كلما نظرت إلى محبوبتي الصغيرة تسنيم أدركت حجم الفرق بين جيلي الخمسيني وجيلها العنكبوتي (نسبة إلى شبكة الإنترنت العنكبوتية)، أنا من جيل "أخرس يا ولد" تلك العبارة التي كانت توجه لنا دوما إذا ما هممنا إبداء الرأي أو المشاركة في أي نقاش، جيل السمع والطاعة!.. أما تسنيم، جيل الإنترنت، فهي منطلقة دائما في التعبير عن رأيها، جيل لا يعرف الخوف ولا يأبه بالقيود.. جيل يملك قوة الشخصية وفصاحة التعبير عن رأيه.
محبوبتي تسنيم ما زال أمامها أكثر من عام حتى يكتمل عمرها عقدا من الزمن، ورغم ذلك فهي أكثر جرأة من أختيها مريم وسارة، الأكبر منها، وهي سريعة التعبير عن رأيها دون تردد أو خوف وبطلاقة لم أعهدها حين كنت في عقدي الأول من العمر، رغم أني أزعم امتلاك طلاقة اللسان منذ الصغر.
أذكر مدرس اللغة الإنجليزية، محروس، الذي كان يلقننا دروس اللغة في المرحلة الإعدادية.. كان يتحدث أغلب الوقت المخصص للدرس، وكلما هم أحد التلاميذ بمجرد النطق أو ترديد ما يقوله عنفه بشدة وبالكلمة المعهودة "أخرس يا ولد"!، وربما لهذا السبب تخرجنا جيل "قلمي" يكتب اللغة ولا يتحدث بها.
وهذه العبارة "أخرس يا ولد" اعتدنا سماعها كثيرا في مرحلة الطفولة ومن كل ما حولنا سواء داخل البيت أو ممن هم أكبر منا سنا في المجتمع من حولنا أو حتى داخل ساحات المدارس التي تعلمنا فيها.. لم يسمح لنا أحد بأن يكون لنا مجرد رأي فما بالنا بالتعبير عنه ومناقشته.
وفي رأيي، الذي بدأت أعبر عنه بوضوح بعدما كبرت وزحف الشيب إلى رأسي، أن إعداد أي طفل لكي يصبح شخصية فاعلة ذات نفع لدينه ووطنه فإن هذا الإعداد يجب أن يكون وفق القيم الإسلامية التي تنشد للإنسان استقلال شخصيته الفردية، ولا يكون الفرد ذا استقلال شخصي إلا إذا كان له طابع إيجابي في حياته.
واستقلال شخصية المسلم محور تدور حوله تعاليم الإسلام، فمثلا القرآن يحث على استقلال الإنسان في العمل، فيربط مصيره بعمله، و يجعل إرادته الأمر الفاصل في تخير ما يقدم عليه من عمل، فيقول ( من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد) ويقول (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم، ويعفو عن كثير).
ويحث القرآن على استقلال الإنسان في الرأي والحكم، لا يحكم عاطفته ولا ما تعود وألف عليه فيقول: (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة، و إنا على آثارهم مهتدون، و كذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة، و إنا على آثارهم مقتدون. قال: أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم)، ويعيب القرآن على هؤلاء تبعيتهم في التقدير و القضاء لما ألفوا عليه آبائهم وهذا يدل على أن القرآن يطلب الموازنة في تقدير الأمور والحكم عليها وأن يكون للمسلم شخصية مستقلة.
وحرية الرأي أساس جوهري في تكوين شخصية الإنسان، (كل مولود يولد على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه)، وهذا المبدأ لم يزل هو المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه التوجيه إلى غاية واضحة مرسومة من قبل، عن طريق التثقيف وتلقين المعرفة مباشرة أو عن طريق خلق الجو المناسب للغاية بصورة غير مباشرة.
والغاية التي تقصد في توجيه المسلم هي التي تحدد نوع المعرفة و كميتها، والطفل عنده الاستعداد التام لأن يتكيف بكل ذلك، و يصل بعد ذلك في سهولة و يسر إلى الغاية المرسومة.
والفرق بين التلقين المباشر و خلق الجو المناسب بصورة غير مباشرة، هو الفرق بين المدرسة التي تحدد المواد، و تحدد ساعات إلقائها على روادها في الأسبوع، و بين الأخرى التي لا تشير إلى مادة معينة في منهاجها الدراسي، ولكنها تخلق جوا يساعد مساعدة فعالة على توصيل هذه المادة إلى نفوس التلاميذ.
وليس المطلوب أن نسلك مع الطفل مسلك الملقن، و إنما مسلك ذلك الذي يخلق جوا غير مباشر لهذا التوجيه الروحي، فمثلا إذا واظبنا على قراءة البسملة عند بداية الأكل في كل وجبة فإن ذلك سيدفع الصغير إلى السؤال عن (الله) ويستمر في إلقاء الأسئلة سؤالا بعد سؤال كما يقضى تطوره العقلي والنفسي.
أتمنى أن يكون للزهرات الثلاث، مريم وسارة وتسنيم، حظا أوفر في التعليم وألا يكون التلقين والحفظ والتبعية هو سبيلهم لخوض هذه الحياة، نحن الآن في عصر تحولت فيه المفاهيم، عصر تتكون فيه شخصية الطفل منذ ولادته، وربما قبل إذا كان للطعام الذي يتناوله أبواه ولحالتهم النفسية دخلا في مرحلة التكوين الجنيني وما قبل الولادة.
محبوبتي تسنيم ما زال أمامها أكثر من عام حتى يكتمل عمرها عقدا من الزمن، ورغم ذلك فهي أكثر جرأة من أختيها مريم وسارة، الأكبر منها، وهي سريعة التعبير عن رأيها دون تردد أو خوف وبطلاقة لم أعهدها حين كنت في عقدي الأول من العمر، رغم أني أزعم امتلاك طلاقة اللسان منذ الصغر.
أذكر مدرس اللغة الإنجليزية، محروس، الذي كان يلقننا دروس اللغة في المرحلة الإعدادية.. كان يتحدث أغلب الوقت المخصص للدرس، وكلما هم أحد التلاميذ بمجرد النطق أو ترديد ما يقوله عنفه بشدة وبالكلمة المعهودة "أخرس يا ولد"!، وربما لهذا السبب تخرجنا جيل "قلمي" يكتب اللغة ولا يتحدث بها.
وهذه العبارة "أخرس يا ولد" اعتدنا سماعها كثيرا في مرحلة الطفولة ومن كل ما حولنا سواء داخل البيت أو ممن هم أكبر منا سنا في المجتمع من حولنا أو حتى داخل ساحات المدارس التي تعلمنا فيها.. لم يسمح لنا أحد بأن يكون لنا مجرد رأي فما بالنا بالتعبير عنه ومناقشته.
وفي رأيي، الذي بدأت أعبر عنه بوضوح بعدما كبرت وزحف الشيب إلى رأسي، أن إعداد أي طفل لكي يصبح شخصية فاعلة ذات نفع لدينه ووطنه فإن هذا الإعداد يجب أن يكون وفق القيم الإسلامية التي تنشد للإنسان استقلال شخصيته الفردية، ولا يكون الفرد ذا استقلال شخصي إلا إذا كان له طابع إيجابي في حياته.
واستقلال شخصية المسلم محور تدور حوله تعاليم الإسلام، فمثلا القرآن يحث على استقلال الإنسان في العمل، فيربط مصيره بعمله، و يجعل إرادته الأمر الفاصل في تخير ما يقدم عليه من عمل، فيقول ( من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد) ويقول (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم، ويعفو عن كثير).
ويحث القرآن على استقلال الإنسان في الرأي والحكم، لا يحكم عاطفته ولا ما تعود وألف عليه فيقول: (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة، و إنا على آثارهم مهتدون، و كذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة، و إنا على آثارهم مقتدون. قال: أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم)، ويعيب القرآن على هؤلاء تبعيتهم في التقدير و القضاء لما ألفوا عليه آبائهم وهذا يدل على أن القرآن يطلب الموازنة في تقدير الأمور والحكم عليها وأن يكون للمسلم شخصية مستقلة.
وحرية الرأي أساس جوهري في تكوين شخصية الإنسان، (كل مولود يولد على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه)، وهذا المبدأ لم يزل هو المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه التوجيه إلى غاية واضحة مرسومة من قبل، عن طريق التثقيف وتلقين المعرفة مباشرة أو عن طريق خلق الجو المناسب للغاية بصورة غير مباشرة.
والغاية التي تقصد في توجيه المسلم هي التي تحدد نوع المعرفة و كميتها، والطفل عنده الاستعداد التام لأن يتكيف بكل ذلك، و يصل بعد ذلك في سهولة و يسر إلى الغاية المرسومة.
والفرق بين التلقين المباشر و خلق الجو المناسب بصورة غير مباشرة، هو الفرق بين المدرسة التي تحدد المواد، و تحدد ساعات إلقائها على روادها في الأسبوع، و بين الأخرى التي لا تشير إلى مادة معينة في منهاجها الدراسي، ولكنها تخلق جوا يساعد مساعدة فعالة على توصيل هذه المادة إلى نفوس التلاميذ.
وليس المطلوب أن نسلك مع الطفل مسلك الملقن، و إنما مسلك ذلك الذي يخلق جوا غير مباشر لهذا التوجيه الروحي، فمثلا إذا واظبنا على قراءة البسملة عند بداية الأكل في كل وجبة فإن ذلك سيدفع الصغير إلى السؤال عن (الله) ويستمر في إلقاء الأسئلة سؤالا بعد سؤال كما يقضى تطوره العقلي والنفسي.
أتمنى أن يكون للزهرات الثلاث، مريم وسارة وتسنيم، حظا أوفر في التعليم وألا يكون التلقين والحفظ والتبعية هو سبيلهم لخوض هذه الحياة، نحن الآن في عصر تحولت فيه المفاهيم، عصر تتكون فيه شخصية الطفل منذ ولادته، وربما قبل إذا كان للطعام الذي يتناوله أبواه ولحالتهم النفسية دخلا في مرحلة التكوين الجنيني وما قبل الولادة.