الاثنين، 21 سبتمبر 2015

المسجد الأقصى والعمل الصالح



قاربت العشر الأوائل من ذي الحجة على الانتهاء، تلك الأيام التي عظمها ربنا سبحانة وتعالى حيث قال تعالى (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) ذكر ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس قوله: هي ليالي العشر الأول من ذي الحجة.
وقال تعالى: ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَات) نقل البخاري في صحيحه عن ابن عباس قوله في هذه الأيام أنها: أَيَّامُ الْعَشْرِ.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أفضل أيام الدنيا أيام العشر.
قال ابن القيم الجوزية (ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة. وفيها يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية).
وفي رواية الترمذي وأبي داود: وعَنه أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ اْلأيَّامِ الْعَشْرِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ.
لكن ما علاقة هذه الآيات والأحاديث وما ذُكر عن (العمل الصالح) وفضل (الأيام العشر) من ذي الحجة، والحديث عن المسجد الأقصى وما يحاك حوله من مؤامرات يهودية، وما هو المطلوب من المسلم أن يفعله لنصره الأقصى في هذه الأيام المباركة؟.
يكفينا أن نعلم ارتباط المسجد الأقصى بعقيدتنا ذلك أن الله تبارك وتعالى أقسم ببيت المقدس أقسم بالأرض المقدسة، وإن الله ليقسم تبارك وتعالى لبيان شرف المكان وبيان فضل المكان وحثنا على الدفاع عن هذا المكان، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أقسم الله بالأرض المقدسة بقوله "والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين " قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فهذه محال ثلاثة أقسم الله بها بياناً لفضلها وأرسل فيها وأرسل من أولي العزم من الرسل وأنزل فيها من الشرائع الكبار ومحل التين والزيتون هي بيت المقدس ومحلة طور سينين طور سيناء التي كلم الله عليها موسى بن عمران وهذا البلد الأمين مكة المكرمة الذي من دخله كان آمناً ولهذا أقسم الله بالأشرف ثم الأشرف منه ثم الأشرف منه.
ولو لم يكن للمسجد الأقصى من الفضائل إلا قولة تعالى: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا " لكانت كافية وبجميع البركات وافية كما قال السيوطي رحمه الله.
أيضا أذكركم بما قرأته من سنوات للشيخ ابن عثيمين رحمه الله حين قال إن الطريق إلى القدس طريقٌ واحدٌ لا بديل عنه، هو الإيمان والتقوى والعمل الصالح، وما ضاع المسجد الأقصى إلا لأننا فرطنا في إيماننا، وضيعنا معالمه وأوامره، ولا يرجع المسجد الأقصى إلا أن نرجع لتدارك ما فرطنا، فنعود إلى رب العالمين باتباع كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على منهج السلف الصالح .
والنصر لا يكون إلا بالأيدي المتوضئة وبالجباه الساجدة ، والأنفس الزكية ، والأجساد المتطهرة ، والألسنة المحفوظة ، بذلك يقع النصر والتمكين إن شاء الله ، ويشعر كل مسلم أن عليه واجباً نحو النصر ، نحو القدس ، نحو دماء المسلمين ، نحو ديار المسلمين.
وكلنا يعلم أن هذه الأرض مقدسة ومباركه وأنها مرتبطة بالعقيدة، لذلك فكل من يقول لا اله إلا الله فإنه مطالب اليوم بأن يقف دفاعاً ملء حنجرته إن كان عالماً، وملء سلاحه إن كان مجاهداً، وملء رأيه أن كان إعلامياً، وملئ قراره إن كان حاكماً أو ولي أمر، لابد أن تتضافر الجهود، ولن يرتدع اليهود إلا إذا رأوا هذه الأمة جميعها واقفة كالأسد , كالجبل الأشم، تدافع وتقدم النفس والنفيس رخيصة في سبيل الله تطهير المسجد الأقصى، ونبشركم نحن نواجه أجبن أهل الأرض وأحرصهم على "حياة" وإذا جوبهوا في الثبات في العقيدة حكاماً ومحكومين فلا ورب... فلا والله لن يستطيعوا ولن يجرؤا أن ينفذوا مخططاتهم  ولا أن يدنسوا أقصانا ولا أن ينالوا من كرامتنا وثباتنا وإرادتنا.
ثم أن المسجد الأقصى يذكرنا بإستراتيجية كانت موجودة عند أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وآلية كانت موجودة ونفتقر إليها اليوم  في نصرة المسجد الأقصى، هذه الآلية هي العمل الجاد من قبل حكام المسلمين لتحرير المسجد الأقصى والدفاع عن المسجد الأقصى وإزاحة هذا الاحتلال الذي يجثم على المسجد الأقصى.
هذه المسؤولية كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أرسل خيل المسلمين إلى مشارف الشام في تبوك، وكانت عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه حينما بعث أسامة بن زيد إلى مشارف الشام، وكانت عند أبي بكر الصديق حين حول الجيش المنتصر من بلاد فارس في العراق إلى بلاد الشام إلى فلسطين وما حولها وأعلنها قائلاً: "والله لأن أفتح كفراً من كفور الشام لأحب إلي أن أفتح  مدينة في بلاد العراق، كان الحرص الشديد على هذه البلاد لما لها من ارتباط عقدي مع المسلمين، ثم إن الاعتداءات  على المسجد الأقصى تذكرننا اليوم بفاروق هذه الأمة عمر بن الخطاب فاتح المسجد الأقصى والذي جاء إلى هذه البلاد المباركة ليتسلم مفاتيح القدس ثم ليحملنا ويسلمنا المفاتيح من خلفه ، هذا الفاروق الذي يعلمنا حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما حين نتذكره ونتذكر عدله وفتحه وهجرته يقول ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم: إذا ذكر عمر ذكر العدل وإذا ذكر العدل ذكر الله تعالى، جاء الفاروق بعد أن أرسل أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أمين هذه الأمة -وانتبه أخي الحصيف - أمين الأمة يحاصر بيت المقدس وفاروق الأمة هو الذي يأتي ليتسلم مفاتيح وكأنها إشارة إلى أن نصرة المسجد الأقصى يجب أن يكون من الأمناء ومن الصادقين وممن ينهجون نهج فاروق الأمة ونهج  أبو بكر الصديق رضي الله عنهما، وهذا يذكرنا بقول الله تعالى" بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد " (الإسراء/5).
ولا شك أن ماهية العمل الصالح هو ذلك الذي جمع بين أمرين عظيمين بعد الإيمان بالله سبحانه وتعالى وهما:
أولا.. تحرير هذا العمل لله وحده، وتخليصه من جميع الشوائب التي تعكر خلوصه لله سبحانه وتعالى، فالله تعالى لا يقبل من العمل إلا ماكان خالصاً له وحده، فليتنبه العاقل الحصيف، قال تعالى:  ( أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ).
أن يكون هذا العمل وفق الدليل الشرعي من كتاب أو سنة ، فلا زيادة ولا نقصان، حدد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (من عمل عملاً ليس علينا أمرنا فهو رد ).
ثانياً: من فضل الله تعالى أن الأماكن تتفاوت من حيث فضلها فالمساجد بيوت الله وهي أفضل من غيرها، والمساجد الثلاثة ( المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى ) أفضل المساجد، ومن فضلها مضاعفة أجر الصلاة فيها فالمسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه، والمسجد النبوي بألف صلاة فيما سواه، والمسجد الأقصى بخمسمائة صلاة فيما سواه، كما صح بذلك الخبر عن سيد البشر عليه الصلاة والسلام، كما أن الحرم بعامة يفضل عن غيره وله أحكامه تخصه ومنها أن معظم شعائر الحج تنقضي فيه.
كما أن الأزمنة تتفاوت من حيث فضلها وعظم أجر العمل الصالح فيها فشهر رمضان أفضل الشهور، وأيام عشر ذي الحجة أفضل الأيام، ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع.
لقد أقسم علي بن أبي طالب "والذي نفسي بيده لا ينزل بلاء من السماء إلا بذنب ولا يرفع إلا بالتوبة " "، لذلك لا بد من التوبة إلى الله كما أمرنا الله الذي أعقب بعدها (لعلكم تفلحون) وطريق الفلاح هو طريق إزاحة الاحتلال طريق الكرامة بطاعة الله وبترك معصية الله قال تعالى: " فكلا أخذنا بذنبه وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" .
من الآن، لا تبخلوا على أهلكم في فلسطين بدعوة صالحة خالصة فيها تضرع واستكانة وخضوع لله عز وجل، فالدعاء سلاح من لا سلاح له ، وتأثيره عظيم والمتتبع لقصص الأنبياء وسير الصالحين يجد ذلك جلياً.. توبوا إلى الله ولا تشركوا به أحدا، وأعملوا عملا صالحا.. ثم أدعوا الله ليستجيب دعائكم.

ليست هناك تعليقات: