب النائب الأول للمرشد العام للجماعة ذكر في تصريحات لموقع محيط "أن الجماعة أجرت انتخاباتها الأخيرة الخاصة بمكتب الإرشاد، بشكل حر ومباشر يتسم بالشفافية والديموقراطية السليمة"، إلا أنه عاد وانتقدها بعد استبعاده من مكتب الإرشاد وقال للجزيرة إن الدعوة للانتخابات لم تعرض على مكتب الإرشاد أو عليه كنائب أول للمرشد ولم يستشر فيها، وقال إن الدعوة للانتخابات ليست من اختصاص المرشد أو النائب الأول أو الأمين العام للجماعة، لكنها من اختصاص مكتب الإرشاد، ورأى أن ذلك إهدار للمؤسسية وفتح لباب من التجاوزات والخروقات، وأضاف أن إجراء الانتخابات بهذا الاستعجال هدفه تمكين فريق ما ضد فريق آخر وليس فقط استبعاده شخصيا بل التعدي على صلاحيات مكتب الإرشاد. وفي حوار آخر مع "إسلاميون.نت" طالب حبيب بتشكيل لجنة قانونية للبحث في مدى صحة هذه الانتخابات.
وكان عاكف قد أوضح أنّ نتيجة هذه الانتخابات أسفرت عن تشكيل مكتب الإرشاد الجديد من كل من الدكتور أسامة نصر الدين، وجمعة أمين، والدكتور رشاد البيومي، والمهندس سعد الحسيني، والدكتور عبد الرحمن البرّ، والدكتور عصام العريان، والدكتور محمد بديع، والدكتور محمد سعد الكتاتني، والدكتور محمد عبد الرحمن المرسي، والدكتور محمد مرسي، والدكتور محمود أبو زيد، والدكتور محمود حسين، والدكتور محمود عزت، والدكتور محمود غزلان، والدكتور محيي حامد، والدكتور مصطفى الغنيمي.
وما حدث خلال انتخابات مكتب الإرشاد يؤكد عمق الأزمة داخل جماعة الإخوان، كما أن تصريحات مرشدها محمد مهدي عاكف ونائبه محمد حبيب تؤكد أن الاثنان ليس على وافق؛ وكنت ألاحظ ذلك خلال لقاءاتي الصحفية في الفترة السابقة، وقد ترددت أنباء في الفترة الأخيرة حول إصرار المرشد العام على عدم اعتماد نتيجة الانتخابات الداخلية الأولية لغضبه الشديد من أن الإخوان لم يصوتوا لصالح قائمته التي أعدها ونصح بانتخابها وقرروا التصويت لقائمة ثانية أعدها الدكتور محمد حبيب!!، وبمجرد إعلان نتيجة الانتخابات أبلغ عاكف الجميع انه لن يوافق على هذه النتيجة وطالبهم بايجاد حل عاجل يقضي بتصعيد قائمته وإلا فانه سيثير لهم المشاكل ولن يعتمد نتيجة الانتخابات!!.
وهذ يعني أن هناك "توجيه" لإرادة الناخبين، وهو ما أشار إليه الدكتور إبراهيم الزعفراني عضو مجلس الشورى العام بقوله إن الإخوان لا يعرفون تزوير الانتخابات ولكن هناك ما هو أخطر من ذلك وهو "توجيه الانتخابات" بالإيجاب والسلب(!!) ضد أفراد وكذلك توجيه نتيجة وبالتالي تتشكل النتيجة حسب الفريق الأقوى.
وقال الزعفراني إن مستقبل الجماعة أصبح ضبابيا ولا يمكن التنبؤ به في ظل سيطرة فريق بعينه على الجماعة التي خسرت كثيرا من رصيدها على المستوى الداخلي والشعبي خلال الشهور الماضية، واقترح تشكيل لجنة مصغرة من مجلس شورى الجماعة تقوم بمحاسبة ومراقبة مكتب الإرشاد وطالب قيادات الجماعة بإعلاء مبدأ "المشاركة لا المغالبة"، وذكر أن خروج المخالفين في الرأي خارج الجماعة مؤشر خطير قد ينذر بضمورها.
