الصورة من فيلم (صنع في مصر) للفنان أحمد حلمي
منذ أيام قرأت تصريحا للسيد منير فخري عبد النور وزير الصناعة والتجارة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة يطالب فيه بضرورة الالتزام بتطبيق المواصفات القياسية على المنتجات المحلية والمستوردة كافة، والتأكد من مطابقتها للمعايير الدولية. (!!!)
وشدد عبد النور على أهمية
العمل على تحسين الصورة الذهنية للمنتج المصري داخل السوق المحلي والعالمي واعتماد
شعار "صنع في مصر" خلال المرحلة المقبلة، مؤكدا أن ذلك سيؤدي لمضاعفة
الصادرات من 2ر2 مليار دولار العام 2013 إلى 5 مليارات دولار بحلول العام 2017 .
بلا
شك أن كلام الوزير (رائع وجميل) لكن هل سيظل (كلام جرائد) كما استقر عليه الأمر في
أذهان المصريين خلال السنوات الأخيرة؟.. عن نفسي لقد تعودت
أن آخذ الحذر كاملا عندما اقرأ هذه العبارة مدموغة على أي منتج أنوي شرائه.
ولا بد أن أعترف أنه رغم أعجابي وأنا شاب بالرئيس الراحل
جمال عبد الناصر إلا أنني لم استطع أن أفعل مثله وأقول (أنا لابس بدلة غزل
المحلة) والتي تعتبر من أشهر مقولات الرئيس الراحل الذي كان يتباهى
بالصناعة المصرية ويرفع شعار (من الإبرة إلى الصاروخ).
لقد
أصبحنا نستورد (الإبرة) ولم نفلح في إنتاج (الصاروخ)،
أما صناعة الغزل والنسيج فالوضع تدهور
شيئا فشيئا نتيجة تهالك الآلات ونقص الخبرات وتدنى مستوى التدريب، وللعلم، هذا
القطاع لم يُستثمر فيه قيد أنملة منذ 50 عامًا، حتى أصبح لا يقوى على البقاء حيًا،
بالإضافة إلى كارثة التهريب التي تلاحقه.
والكوارث
التي تهدد (صنع في مصر) لا تعد ولا تحصى، أوضحها وأكثرها إثارة للاستياء ما كشف عنه
مسئول بالاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين حين ذكر أن هناك مصانع عديدة بمصر يشارك
في ملكيتها مستثمرين إسرائيليين منها مصانع أزياء في بورسعيد، كما أن هناك شركات إسرائيلية
تستثمر في مصر وتبيع منتجاتها تحت شعار "صنع في مصر" بالإضافة إلى أن
هناك مزارع كثيرة لرجال أعمال معروفين تستخدم خبراء وتكنولوجيا إسرائيلية.
وإذا
كانت إسرائيل تعلم مدى كره المصريين لها، لذلك فإنها تستخدم شركات من دول أخرى مثل
تركيا وقبرص وهولندا، كوسيط لتسويق المنتجات الإسرائيلية في مصر دون الكشف عن
الهوية الحقيقية لهذه المنتجات، فلماذا يصمت المسئول المصري وهو يعلم تماما تلك
الحقائق ولا يضع حدا لها؟!
حقيقة
كارثية أخرى تتعلق بوجود ما يزيد عن 5 ملايين بائع متجول، تطاردهم الحكومات المتعاقبة في طول البلاد
وعرضها، يبيعون منتجات لا تعرف لها مصدرا ولا من الذي أنتجها؟ هؤلاء
هم ما يطلق عليهم أصحاب السوق السوداء وهي كفيلون بتدمير أي اقتصاد عفي فما بالنا
بالاقتصاد المنهار!.
ولا تنافس عبارة (صنع في مصر) والخوف والحذر منها سوى
عبارة (وفقا للمواصفات المصرية) والتي توضع على المنتجات المستوردة من الخارج وكأن
الشركة المنتجة تتخلى عن مسئوليتها تجاه هذا المنتج مؤكدة أنه لم يصنع وفقا
للمواصفات العالمية ولكن حسب اختيارات المستورد المصري والذي دائما ما يختار (الأسوأ)
حتى يكسب (الأكثر).
مثال صغير أذكره للتدليل على صحة ما أقوله وهو خاص
بالمنتجات الصينية التي أغرقت البلاد، حاول أن تشتري أي منتج صيني من دولة غير مصر
ثم أشتري مثيلا له من بلادنا ولن تحتاج إلى خبرة واسعة لتدرك حجم الفارق الكبير
بين المنتجين رغم أن بلد المنشأ واحدة.. المشكلة إذن في البلد المستورد.
المستورد المصري حينما يذهب لشراء بضاعته من السوق
الصيني يجد المنتج الواحد بأكثر من سعر، ولكل سعر مواصفات خاصة، وهذا أمر طبيعي،
ولكن الغير طبيعي أن يختار المستورد المصري أقل المواصفات بل ربما يطالب بأقل منها
ثم يعرضها في بلده للبيع بالسعر العالمي.. منتهى (......)!!.
المشكلة إذن ليست في الشعار وإنما في الضمير، ضمير المسئول
الذي يدرك تماما حجم الكوارث التي تحيط بشعار (صنع في مصر) ولا يحاول أن يبحث عن
حلول لها ليستعيد المنتج المصري عافيته، أو ضمير المستورد الذي يسعى لزيادة أرباحه
فقط ولا ينظر إلى جودة المنتج الذي يبيعه للمصرين.
والمشكلة أيضا في المواطن المصري الذي لا نستطيع اعفاءه
من المسئولية والمشاركة في جريمة إغراق السوق المصري ببضائع لا تصلح للاستخدام
الآدمي.. فهو مشارك فيما يحدث لصمته الذي أضاع الكثير من حقوقه، وكذلك لكثرة ما
لاقاه من ظلم جعله يتعود بأن يرضى بما هو دون المستوى الآدمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق