الثلاثاء، 30 يونيو 2009

أخرس يا ولد

كلما نظرت إلى محبوبتي الصغيرة تسنيم أدركت حجم الفرق بين جيلي الخمسيني وجيلها العنكبوتي (نسبة إلى شبكة الإنترنت العنكبوتية)، أنا من جيل "أخرس يا ولد" تلك العبارة التي كانت توجه لنا دوما إذا ما هممنا إبداء الرأي أو المشاركة في أي نقاش، جيل السمع والطاعة!.. أما تسنيم، جيل الإنترنت، فهي منطلقة دائما في التعبير عن رأيها، جيل لا يعرف الخوف ولا يأبه بالقيود.. جيل يملك قوة الشخصية وفصاحة التعبير عن رأيه.

محبوبتي تسنيم ما زال أمامها أكثر من عام حتى يكتمل عمرها عقدا من الزمن، ورغم ذلك فهي أكثر جرأة من أختيها مريم وسارة، الأكبر منها، وهي سريعة التعبير عن رأيها دون تردد أو خوف وبطلاقة لم أعهدها حين كنت في عقدي الأول من العمر، رغم أني أزعم امتلاك طلاقة اللسان منذ الصغر.

أذكر مدرس اللغة الإنجليزية، محروس، الذي كان يلقننا دروس اللغة في المرحلة الإعدادية.. كان يتحدث أغلب الوقت المخصص للدرس، وكلما هم أحد التلاميذ بمجرد النطق أو ترديد ما يقوله عنفه بشدة وبالكلمة المعهودة "أخرس يا ولد"!، وربما لهذا السبب تخرجنا جيل "قلمي" يكتب اللغة ولا يتحدث بها.

وهذه العبارة "أخرس يا ولد" اعتدنا سماعها كثيرا في مرحلة الطفولة ومن كل ما حولنا سواء داخل البيت أو ممن هم أكبر منا سنا في المجتمع من حولنا أو حتى داخل ساحات المدارس التي تعلمنا فيها.. لم يسمح لنا أحد بأن يكون لنا مجرد رأي فما بالنا بالتعبير عنه ومناقشته.

وفي رأيي، الذي بدأت أعبر عنه بوضوح بعدما كبرت وزحف الشيب إلى رأسي، أن إعداد أي طفل لكي يصبح شخصية فاعلة ذات نفع لدينه ووطنه فإن هذا الإعداد يجب أن يكون وفق القيم الإسلامية التي تنشد للإنسان استقلال شخصيته الفردية، ولا يكون الفرد ذا استقلال شخصي إلا إذا كان له طابع إيجابي في حياته.

واستقلال شخصية المسلم محور تدور حوله تعاليم الإسلام، فمثلا القرآن يحث على استقلال الإنسان في العمل، فيربط مصيره بعمله، و يجعل إرادته الأمر الفاصل في تخير ما يقدم عليه من عمل، فيقول ( من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد) ويقول (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم، ويعفو عن كثير).

ويحث القرآن على استقلال الإنسان في الرأي والحكم، لا يحكم عاطفته ولا ما تعود وألف عليه فيقول: (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة، و إنا على آثارهم مهتدون، و كذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة، و إنا على آثارهم مقتدون. قال: أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم)، ويعيب القرآن على هؤلاء تبعيتهم في التقدير و القضاء لما ألفوا عليه آبائهم وهذا يدل على أن القرآن يطلب الموازنة في تقدير الأمور والحكم عليها وأن يكون للمسلم شخصية مستقلة.

وحرية الرأي أساس جوهري في تكوين شخصية الإنسان، (كل مولود يولد على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه)، وهذا المبدأ لم يزل هو المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه التوجيه إلى غاية واضحة مرسومة من قبل، عن طريق التثقيف وتلقين المعرفة مباشرة أو عن طريق خلق الجو المناسب للغاية بصورة غير مباشرة.

والغاية التي تقصد في توجيه المسلم هي التي تحدد نوع المعرفة و كميتها، والطفل عنده الاستعداد التام لأن يتكيف بكل ذلك، و يصل بعد ذلك في سهولة و يسر إلى الغاية المرسومة.

والفرق بين التلقين المباشر و خلق الجو المناسب بصورة غير مباشرة، هو الفرق بين المدرسة التي تحدد المواد، و تحدد ساعات إلقائها على روادها في الأسبوع، و بين الأخرى التي لا تشير إلى مادة معينة في منهاجها الدراسي، ولكنها تخلق جوا يساعد مساعدة فعالة على توصيل هذه المادة إلى نفوس التلاميذ.

وليس المطلوب أن نسلك مع الطفل مسلك الملقن، و إنما مسلك ذلك الذي يخلق جوا غير مباشر لهذا التوجيه الروحي، فمثلا إذا واظبنا على قراءة البسملة عند بداية الأكل في كل وجبة فإن ذلك سيدفع الصغير إلى السؤال عن (الله) ويستمر في إلقاء الأسئلة سؤالا بعد سؤال كما يقضى تطوره العقلي والنفسي.

أتمنى أن يكون للزهرات الثلاث، مريم وسارة وتسنيم، حظا أوفر في التعليم وألا يكون التلقين والحفظ والتبعية هو سبيلهم لخوض هذه الحياة، نحن الآن في عصر تحولت فيه المفاهيم، عصر تتكون فيه شخصية الطفل منذ ولادته، وربما قبل إذا كان للطعام الذي يتناوله أبواه ولحالتهم النفسية دخلا في مرحلة التكوين الجنيني وما قبل الولادة.

الأربعاء، 24 يونيو 2009

الطلاق العاطفي

هل أنت سعيد؟
هل أنت سعيدة؟
سؤال إذا وجهته لأي من المتزوجين حديثا فلن تسمع سوى كلمة "لا"!، مع أنه من الممكن أن يكون ذلك الزواج جاء ثمرة لقصة حب هادئة وأحيانا عنيفة بين الطرفين، فما الذي حدث؟

أصبح الأزواج يعيشون تحت سقف واحد لكن لكل منهما عالمه الخاص ومشاغله الخاصة، هما زوجان لكنهما يفتقدان أهم ملامح الزواج وهو التراحم والتعاطف، مرتبطان شكليـــًا لكن لا تجمع بينهما عاطفة مشتركة ولا يشارك أحدهما الآخر آماله وآلامه، فحياتهما تعتمد على مجرد التواجد المادي واللقاءات العابرة.

إنهما زوجان أمام الناس و الأبناء لكن بمجرد أن يُغلق عليهما باب غرفة النوم يتحولان إلى أخوة ينفصلان جسديًا عن بعضهما!، اختار الاثنان أن يكون الزواج هو الواجهة الاجتماعية التي يقابلان بها المجتمع، تصورا أن ذلك هو السبيل للحفاظ على الأسرة والأبناء وقررا أن يستغنيا عن حقهما الذي داخل غرف النوم خوفًا من كلمة الطلاق، قررا أن يصبح زواجهما حبرًا على ورق، مجرد ورقة كتبها المأذون، أصبحا زوجان مع إيقاف التنفيذ!.وهذه الوضعية يمكن أن نسميها بالطلاق العاطفي أو النفسي، أي استمرار الزوجين بالعيش تحت سقف واحد على أن تكون لكل منهما حياته الخاصة التي لا يعرف عنها شريكه إلا القليل، هو إذن طلاق من دون شهود وهو من أكثر أنواع الطلاق خطورة، وأشدها ألمًا على العلاقة بين الزوجين من الطلاق الشرعي، لأنه اضطراب في التواصل واتصال من غير اتصال.. وموت مؤقت قد يطول، وعلاقة يختفي فيها الشعور بالأمان الذي يمثل القاعدة والركيزة الأساسية لنجاح الحياة الزوجية واستمرارها.
الطلاق العاطفي الذي يحدث بين الزوجين والذي يعانيه كثير منهم له أسبابه المختلفة ولكن النتيجة واحدة وهي السماح للجفاء بالدخول بين الزوجين مع أن الرجل لا يستطيع أن يكمل مهامه في هذه الحياة من دون زوجته ومن دون الحب الذي تمنحه إياه، وكذلك الزوجة لا تستطيع متابعة مهامها على أكمل وجه ما لم يكن هناك نبع من الحنان والعاطفة يقويها ويرويها ويساندها.
والطلاق العاطفي هو حالة يعيش فيها الزوجان منفردين عن بعضهما البعض، رغم وجودهما في منزل واحد، فهما في شبه انعزال عاطفي، ولكن لكل منهما عالمه الخاص البعيد عن الطرف الآخر، ويبقى رابط الزواج بينهما متمثلًا بالورقة الشرعية التي تعترف بزواجهما الفعلي، من دون النظر إلى وجود الأبناء أو حتى إلى سنوات العشرة الزوجية.
والزوجين الواقع بينهما مثل هذا النوع من الطلاق العاطفي يعتقدان انه يعكس عنهما أمام المجتمع صورةً أفضل بدلًا من حدوث الطلاق الشرعي المؤدي إلى تبعات مختلفة.