وقد تمت انتخابات مكتب الإرشاد التي لم يعلن عنها بطريقة سرية لتفادي القبض على الأعضاء في حالة اجتماعهم، وكانت آخر انتخابات معلنة شهدها مكتب الإرشاد عام 1995 عندما اجتمع مجلس شورى الإخوان لاختيار أعضاء المكتب، وتم القبض وقتها على معظم أعضاء المجلس، وإحالتهم إلى المحكمة العسكرية.
ويعد مكتب الإرشاد الهيئة الإدارية والقيادة التنفيذية العليا لجماعة الإخوان، وهو المشرف على سير الدعوة والموجهه لسياستها وإداراتها والمختص بكل شئونها وتنظيم أقسامها وتشكيلاتها، ويتكون من 16 عضوا إلى جانب المرشد العام، ولا يتم الترشح لعضوية مكتب الإرشاد، بل إن أعضاء مجلس الشورى هم الذين يختارون أسماء محددة لهذه العضوية من بينهم.
وهناك من يقول إن الاستعجال كان من أجل الإطاحة بالدكتور حبيب حيث أن اللائحة الداخلية للجماعة تنص على ضرورة أن يكون نائب المرشد عضوا بمكتب الإرشاد الذي يختاره أعضاء مجلس الشورى، لكن مهدي عاكف رفض التعليق على عدم انتخاب حبيب، وقال "هذه هي نتيجة الانتخابات والشورى التي يتعبّد بها الاخوان لله تعالى، وليست صراعاً على مغانم كما يصوِّرها البعض".، ونفى عاكف الاتهامات بأنّ هناك صفقة أو ترتيب مع الأجهزة الأمنية لإجراء هذه الانتخابات.
ورغم ضبابية الموقف حاليا إلا أن الوضع الوحيد الظاهر والمؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين تشهد حالة من التوتر والانقسام وبدأ اشتعال فتيل الأزمة بين أعضاء الجماعة بمجرد إعلان نتيجة الانتخابات الداخلية لمكتب الإرشاد لدرجة أن بعض قواعد الجماعة، خاصة بين صفوف الشباب، شهدت حالة من التذمر وأكد بعضهم تمسكه ببيان سابق أصدروه عندما استشعروا بوادر أزمة بين قادة الجماعة والذي كان يدعو القيادة إلى مراجعة اللوائح الداخلية وتعديلها بشكل عملي يتناسب مع طبيعة ومتطلبات المرحلة، مع احترام الجميع لآليات الشورى ونتائجها والتأكيد علي سياسة الوضوح والشفافية بحيث يتم إعلان اللوائح المنظمة للنظام الداخلي والمساواة في كل الحالات وعدم ترك الباب للتأويلات والاجتهادات الشخصية التي توغر الصدور وتؤثر سلبا علي الصف، مؤكدين ان وحدة الصف وتماسك البناء هو من الثوابت واعربوا عن خشيتهم من ان تؤدي مثل هذه الاحداث لنماذج قاسية مرت بها الدعوة في اقطار أخرى ولذلك من الضروري نؤكد ان يكون إغلاق أي ملف لمشكلة بشكل عملي وموضوعي يضمن عدم تكرار المشكلة وعدم تفاقم تراكماتها.
الإصلاحيون الآن في مأزق حقيقي فالانتخابات في رأيهم غير صحيحة وإجراءاتها باطلة.. ولكن هل سيظل الوضع في هذا الاتجاه، أم يتم إقرارها أم أنه من الممكن الاستجابة لأصواتهم وإعادتها مرة أخرى.. لقد أكد الزعفراني على أن الانتخابات التي جرت إجراءاتها باطلة ولكنه استبعد في الوقت ذاته إعادتها، ورجح رضوخ فريق الإصلاحيين أو الفريق الأضعف كما وصفهم للتعايش من أجل وحدة الصف والحفاظ على الجماعة، وركز على أنه سيكون هناك ميل لتجاوز المرحلة والتعايش معها وذلك حفاظا على القاعدة العريضة الحزينة لمشاهدة قيادتها متمزقة، ففي رأيه أن هؤلاء لا ذنب لهم في تلك المشاكل.. لكن من وجهة نظري الشخصية اعتقد أن الملف لن يغلق قريبا خاصة إذا تأكد ظني من أن خروقات خارجية قد حدثت في صفوف الجماعة وقيادتها وهو الأمر الذي سيعجل بانهيارها.

ليست هناك تعليقات: