الاثنين، 19 ديسمبر 2016

علموا أولادكم على غير ما تعلمتم






قل لي ماذا يتعلم أولادك في المدارس والجامعات، أقل لك عن أي شعب تتحدث. 

تنتشر بين عامة الناس مقولة " لا تؤدبوا أولادكم بأخلاقكم ، لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم‏ " ، منسوبةً للصحابيّ الجليل عليُ بن أبي طالب رضي الله عنه، وفي الحقيقة هذا الكلام لا يُعرف عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولا عن أحد من الصحابة أو غيرهم من السلف الصالح ، إنما يُعرف من قول سقراط ، ولفظه : " لا تكرهوا أولادكم على آثاركم ، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم ".، وقيل هو من قول أفلاطون.. لا أعلم يقينا، لكني مع تعديل بسيط في حروف الكلمات أصل إلى معنى ما أريد التحدث فيه.

المقولة بعد التعديل ستصبح "لا تعلموا أولادكم ما تعلمتم فإنهم يعيشون زمانا غير زمانكم". وبهذا التعديل ابتعد تماما عن المعنى الأخلاقي للمقولة، فالأخلاق لا تتغير ولا تتبدل والناس على خيرٍ ماداموا يتأدبون بآداب السلف ، ويستنون بسنتهم ويأخذون بهديهم؛ وكان السلف يأخذ صغيرهم عن كبيرهم ، ومتعلمهم عن عالمهم.

ما أقصده هو العلم والعادات والتقاليد التي تتبدل بتغير الزمان وتختلف مع تغيير المكان، فلا يجوز مثلا أن يتعلم أبناؤنا بالطريقة ذاتها التي تعلمنا بها مع كل التقدم العلمي الذي نعيشه ومع ثورة الاتصالات واقتراب المسافات وتداخل الثقافات.. لقد تعلم أجدادنا بالريشة واللوح، وتعلمنا بالورقة والقلم ويتعلم أبناؤنا بالأي باد والكمبيوتر.

في أيامنا كانت مرحلة التعليم الأساسي تعتبر مدخلا هاما للطفل لعالم المعرفة والثقافة والفنون، الآن صار الطفل ينهل من هذه المعارف قبل ولوج المرحلة التعليمية الأولى وتشكل هذه المعارف مداركه بأكثر مما وصلنا إليه على امتداد سنواتنا التعليمية.

أني أؤمن تماما بهذه الفرضية وأطبقها على بناتي الثلاثة فصاروا يتعلمن على غير الطريقة التي نشأت عليها ويدركون من المعارف والثقافات خلاف ما أعرف، وبتعلمهم الصحيح للغة واستخدامهم الجيد لتقنيات الاتصال والتواصل الحديثة صاروا يمتلكون مهارات ثقافية أضعاف ما امتلكت مما أثر في وعيهم الإدراكي وطريقة معايشتهم للناس وعيشهم لحياتهم.

لكن لا يبدو أن كل الناس على قناعاتي، منذ أيام فوجئت بصديق يُدرس للطلاب في المرحلة الجامعية يتحدث عما يقدمه لهم من علم توقف عند مرحلة الطباعة الحديثة التي اكتشفها يوهان غوتنبرغ عام  1447 حين نجح في تطوير قوالب الحروف التي توضع بجوار بعضها البعض ثم يوضع فوقها الورق ثم يضغط عليه فتكون مطبوعة مطوراً بذلك علم الطباعة الذي اخترع قبل ذلك في كوريا سنة 1234.  

العالم يتطور وأصبحنا في عصر الديجيتال وما زال صديقي يحاضر عن الطباعة الحديثة ويعتبرها مادة رئيسية سوف تؤسس لجيل يتعلم من الأي باد ويتحدث الشات مع صديقته في بلاد الناتو ويتواعد مع صديق من بلاد القوقاز ليلتقي به في المساء.. العالم يتحرك إلى الأمام ونحن ما زلنا نحرك أصابع أقدامنا داخل أحذيتنا بالكاد.

لقد صدمت حينما سألت صديقي؛ المدرس في واحدة من أشهر كليات الإعلام العربية؛ إن كانت هذه المعلومات مجرد معارف تاريخية لكي يصبح الطالب ملما بتطور وسائل الاتصال منذ مرحلة الحمام الزاجل الذي كان ينقل رسائل الملوك والعشاق على السواء مرورا بعصر الطباعة ثم عصرالسماوات المفتوحة ومخازن السحاب.

قال صديقي، لا فض فوه، أن هذه مواد أساسية يتعلمها الطالب على مدار العام وليست سطورا في كتاب يقرأها ليعرف تطور فنون الاتصال!!، بل والغريب والمثير للغيظ أني وجدت الطلاب يقدمون مشاريع تخرج من كليات الإعلام عبارة عن مجلات وصحف ورقية لا يعرف جيلهم عنها شيئا ولم يشاهدوها إلا لدى البائعين على الأرصفة أو في أفلام الأبيض والأسود.!!

منذ عشرات السنين والعرب يتحدثون عن (تطوير) التعليم ليواكب عصر الفيمتو ثانية، لكنهم في العادة يقولون ما لا يفعلون وتقتصر أفعالهم على محاولات (إصلاح) التعليم مثل زيادة أو إنقاص سنة دراسية أو تجزئة الشعب إلى علوم ورياضة وأدبي أو إدخال بعض المفاهيم الجديدة في بعض المقررات، وغير ذلك من أمور لا تؤدي بالتعليم إلى الهدف المنشود.

وفي الحقيقة فإن العرب صاروا بحاجة إلى إعادة بناء التعليم، واستبدال تصوراته الحالية بأخرى حديثة يقتنع بها المدرسون والإداريون والطلاب وأولياء الأمور.. مطلوب إعادة بناء مفاهيم وتصورات تعليمية جديدة تؤسس لجيل لا يتشابه معنا إلا في الشكل من عينين وأنف أذنين لكنه يختلف في المضمون المعرفي والأسلوب الحياتي.

مطلوب أن يتعلم الطلاب كيف يتعلمون قالتعلم مستمر معهم ما استمرت الحياة، ومطلوب أن يقترن التعليم بالعمل بحيث يكون ذو عائد اجتماعي على الفرد والمجتمع.. مطلوب من المعلمين أن يفجروا الطاقات الإبداعية لدى المتعلمين حتى ينشأ جيل قادر على الابتكار والاختراع وليس المحاكاة والتقليد.

وفي مواجهة ثورة الاتصال، مطلوب تأصيل الذاتية الثقافية لكل أمة وإصلاح حالات الاعتلال الاقتصادي والتشوهات الاجتماعية التي نشأت نتيجة تداخل المعارف والغاء الخصوصيات وضياع الثوابت الأخلاقية والانساق الثقافية.

باختصار.. مطلوب من الجميع أن ينسف الأفكار البالية التي لا تؤسس عالما متقدما، وأن يؤسس لمجتمع يعايش التطور الحالي بقيمه وأخلاقه وبالثوابت الدينية الشرعية التي تربى عليها.. الله لم يخلقنا إلا لنعبده، ونحن مأمورون بأن نعمر هذا الكون، ولن يحدث ذلك إلا بالعلم المعرفي والاستخدام الصحيح للأدوات العصرية.

 *محمود صادق

https://goo.gl/WODT4i 

 

الخميس، 24 نوفمبر 2016

التواصل الاجتماعي.. فوائد مخفية





كثيرون، وأنا منهم، صا ر لديهم قناعة بأن مواقع التواصل الاجتماعي أفسدت العلاقات الإنسانية ولم تساهم في تنمية العلاقات الشخصية بين بنو البشر.
في الماضي كانت العلاقات أكثر دفئا، كنا نتزاور ليعرف كل منا أحوال الآخر، ولما أخترع الهاتف وصار متاحا للجميع أصبحنا نتواصل عن طريق التليفون، كلمتين وبس للاطمئنان لكن كنا نسمع صوت من نحب وإذا بلغ الشوق مداه كان العشاق يتحدثون لساعات غير مبالين بحجم الفاتورة التي يتحملها الآباء في الغالب.
ومع تطور الزمن وظهور مواقع التواصل الاجتماعي والتي من بين مزاياها رؤية من تتحدث إليه أصبح الحوار متعة خصوصا في ظل ازدحام الشوارع ومشكلات المرور، لكن رغم ذلك جاء الحوار باردا لا روح فيه.. ورغم إمكانية التحاور ورؤية المحبين بعضهما إلا أن هذه التقنية صارت محدودة بينما الغالبية تستخدم "الشات" لكتابة حروف مزجت بين العربية واللاتينية لتصنع لغة سموها بلغة التواصل وهي خليط عجيب لا يجيده إلا من هم دون العشرين، وأكاد أجزم أن هذه اللغة "المسخ" ما جاءت إلا للناطقين باللغة العربية بهدف القضاء على لغة القرآن وجعلها في خبر كان.
ولأني ممن يحبون دفء العلاقات الإنسانية ظللت فترة، رغم امتلاكي مفاتيح المواقع الاجتماعية، أرفض الولوج إليها بعمق واتعامل معها كعابر سبيل يخشى أن يفوته القطار ويتخلف عن التقدم التكنولوجي.
لكن الأمر لم يستمر فترة طويلة حيث قررت أنه لا مفر من التواصل "البارد" الذي ربما يكون أفضل من اللا تواصل، وبدأت في التعامل مع "الجيد" من هذه الصرعة التكنولوجية واضعا نصب عيني "الميقات الزمني" خوفا من ضياع الوقت مثلما ضاعت هيبة البعض في (post) ليس له معنى وسيأخذ من عمر الإنسان بدلا من أن يكون إضافة ذات معنى.
وأصارحكم القول، أنني وجدت عظيم استفادة حينما طبقت نظريتي مع التواصل الاجتماعي، صحيح أن كثير من المنشور لا قيمة له، لكن القليل قد يغني وأحيانا يكون تعويضا جيدا عن الساعات المهدرة على شاشة ذكية.
وإذا كنتم تريدون الاستفادة من بعض ما قرأت، فهاكم ما وجدت:
قيام الليل
ماذا يخسر المسلم اذا ترك قيام الليل؟
 الخسارة الأولى:
يفقد لقب عباد الرحمن :
( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً .....وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)
 الخسارة الثانية:
يفقد لقب المتقين :
( إن المتقين في جنات وعيون... كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)
  الخسارة الثالثة:
يخسر لقب القانت وأولي الألباب :
 (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ. يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)
 الخسارة الرابعة:
يخسر المقام المميز للقائمين :
 (لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ)
 الخسارة الخامسة:
يخسر فرصته في اجابة الدعاء  كما منحها ربنا لزكريا :
 (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ)
الخسارة السابعة:
يخسر أن لا تُذهب حسناته سيئاته فمن أحد شروطها أن أقيم الصلاة زلفاً من الليل:
 (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ)
الخسارة الثامنة:
يخسر أن لا يبعثه ربي مقاماً محموداً :
 (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)
الخسارة التاسعة:
يخسر الرضى الذي وعد به ربي عزوجل :
(... وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ)
الخسارة العاشرة:
يخسر عناية الله التي يوليها لمن يراه قائماً بالتوكل عليه:
 (وتوكل على العزيز الرحيم الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)
الخسارة الحادية عشر:
يخسر الصبرلحكم الله ولا يكون ممن يقال لهم (فإنك بأعيننا) :
 (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ)
الخسارة الثانية عشر:
يخسر ما أخفى الله  للقائمين من قرة أعين
 (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*)
(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ ...)
فهل ياترى بعد كل هذه الخسائر الفادحة  سنضيع قيام الليل؟
قم الليل ولو بركعتين
اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ياحي يا قيوم
اللهم اجعلنا من مقيمين صلاة الليل يارب يامجيب
خمس يعرفن بخمس
١- الشجرة تعرف من ثمارها
 ٢- والمرأة عند إفتقار زوجها
  ٣- والصديق عند الشدة
   ٤- والمؤمن عند الإبتلاء
    ٥- والكريم عند الحاجة
خمس يرفعن خمس
١- التواضع يرفع العلماء
 ٢- والمال يرفع اللئام
  ٣- والصمت يرفع الزلل
   ٤- والحياء يرفع الخلق
    ٥- والهزل يرفع الكلفة
وخمس يأتين بخمس
١- الإستغفار يأتي بالرزق
 ٢- وغض البصر يأتي بالفراسة
  ٣- والحياء يأتي بالخير
   ٤- ولين الكلام يأتي بالمسألة
    ٥- والغضب يأتي بالندم
وخمس يصرفن خمس
١- لين الكلام يصرف الغضب
  ٢- والإستعاذة بالله تصرف الشيطان
   ٣- والتأني يصرف الندامة
    ٤- وإمساك اللسان يصرف الخطأ
     ٥- والدعاء يصرف شر القدر
خمس قربهن سعادة
١- الإبن البار
  ٢- والزوجة الصالحة
   ٣- والصديق الوفي
    ٤- والجار المؤمن
     ٥- والعالم الفقيه
وخمس يطبن بخمس
١- الصحة برغد العيش
  ٢- والسفر بحسن الصحبة
   ٣- والجمال بحسن الخلق
     ٤- والنوم براحة البال
       ٥- والليل بذكر الله
*****
على قدر الهدف يكون الانطلاق ... ففــي
طلب الرزق قال:' فامشوا '
وللصلاة قال:' فاسعوا '
وللجنة قال :' وسارعوا '
وأما إليه فقال:' ففروا إلى الله '
شكرا.. ولنتواصل عبر التواصل لكن في المفيد من الكلام وبلغتنا العربية "الجميلة"

العالم يتغير.. هل العرب مستعدون؟


العالم يتغير.. الكل يعرف ويعيش هذا التغير، سياسيا.. اقتصاديا.. اجتماعيا.. والأخطر تكنولوجيا، فالثورة الرقمية ستغير كل شيء من حولنا ولن نستطيع منها الفكاك.. وسيظل العرب في كل هذه التغيرات مفعول بهم ولن يرقوا أبدا إلى منصة الفاعل.. هل أنا متشائم؟، كلا لكني واقعي لا اتفاخر بحضارة أجدادي وأعيش بؤس أيامي الحاضرة واستشرف بأسى مستقبل العرب المظلم.
تتحرك عناصر المشهد العالمي وعلى وقع هذه الحركة وانعكاسا لصداها يجري تحويل الأقاليم إلى دويلات مهددة بالاشتغال وتجرى تعديلات جوهرية على هيكليتها لتستوعب هذا التغيير وتهضمه.

بالتوازي مع ذلك، ثمة تحركات متسارعة لإعادة بناء الأزمات العالمية وفق رؤية جديدة كأزمات موضعية ثم تصغيرها إلى الحد الأدنى ما أمكن عبر تفكيك العناصر الأخطر فيها، وتاليا تقليص مساحة تأثيرها إلى الحد الذي يمكن معه إلغاء أي فاعلية مهمة لها خارج النطاق الإقليمي.
القوى الكبرى المؤثرة في العالم تكاد تنتهي من وضع اللمسات الأخيرة على مشاهد الصراع التقليدي لتبدأ حروبا جديدة لا مكان فاعل فيها للقوى الصغيرة، فهذه ستبقى مفعولا بها إلى أن يشاء الله ويُظهر من يخلصنا من حالة التردي التي نعيشها.
هم يخططون لعالم جديد.. أين ستكون وتبقى لهم السيادة على الطاقة والثروات والأسواق والفكر والثقافة، ويجددون باستمرار ديناميكية الإستعمار المتعدد الأساليب حتى تبقى الشعوب المستضعفة مسلوبة السيادة على مواردها وثقافتها ومنهكة بالحروب الأهلية وعصابات المافيا التي فُرضت عليها من صانعي العالم الجديد.
أيضا، ليس هناك أزمة حقيقية لديهم، بل هي تغيير جذري لاقتصادهم والآن التكنووجيا البيئية والبيوتكنولوجيا تتطور بسرعة خارقة..وليظل العالم الضعيف تحت رحمة إستهلاك سلعهم وفكرهم.
لم يعد العالم كما كان، تغيرت قواعد اللعبة في أكثر من بقعة على الأرض، ورأينا الدُب الروسي، الذي نام لعقود، عاد لينتفض ويسجل حضوراً جديداً، وبدأ يستعرض عضلاته في منطقة الشرق الأوسط تحديداً، وعلى الرغم من الوهن الذي أصاب بلداناً مختلفة في العالم، إلا أنها عادت لتحافظ على كياناتها، فيما بدأت بلدان أخرى تشهد مزيداً من الوهن، وما يجري في دول أوروبا أكبر دليل على العالم المتغير.

كل العالم يتغير إلا العرب، الذين ما زلوا أسرى لصراعاتهم الداخلية، التي دفعتهم للتحول إلى مجتمعات متناحرة، سواء في علاقاتهم الخارجية أو في الإطارات المحلية، حيث تحوّل الكثير من المجتمعات الداخلية إلى مساحات للاقتتال، كما هو حاصل في العراق واليمن وليبيا وسوريا، فيما عدد من الدول العربية مرشح لانفجارات مماثلة، والتي من شأنها أن تقود إلى احتقان أكبر وأكبر.

هذا الوضع الاستثنائي الذي يعيشه العرب اليوم سوف يقودهم إلى مستقبل مجهول في ظل الانقسامات التي تسود علاقاتهم البينية، وأيضا لأن تقييمهم للمرحلة التي يعيشونها لا يزال قاصرا.

وحتى لا يظن المتابع أنني أتحدث في السياسة والصراع السلطوي على سُدة الحكم، اتحول سريعا لمشهد العالم الذي أقصده، وكتب عنه كثيرون قبلي، فالقصة معروفة لكن التذكرة مطلوبة لعلنا نتدبر ونفيق من غفلتنا أو على الأقل لا نورثها للأجيال التالية.. تعالوا نرى ونقارن بين العالم الذي نحن ذاهبون إليه وهذا الذي نعيشه أو كنا نعيشه.
الكل يعرف أن الذكاء الاصطناعي سيسود العالم، الكمبيوترات أصبحت تفهم أكثر فأكثر الوسط المحيط، في الولايات المتحدة الأمريكية، المحامون الشباب بالكاد يحصلون على عمل، وذلك بعد اختراع شركة IBM للحاسب Watson الذي يستطيع تقديم مشورات قانونية في غضون ثوان، وبدقة 90% بينما الإنسان المحترف دقته لا تتعدى 70%.
لهذا إذا كنت تدرس القانون، توقف حالا، في المستقبل سيقل عدد المحامين بنسبة 90% ولن يبق إلا المختصون.
أيضا، كمبيوتر Watson يساعد حاليا بتشخيص السرطان وبدقة أعلى بأربع مرات عن الطبيب البشري.
ولا تنسى أن شركة فيسبوك تمتلك برمجية تعرف على الوجوه بدقة أعلى أيضا من قدرة الإنسان، ومن المتوقع أن يتغلب ذكاء الآلة على ذكاء البشر في عام 2030.. نحن نعيش مرحلة الذكاء الاصطناعي.
وبالنسبة لفرص العمل فإنه في خلال العشرين سنة القادمة، 70-80% من فرص العمل الموجودة اليوم ستختفي، وسيتغير العالم بشكل كبير جدا.
في عام 1988، شركة كوداك؛ على سبيل المثال؛ كانت توظّف 170 ألف موظف وتبيع 85% من الصور الورقية في العالم! بعدها بسنوات قليلة، الشركة أفلست وفقدت قوتها التنافسية بشكل كبير جدا.
وما حدث لشركة كوداك، سيحدث لكثير من القطاعات في السنوات العشرة القادمة، العالم يتغير والبطالة ستزداد لأن التكنولوجيا ستدفع إلى الاستغناء عن (الإنسان) فالبرمجيات ستدمر كثيرا من الصناعات التقليدية في مدة زمنية تتراوح بين خمس وعشرة سنوات.
شركة Uber التي تعتبر أكبر شركة تاكسي في العالم لا تملك سيارة واحدة، وشركة Airbnb  أكبر شركة فندقة في العالم، لا تملك عقارا واحدا، لكن لأنهم استخدموا التكنولوجيا الحديث صاروا الأكبر، والأغنى!.
في عام 2018، سيتم إنتاج أول سيارة دون سائق، وفي عام 2020 ستغزو هذه التكنولوجيا الأسواق وستدمر سوق السيارات التقليدية، وعندها لن تحتاج لامتلاك سيارة لأنك تستطيع أن تستدعي سيارة بهاتفك، وستقلك إلى المكان الذي تريد، ولن تحتاج حتى لاصطفافها. أطفالنا لن يمتلكوا سيارات، ولن يحتاجوا لإصدار رخصة قيادة، لأن عدد السيارات سيقل بنسبة 90-95%.
وبامتلاك هذا النوع من السيارات، ستقل الحوادث لتصبح حادثة واحدة في مساحة 10 مليون كم، وستحافظ على حياة البشر أكثر.
السيارات الكهربائية ستصبح منتجا رئيسيا في عام 2020، والتلوث سيقل والمدن ستكون أكثر جمالا، ويمكن بكل بساطة ملاحظة تراجع استهلاك الوقود التقليدي خلال 30 عاما الماضية فقط.. في هذا العام تحديدا؛ 2016؛ عدد المحطات الشمسية تفوق نظيراتها التقليدية في دول العالم أجمع.
معظم شركات السيارات التقليدية ستشهر إفلاسها!، هم يحاولون الآن تبني طرقا ثورية جديدة في التصنيع، ولكن لن يتغلبوا على شركات مثل Google و Apple التي تصنع كمبيوتر متحرك على عجلات.
شركات تأمين السيارات ستواجه أيضا مشكلات عظيمة وحقيقية، وستختفي هي أيضا لعدم الحاجة لها، التأمين سيصبح أرخص بمئة مرة عما هو عليه اليوم.
قطاع العقار سيتغير كذلك، لأنك ستفضل الإقامة في أماكن بعيدة عن المدينة طالما فرصة عملك من البيت سانحة ومتوفرة!
وفي قطاع الصحة، سيتم إنتاج برمجيات تقيس مؤشراتك الحيوية من خلال هاتفك، وفي المستقبل سيمتلك كل إنسان عناية صحية عالية الجودة وبالمجان، وكل ذلك عبر الهاتف.
وأخطر ما نحن مقبلون عليه ما يسمى بالطباعة ثلاثية الأبعاد، سعر الطابعة الواحدة انخفض من 18000 دولار إلى 400 دولار في عشرة سنوات فقط، وبسرعة مضاعفة.
شركات الأحذية بدأت باستغلال هذه التقنية، والأمر ذاته في صناعات الطائرات والمحطات الفضائية.
مع نهاية هذا العام، سيتم إنتاج هواتف ذكية بخاصية D Scanning 3 ستستطيع قريبا مسح قدمك عبر هاتفك، وطباعة حذائك في بيتك.
وبطبيعة الحال لن يتوقف الأمر عند قدميك؛ فهذا مجرد مثال؛ ففي الصين، استطاعوا صناعة مبنى كامل من ستة طوابق بخاصية الطباعة ثلاثية الأبعاد.. وبحلول عام 2027، سيصبح 10% مما تصنعه دول العالم قاطبة يستخدم هذه التكنولوجيا.
لكن هل يقتصر التغيير على هذه النواحي فقط، بالطبع لا فهذه مجرد أمثلة لما نحن مقبلون عليه، ومزاج الإنسان لن يُستثنى من ذلك، هناك اليوم تطبيق يخبرك عن مزاجك الحالي من خلال معالم وجهك، وسيُنتج مستقبلا تطبيق على الهواتف الذكية لكشف الكذب من خلال معالم الوجه.. تخيل أثر هذا التغيير على حياتنا حين نصبح قادرون على معرفة الصادق من الكاذب.
في عام 2020، أي بعد ثلاث سنوات فقط، سيمتلك 70% من البشر هاتفا ذكيا، وهذا يعني أن الجميع سيكون له القدر ذاته من التعليم عالي الجودة ومن خلال هاتفه فقط.
ما يحدث حاليا وما نستشرفه في المستقبل المنظور يعني أن أي فكرة استثمار مستقبلية بعيدة عن عالم الهاتف الذكي، ستفشل حتما.. والسؤال: أين العرب من كل ما ذكرت؟
باستثناء دبي، التي تحاول، لا أجد دولة عربية أخرى تفكر في هذا العالم الذي يتغير.