في الولايات المتحدة الأمريكية أجرت إحدى المجلات استطلاعًا بين القارئات عن أهم مشاكلهن مع الأزواج، وكانت النتيجة أن 50% من العينة يشتكين حالات الانفصال النفسي وهروب الأزواج والملل والجمود العاطفي الذي يسود حياتهن الزوجية.

وعند تحليل الاستطلاع تبين أن الزوجات كن السبب في وصول الأسرة إلى هذه الحالة؛ لأن الزوجة تريد أن يظل زوجها يعاملها بالطريقة نفسها التي كان يتعامل بها معها أيام الخطبة، ولكنها تنسي أن تحافظ على الصورة نفسها التي كانت عليها في هذه الفترة.وقال الخبراء عند تحليلهم لهذا الاستطلاع إن الزوجة هي الأساس في الحفاظ على دفء المشاعر واستمرار السعادة الزوجية لأنها أكثر تفرغا حتى ولو كانت تعمل.وإذا كانت الزوجة في حاجة إلى سماع كلمات التشجيع والإطراء من زوجها فهو بدوره في حاجة إلى من يشاركه أفكاره واهتماماته، وفي حاجة لرؤية ابتسامة زوجية عند دخوله البيت بدلا من محاسبته عن سبب تأخيره.

ويرى الخبراء أن الحياة الزوجية تشبه قضيبي قطار لا بد أن يسيرا متوازيين بدون تخلف، وخلال طريق الحياة تتعدد الأدوار؛ ففترة الخطوبة لها أفكارها واهتماماتها وإشراقاتها، ودور الخاطب والمخطوبة ينتهي ببدء دور الزوج والزوجة.وينصح المختصون النفسيون الأزواج بالاهتمام بتفاصيل الحياة الزوجية، فمهما بلغت أهمية المشاكل التي يواجهونها في العمل إلا أن المشاكل الأسرية أهم وأعمق.

ومن الناحية السيكولوجية يمكن النظر إلى العلاقة بين أي زوجين على أنها مكونة من ثلاثة عناصر، الألفة وهي تمثل مشاعر القرب وربما التفاهم والتوافق، والقدرة على التواصل والانسجام بالأحاديث والهوايات والمزاح وقضاء الأوقات الطويلة سويا من دون ملل أو عراك أو إحساس بالاختناق، والألفة في أحد أوجهها أشبه ما تكون بالصداقة.
أما العنصر الثاني فهو الشغف والذي يتضمن الرومانسية والانجذاب والممارسة الجنسية حيث التدفق العاطفي والملامسة والاتصال الجسدي والاتصال الجنسي الذي يكسر الحواجز ويخلق حاله من الهدوء النفسي.
ويبقى الالتزام، وهو العنصر الثالث، ويمثل على المدى القصير القرار الذي يتخذه الإنسان بأن يبقى مع شخص آخر، وعلى المدى الطويل تمثل الانجازات المشتركة التي تحققت مع الطرف الآخر جوهر الالتزام، وشعور الشخص بأنه ليس وحده في الدنيا وأن هناك من هو معه.
وإذا ما طبقنا هذه العناصر الثلاثة على حياة معظم الأزواج سنجد أنه في حالات كثيرة تخبو العلاقة وتحديدا الرغبة الجنسية، تليها بعد ذلك الألفة، وما يستمر هو الالتزام أو الحفاظ على العشرة، وكثيرا ما نسمع من الأزواج أن ما يجمعهم فقط هو الأولاد أو الوضع الاجتماعي أما باقي الأشياء فلم تعد موجودة، ونسمع كل طرف يلقي بالتهمة على الآخر كمتسبب بهذا الجفاف.

ولعلاج كل هذا علينا أن نطبق المنهج النبوي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، وقال: (الرجل راع في بيت أهله ومسئول عن رعيته)، وألا يبخل على زوجته بكلمة حانية ومداعبة عاطفية فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلاعب السيدة عائشة رضي الله عنها وكان يسابقها ويجعلها تسبقه.

وعلى المرأة كذلك أن تعين زوجها على أداء مهامه خارج البيت، ولها في ذلك أجر مثل أجره، فقد جاءت امرأة تشكو للنبي صلى الله عليه وسلم أن الرجال يستأثرون بفضل الجهاد في سبيل الله ولا ينقطعوا عن الصلاة والصيام، فأرشدها الرسول إلى أن حسن تبعل المرأة لزوجها يعدل ذلك كله، وعليها ألا تنسى أيضا الحكمة النبوية الهائلة "إذا نظر إليها سرته" فهي تفتح جميع الأبواب المغلقة ولتبتسم عند رؤيته عائدا إلى منزله مجهدا من أداء عمله.

الخميس، 18 يونيو 2009

أوباما.. الساحر الشرير

فرح العرب وهلل المسلمون بمجيء الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما إلى المنطقة العربية وخطابه الذي ألقاه في جامعة القاهرة (الخميس 4 يونيو 2009)، خدعهم أول رئيس زنجي للولايات المتحدة بكلامه المعسول واستطاع أن يسحرهم ببلاغته وكلامه المختار بعناية.

لكن الحقيقة أن هذا الرئيس ذو وجهين، ويعرف أن العرب العاجزين عن فعل أي شيء سيفرحون بمعسول الكلام ويهرعون لتحقيق ما يطلب منهم مقابل كلمات لا معنى لها ولا وزن طالما بقيت مجرد حروف على شاشة صماء قرأها أثناء خطابه ثم استدار لها ونسيها.

أوباما، الذي ظل طوال حملته ينكر جذوره الإسلامية واسم حسين المقرون باسمه، عاد وتذكر ذلك في خطابه المعسول الذي ضمنه بعض آيات من القرآن الكريم اختارها له معاونيه، ثم عاد ونسي ذلك وانقلب على وجه آخر حينما وقف متحدثا أمام لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية.

أوباما، ذو الوجهين، تحدث في خطابه أمام ما يعرف باسم (إيباك) عن عمق العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، ووصف حركة حماس الفلسطينية بالإرهابية رغم أنه لم يفعل ذلك في خطاب جامعة القاهرة، الرئيس الأمريكي أثبت بذلك أنه يعطي العرب ما يريدون من معسول الكلام فهم أمه (الكلام) ويمنح إسرائيل ما يرغبون فيه من سلاح ومال وأمن ودعم سياسي.

الرئيس الأمريكي (الشرير) قال بالحرف الواحد "لا يوجد مكان على طاولة المفاوضات للمنظمات الإرهابية، وهذا كان سبب رفضي لانتخابات عام 2006 عندما كانت حماس منضمة في الاقتراع، والنتيجة هي غزة تحت سيطرة حماس وصواريخ تمطر على إسرائيل.. يجب على مصر أن تقضي على عمليات تهريب الأسلحة إلى غزة".

وإذا كان في خطابه أمام العرب والموجه للمسلمين لم يذكر القدس عامدا متعمدا، فهو ذكرها في كلمته أمام اللجنة الأمريكية الإسرائيلية، قال " أي اتفاقية مع الفلسطينيين يجب أن تحترم هوية إسرائيل كدولة يهودية دولة ذات حدود آمنة (!!!) ومحصنة والقدس ستبقى عاصمة إسرائيل ولن تقسم" (!!!!).

ولم ينسى أن يتحدث عن عمق العلاقات الأمريكية الإسرائيلية "اتحادنا قائم على مصالح وقيم مشتركة... وسوف أتقدم للبيت الأبيض بالتزام لا يتزعزع تجاه أمن إسرائيل... وكرئيس سوف أتقدم بمذكرة تفاهم تنص على تقديم مبلغ 30 بليون دولار في شكل مساعدات خلال العقد القادم والتي لن يقدم مثلها لأي دولة أخرى... وسوف أدافع دوما عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.. لن أقدم أي تنازلات إذا ما تعلق الأمر بأمن إسرائيل"!!.

هل ندرك الآن مع من نتحدث وما هو الوجه الحقيقي لأوباما.. الساحر بكلامه المعسول، والشرير بأفعاله وواقعه الملموس.. إذا أردتم التيقن، شاهدوا الفيديو في الرابط التالي: http://www.youtube.com/watch?v=yiyGH8E4RSU

ملك الموت والحكام العرب

نقلت وكالات الأنباء أنه تم إيداع أحد المواطنين في تونس مستشفى الرازي للأمراض العقلية، وبالبحث تبين أن المهندس (علية بن مصطفى الكوكى) البالغ من العمر ٤٤ عاما سبق وأن أعلن نيته الترشح بشكل مستقل في انتخابات الرئاسة التونسية المقررة أكتوبر المقبل، وهكذا عُرف السبب فقد تجرأ هذا المواطن وانتوى أن ينافس ولي نعمته على كرسي الرئاسة!!.

ورغم أن مولدي الزوابى القيادي بمكتب الحزب الديمقراطي التقدمي اليساري المعارض ذكر أن الكوكى لا يمكن أن يكون مصاباً بمرض عقلي وأنه زاره بعد يومين من إيداعه مستشفى الأمراض العقلية وأجرى معه حديثاً إذاعياً لراديو كلمة، وكان واعيا لكل ما يقوله.. رغم ذلك إلا أنني أتفق مع ما أعلنه المصدر القضائي التونسي بأن المواطن المذكور مصاب بمرض عقلي، وأكاد أجزم، مع أني لا أعرفه، أنه مجنون وربما يكون ابن مجنون أيضا.

ويكفي للدلالة على هذا المرض اعتقاده بأن في تونس ديمقراطية وأن المواطنين الغلابة من حقهم أن يحلموا بمقعد الرئاسة، وهذا دليل على أن أبيه لم يعرف كيف يربيه سياسيا على خدمة أولى النعمة وأصحاب العز الذي يتبغدد فيه هو ورفاقه من التوانسة!.

الطريف في بيان المصدر القضائي قوله إنه تمت معاينة اضطرابات عقلية واضحة على المواطن (علية بن مصطفى الكوكى) تمثلت في قيامه بحركات غريبة وتصرفات أثارت تشكِّيات وتذمرات بعض المواطنين!، وبتحليل العبارة نتأكد أن المواطن بالفعل مجنون وأن تصرفاته وحركاته التي أعلن بها عن نيته الترشح للمنافسة في انتخابات الرئاسة دليل الجنون، ولما كان المواطنين (وهم من المخلصين للوطن العاملين في أجهزة المخابرات ومن حاشية السلطان) يحبون الرئيس (مدى الحياة) فقد استاءوا من تصرفاته ووصموها بالجنون فوجب اعتقاله وإيداعه المصحة النفسية حتى يتوب ويعلن مجددا أنه كان مجنون حين أخطأ وانتوى التنافس على كرسي السلطان!.

وهذا المواطن المغلوب على أمره والمتهم بالجنون كان يجب أن يتعلم من رئيسه ويعرف أن الوصول إلى السلطة لا يأتي عبر صناديق الاقتراع، بل لا يكون إلا من فوق دبابة، تماما كما سبق وفعل ولي نعمته نفسه حين انتزع الحكم عنوة من رئيسه وولي نعمته أيضا الحبيب بورقيبة.

وليس هذا الوضع قاصرا على تونس الحبيبة بل هي نموذج مكرر في بلادنا من المحيط إلى الخليج، فولي النعمة وحامي الحمى ومعبود الجماهير لا يترك الحكم بإرادته، بل يُقصى عنه مجبرا، إما بتدخل ملك الموت مباشرة أو بانقلاب يطيح به ويضعه رهن الإقامة الجبرية أو منفيا دون أن يترك له الانقلابيين حرية الاختيار.

وعلي زين العابدين هو الرئيس الثاني للجمهورية التونسية وقد استولى على كرسي الرئاسة بعد انقلاب على الحبيب بورقيبة في7 نوفمبر 1987، أي منذ اثنين وعشرين عاما، ومن المفترض أن يعاد انتخابه مرة أخرى في أكتوبر المقبل لأنه ببساطة، وكما يروج زبانية الحكم لا يوجد بديل مناسب في عبقرية العابدين وحُسن إدارته للبلاد.. والدليل هذا التقدم المذهل الذي شهدته البلاد خلال فترة ولايته، ومن ينكر عليه أن يراجع الأرقام التي لا تكذب ليعرف حجم البؤس والفقر والتخلف والحرمان الذي يعيشه المواطن التونسي.

وقريبا من حكاية الرئيس التونسي جاره في القارة ومثيله في حب الرعايا وصيانته للبلاد وحفظه لكرامه العباد، الحبيب أيضا عبد العزيز بوتفليقة الذي اختاره شعبه للمرة الثالثة على التوالي حاكما للبلاد في انتخابات (شريفة ونزيهة، وغيرها من تلك الصفات الكئيبة) جرت بالبلاد نهاية الأسبوع الأول من شهر أبريل 2009، والطريف أن الرئيس الجزائري حصل على ما نسبته 90 % من أصوات الناخبين الذين ذهبوا طواعية لتجديد الثقة برئيسهم المحبوب حتى تظل البلاد ترتع في الأمن والسلام وتعيش التقدم والازدهار.
والرئيس عبد العزيز بوتفليقة هو الرئيس الثامن للجمهورية الجزائرية، وهو يشغل هذا المنصب منذ 27 أبريل 1999، أي أنه لم يمكث سوى عشر سنوات فقط، ومعنى ذلك أنه ما زال في قمة شبابه السلطوي مقارنة برؤساء جمهوريات آخرين جاوزا الربع قرن في سُدة الحكم، لكن الله وحده هو الذي يعلم كم سيمكث بوتفليقة خاصة أنه تجاوز الثانية والسبعين من عمره .. ويا رب لا تحرم حكامنا من زيارة ملك الموت.