الخميس، 18 يونيو 2009

ملك الموت والحكام العرب

نقلت وكالات الأنباء أنه تم إيداع أحد المواطنين في تونس مستشفى الرازي للأمراض العقلية، وبالبحث تبين أن المهندس (علية بن مصطفى الكوكى) البالغ من العمر ٤٤ عاما سبق وأن أعلن نيته الترشح بشكل مستقل في انتخابات الرئاسة التونسية المقررة أكتوبر المقبل، وهكذا عُرف السبب فقد تجرأ هذا المواطن وانتوى أن ينافس ولي نعمته على كرسي الرئاسة!!.

ورغم أن مولدي الزوابى القيادي بمكتب الحزب الديمقراطي التقدمي اليساري المعارض ذكر أن الكوكى لا يمكن أن يكون مصاباً بمرض عقلي وأنه زاره بعد يومين من إيداعه مستشفى الأمراض العقلية وأجرى معه حديثاً إذاعياً لراديو كلمة، وكان واعيا لكل ما يقوله.. رغم ذلك إلا أنني أتفق مع ما أعلنه المصدر القضائي التونسي بأن المواطن المذكور مصاب بمرض عقلي، وأكاد أجزم، مع أني لا أعرفه، أنه مجنون وربما يكون ابن مجنون أيضا.

ويكفي للدلالة على هذا المرض اعتقاده بأن في تونس ديمقراطية وأن المواطنين الغلابة من حقهم أن يحلموا بمقعد الرئاسة، وهذا دليل على أن أبيه لم يعرف كيف يربيه سياسيا على خدمة أولى النعمة وأصحاب العز الذي يتبغدد فيه هو ورفاقه من التوانسة!.

الطريف في بيان المصدر القضائي قوله إنه تمت معاينة اضطرابات عقلية واضحة على المواطن (علية بن مصطفى الكوكى) تمثلت في قيامه بحركات غريبة وتصرفات أثارت تشكِّيات وتذمرات بعض المواطنين!، وبتحليل العبارة نتأكد أن المواطن بالفعل مجنون وأن تصرفاته وحركاته التي أعلن بها عن نيته الترشح للمنافسة في انتخابات الرئاسة دليل الجنون، ولما كان المواطنين (وهم من المخلصين للوطن العاملين في أجهزة المخابرات ومن حاشية السلطان) يحبون الرئيس (مدى الحياة) فقد استاءوا من تصرفاته ووصموها بالجنون فوجب اعتقاله وإيداعه المصحة النفسية حتى يتوب ويعلن مجددا أنه كان مجنون حين أخطأ وانتوى التنافس على كرسي السلطان!.

وهذا المواطن المغلوب على أمره والمتهم بالجنون كان يجب أن يتعلم من رئيسه ويعرف أن الوصول إلى السلطة لا يأتي عبر صناديق الاقتراع، بل لا يكون إلا من فوق دبابة، تماما كما سبق وفعل ولي نعمته نفسه حين انتزع الحكم عنوة من رئيسه وولي نعمته أيضا الحبيب بورقيبة.

وليس هذا الوضع قاصرا على تونس الحبيبة بل هي نموذج مكرر في بلادنا من المحيط إلى الخليج، فولي النعمة وحامي الحمى ومعبود الجماهير لا يترك الحكم بإرادته، بل يُقصى عنه مجبرا، إما بتدخل ملك الموت مباشرة أو بانقلاب يطيح به ويضعه رهن الإقامة الجبرية أو منفيا دون أن يترك له الانقلابيين حرية الاختيار.

وعلي زين العابدين هو الرئيس الثاني للجمهورية التونسية وقد استولى على كرسي الرئاسة بعد انقلاب على الحبيب بورقيبة في7 نوفمبر 1987، أي منذ اثنين وعشرين عاما، ومن المفترض أن يعاد انتخابه مرة أخرى في أكتوبر المقبل لأنه ببساطة، وكما يروج زبانية الحكم لا يوجد بديل مناسب في عبقرية العابدين وحُسن إدارته للبلاد.. والدليل هذا التقدم المذهل الذي شهدته البلاد خلال فترة ولايته، ومن ينكر عليه أن يراجع الأرقام التي لا تكذب ليعرف حجم البؤس والفقر والتخلف والحرمان الذي يعيشه المواطن التونسي.

وقريبا من حكاية الرئيس التونسي جاره في القارة ومثيله في حب الرعايا وصيانته للبلاد وحفظه لكرامه العباد، الحبيب أيضا عبد العزيز بوتفليقة الذي اختاره شعبه للمرة الثالثة على التوالي حاكما للبلاد في انتخابات (شريفة ونزيهة، وغيرها من تلك الصفات الكئيبة) جرت بالبلاد نهاية الأسبوع الأول من شهر أبريل 2009، والطريف أن الرئيس الجزائري حصل على ما نسبته 90 % من أصوات الناخبين الذين ذهبوا طواعية لتجديد الثقة برئيسهم المحبوب حتى تظل البلاد ترتع في الأمن والسلام وتعيش التقدم والازدهار.
والرئيس عبد العزيز بوتفليقة هو الرئيس الثامن للجمهورية الجزائرية، وهو يشغل هذا المنصب منذ 27 أبريل 1999، أي أنه لم يمكث سوى عشر سنوات فقط، ومعنى ذلك أنه ما زال في قمة شبابه السلطوي مقارنة برؤساء جمهوريات آخرين جاوزا الربع قرن في سُدة الحكم، لكن الله وحده هو الذي يعلم كم سيمكث بوتفليقة خاصة أنه تجاوز الثانية والسبعين من عمره .. ويا رب لا تحرم حكامنا من زيارة ملك الموت.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

وما رأيك في الحاكم الذي يظل على كرسيه لأكثر من 25 سنة متتالية، هل هذه ديموقراطية!