الاثنين، 30 نوفمبر 2009

الجزائر.. وثورة المصريين ضد الفساد

فى الوقت الذى كانت فيه مصر والجزائر تتعاركان بسبب مباراة كرة قدم سوف تؤهل إحداهما إلى مونديال ٢٠١٠، تعادلت الدولتان فى حصيلة الفساد والشفافية حسب تقرير دولى أصدرته منظمة الشفافية الدولية.
واحتلت مصر والجزائر المركز الـ١١١ مكرر، فى التقرير الذى وضع قطر فى المركز الـ٢٢ باعتبارها أكثر الدول العربية شفافية، تلتها الإمارات ٣٠ وعمان ٣٩ والبحرين ٣٦ والأردن ٤٩ والسعودية ٦٣ وتونس ٦٥ والكويت ٦٦ والمغرب ٨٩ واليمن ١٥٤، والصومال الأخيرة عالمياً.
قرأت التقرير وتعجبت، لماذا لا يثور المصريين ويغضبوا ضد الفساد في بلادهم؟.. لقد ذكر تقرير منظمة الشفافية الدولية (Transparency International) أن مصر أصبحت أكثر فسادا في العام 2008 عن 2007 حيث تراجع موقعها فى تقرير المنظمة السنوي إلى المركز 115 من بين 180 دولة، وأعطى تقرير منظمة الشفافية الدولية مصر 2.8 نقطة في 2008 مقابل 2.9 في 2007، على "مؤشر الفساد".
ويتكون "مؤشر الفساد" من 10 نقاط، وتعد الدولة "أكثر نزاهة" كلما زادت نقاطها عليه، و"أكثر فسادا" كلما اقتربت من الصفر، وتعتمد تقارير المؤسسة، فى تقييمها، على "تصورات" قطاع الأعمال والخبراء والمحللين حول مدى انتشار الفساد فى دولهم بين الموظفين الحكوميين والسياسيين، ورؤية المواطنين لجهود حكوماتهم فى مكافحة الفساد.
وتراجع ترتيب مصر عالميا على "مؤشر الفساد" بشكل متواصل منذ 2005، فقد سجلت 3.4 نقطة على المؤشر في عام 2005، لتحتل المركز 70 من بين 159، ثم تراجعت إلى 3.3 في 2006، ثم إلى 2.9 في 2007، وتناول تقرير منظمة الشفافية الدولية الصادر فى 2009 موضوع الفساد في القطاع الخاص، معتبرا أن الشركات هي لاعب أساسي في عملية محاربة الفساد حول العالم، ويصف التقرير الفساد بالمشكلة المعقدة والمدمرة في قطاع الأعمال ومحاربته تعتبر أكبر تحد كما أن الرشوة ليست سوى وجه واحد من أوجه الفساد.
مصر الحقيقية
وقراءة متأنية في تقارير أخرى، محلية ودولية، تؤكد حقيقة الأرقام التي ذكرها تقرير الشفافية الدولية وتوضح حجم الخطر الذي يحيق بالمصريين إذا لم يتنبهوا ويثورون ضد الفساد في بلادهم، ووفقا لتقرير صادر عام 2008 من مركز الدراسات الريفية فإن حوالي 39 ملياراً و373 مليوناً و524 ألف جنيه تم اهدارها في الفترة ما بين أبريل 2008 ويناير 2009 بسبب الفساد المالي والإداري.
وقد احتلت مصر المركز 134 من بين 134 دولة في معدل تعيين الاقارب والأصدقاء في المناصب المختلفة (تقرير التنافسية العالمية)، كما احتلت المركز 115 من بين 134 دولة في مؤشر مدركات الفساد الذي يقيس درجة انتشار الفساد بين المسئولين في الدولة (تقرير التنافسية العالمية)، والمركز 57 من بين 60 دولة في تقرير البؤس العالمي من حيث معدلات البؤس والشقاء والتخلف والفقر.
وهناك 48 مليون فقير يعيشون في 1109 مناطق عشوائية - أي 45% من المصريين (تقرير صندوق النقد الدولي للتنمية الزراعية)، كما أن 2.5 مليون مصري يعيشون في فقر مدقع (تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإدارية)، وبحسب لجنة الانتاج الزراعي يمجلس الشورى فإن 45% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر ويحصلون على أقل من دولار في اليوم!.
و41% من إجمالي عدد السكان في مصر فقراء (تقرير التنمية البشرية العربية 2009) (28.6% في لبنان - 30% في سوريا - 59.9% في اليمن)، ويوجد 12 مليون مصري ليس لديهم مأوى منهم 1.5 مليون يعيشون في المقابر (الجهازا لمركزي للتعبئة العامة والإحصاء).
و46% من الأسر المصرية لا تجد الطعام الكافى للحركة والنشاط (تقرير لشعبة الخدمات الصحية والسكان بالمجلس القومى للخدمات والتنمية الاجتماعية التابع للمجالس القومية المتخصصة).
ومن الأرقام المخيفة أيضا أن هناك 10 مليون عاطل (في سن 15 الى 29 عاما) أي 21.7% من إجمالي قوة العمل، 9 مليون شاب تخطوا سن 35 عاماً دون زواج (5.5 مليون شاب + 3.5 مليون فتاة) بمعدل عنوسة 17%، و255 ألف حالة زواج عرفي بين الطلبة (أي 17% من طلبة الجامعات) نتج عنها 14 ألف طفل مجهول النسب.
ويبلغ عدد الشباب في مصر طبقاً لأحدث إحصاء رسمي، أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (الفئة العمرية من 15 : 29 عاماً 23.519 مليون نسمة، بما يشكل نسبة 31.33% من إجمالي عدد السكان البالغ حوالي 76 مليون نسمة.
انتماء المصريين
بعد كل هذه الأرقام المخيفة، هل يحب المصريون بلدهم!، ويحلمون بها نظيفة متقدمة يسود الحب والآخاء بين أبنائها؟، وهل ما حدث في شوارع مصر وفضائياتها ثورة شبابية حقيقية ضد كرامة مصرية قد أهدرت، حقا أو زيفا، في مباراة كرة قدم؟.. أم أن ما شاهدناه "تهييج إعلامي" زائف لشباب يبحث عما يتعلق به ويسد من خلاله فراغ حياته!.
لقد أكدت دراسة بجامعة عين شمس أن الواقع الديني والانتماء لدى الشباب مزيف، وأن الوعي للوطن مفقود، لعدة عوامل منها اقتصادية واجتماعية وسياسية وعالمية وأن كل هذه العوامل أدت في النهاية إلى تقوية تيارات العنف والإرهاب.. بل ومهدت لقبول الجماعات الإسلامية في المنطقة.
وأوضحت الدراسة التي قامت بها الباحثة الدكتورة عبير فريد أن هناك عوامل أدت إلى إحساس الشباب بالاغتراب وجعلته يبحث عن هوية تحمي ذاته فكانت الأيديولوجية الإسلامية، التي لجأ إليها الشباب كإطار مانح للهوية، وهو ما استغله المتطرفون والتيارات الدينية، من خلال شرائط الكاسيت و" C.D " ،بما فيها من تدمير للقدرة على إعمال العقل.
وفي الوقت نفسه، لم تتطور البرامج الدينية بل ساهمت في مزيد من تزيف وتفتيت الهوية والانتماء.. فلم تناقش القضايا الحياتية الكبرى مثل قضية الفقر، وانتشرت كتب عن الاعتقاد بالخرافات والطاعة العمياء لرجال دين جدد استطاعوا بأساليبهم العصرية جذب الشباب ذوي العقول الفارغة.
وأنتهت الدراسة مؤكدة أن غياب الانتماء مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالفقر والبطالة، فأينما تم حل لهاتين القضيتين يكون الانتماء.. فهي مؤشرات ارتفاع الانتماء لدى أفراد المجتمع.
هل وضحت الصورة، وتمت الإجابة على السؤال وعرفنا حقيقة ما حدث ويحدث في الشارع المصري.. إنها الطاقة العاطلة، ومن الأفضل استثمارها في مجالات أخرى قبل أن يفيق المصريون ويصرخون ثم يثورون ضد الفساد في بلادنا، ووقتها سيهرب الجميع ولن نجد في الساحة إلا المخلصين والشرفاء من أبناء مصر.

ليست هناك تعليقات: