الأحد، 11 يوليو 2010

تدوينات المواطن الصحفي


انتهى زمن الصحفي التقليدي الذي ظهر في العديد من الأفلام العربية (بقلم ونوته) يجري وراء المصدر ليكتب ما يقوله قبل أن يدفع به إلى رئيس التحرير ليعلمه الناس ويقرؤه في صحف صباح اليوم التالي، قارئ اليوم تصل إليه المعلومة ويعرف الخبر فور وقوع الحدث وبالتالي لم يعد يحتاج إلى مطالعة الصحف ليطلع على أحداث الأمس.

وبالضربة القاضية استطاع من أطلق عليه تعبير "المواطن الصحفي" أن يقضي على طموحات دارسي الإعلام والحالمين بالانضمام إلى سوق الإعلام بأشكاله المتعددة، نظرة سريعة على ما تبثه فضائيات القرن الواحد والعشرين وما تضمه الشبكة العنكبوتية من مواقع وصفحات وما تضخه المطابع من أوراق ممهوره بتوقيع أشخاص لم نعرفهم من قبل، كل ذلك المشهد يؤكد أن جيلا جديدا تسلم الراية الإعلامية ودون أن ندري يحفر بصماته وأفكاره على الخارطة الإعلامية.

المسئولون عن الفضائيات العربية لم تعد لديهم شروط تعجيزية في مقدمي البرامج والمذيعات، لم تعد الوسامة مطلوبة ولا سرعة البديهة والقدرة على التحاور ولا الثقافة العامة أو غير ذلك من مواصفات كانت لا توجد إلا في القليل النادر من راغبي العمل الإعلامي وقليل منهم هو الذي يصل ويظهر على الشاشة مقتحما بيوتنا.

اليوم قد تجد من يصرخ ولا يتكلم، يتلعثم ولا يتعلم، لا يدري ما يقول بل يردد ما هو مكتوب دون أن يفهم، ليس لديه مهارات إدارة الحديث، لكنه يمتلك علاقات جيدة ولدية أجندة عالية المستوى، وإن كان هذا الشرط ليس أساسيا لكنه مطلوب، والمهم والأهم أن يكون قادرا على جذب مزيد من الرعاة لبرنامجه حتى ولو كان ما يقوله "سمك لبن تمر هندي"، وهذا الشرط الجوهري دفع العديد من الشباب إلى شراء مساحات زمنية في المحطات الفضائية وملئها ببرامج لا طعم لها لكن وراءها من يمولها وينفق عليها لأغراض شخصية!.

وإذا كان الإعلام المرئي قد شهد هذا التطور (الانتكاسة)، وإذا كان تأثيره الأخطر لأنه يقتحم كل البيوت ويخاطب كل الثقافات والمستويات، فإن الأخطر خلال العشر سنوات المقبلة ستشهده ساحات الإنترنت بعد أن صار داخل كل بيت وأصبح في متناول الجميع وصار لا يحتاج إلى لغة أجنبية بل ابتدعت ساحاته ما بات معروفا باسم لغة الإنترنت وهي مزيج من المعنى العربي ولكن بحروف لاتينية تكاد لا تفقه منها شيئا.

ومثلما أضاعت طريقة الكتابة الجديدة لغات العالم كلها ومزجتها في شيء مستهجن لا معنى له، كان أسلوب الكتابة وحرفية صناعها والمهنية الإعلامية كلهم جميعا ضحايا لهذا القادم الجديد الذي لا يحمل أي مؤهلات علمية لكن لديه القدرة على مخاطبة قارئ الإنترنت والتفاعل معه.

ورغم اعتراضي، المهني والشخصي، على ما يحدث في أروقة الإعلام المرئي حيث أنني أدعم وبشدة أن يتولى أصحاب الاختصاص والكفاءة مقاليد الأمور بشرط تدريبهم وثقل موهبتهم وتنمية أفكارهم وقدراتهم الذاتية، رغم ذلك إلا أنني أؤيد وبشدة ما يحدث في ساحات الإنترنت التي لم تعد تنتظر قارئ افتراضي لا تعلم عنه شيئا بل هي تدرك نوعية من يقرأ لها وماذا يحب ويكره، والقارئ يتفاعل معها لحظة بلحظة ويستطيع أن يعدل مسار ما يكتب له تدعيما لمقوله جديدة مفاداها "هذا ما أريد فأكتبه لي".

لهذا أؤيد وأسجل دعمي الكامل لظاهرة "المواطن الصحفي" الذي يستطيع أن يصل إلى المعلومة ويقدمها قبل وصول الصحفي المحترف، ولنا فيما حدث مع الغزو الأمريكي للعراق أبرز مثال حيث كان مواطنا أمريكيا هو روس كيرك صاحب مدونة (ثقب في الذاكرة) حين وضع الإعلام الأمريكي في موقف مخز في أبريل ٢٠٠٤ بعد نشره لصور الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في العراق.. لقد سبق كبريات الصحف ووكالات الأنباء وجميع وسائل الإعلام العالمية رغم أن ما فعله مجهود فردي منشور في مدونة لم يكن يعرفها الكثيرون في ذلك الوقت وقد نشر هذا المواطن ما توصل إليه من معلومات مدعما بالصور في مدونته الشخصية وبعدها تدافعت وسائل الإعلام للنقل عنه واستكمال مسلسل الفضائح الأمريكي.

المهم أن بداية ظهور المعلومة كانت بفضل هذا المواطن الذي مارس العمل الصحفي دون أن يكون محترفا وقدم العمل الإعلامي بكل مهنية واقتدار من حيث توثيق المعلومة وتسجيلها، وبالطبع استنساخ هذه التجربة أمر وارد لكنه ليس شرطا أن يكون على المستوى ذاته حيث يستطيع كل فرد أن يصل إلى المعلومة وأن يقدمها بتباين واختلاف درجة المصداقية والتوثيق إذ سيكون ذلك من مهام المتلقي الذي عليه أن يتأكد من المعلومة المقدمة له قبل أن يصدقها ويتداولها.

نظرية "المواطن الصحفي" تخطت حاجز التجربة في أوروبا والولايات المتحدة، ومع بروزها وانتشارها اضطر ملاك المواقع الإعلامية الكبيرة إلى تخصيص مساحات من مواقعهم لهؤلاء القادمين الجدد، لكن في وطننا العربي ما زالت الفكرة تحبو على استحياء رغم كثرة عدد المدونين، لكن ليس كل مدون مواطن صحفي كما أنه لا يستطيع أي صحفي أن يصبح مدونا.

وتدعيما لهذه الفكرة ومحاولة نشرها في البلاد العربية، بدأ مجموعة من الإعلاميين العرب المقتنعين بالفكرة في إنشاء أول موقع عربي يمزج بين التدوين والصحافة لإتاحة الفرصة أمام الراغبين في طرق هذا المجال بعدما صار الجمهور هو صانع الرسالة الإعلامية، وشكلت المدونات بذلك فرصة للعديد من الكتاب ذوي الموهبة لعرض نتاجهم وإبداعهم الفكري من قصص ومقالات وأشعار وخواطر ذاتية وفضفضة شخصية، وبذلك أصبح أي شخص في مقدوره أن يفتح منبرا إعلاميا على الإنترنت يسجل فيه ما يريد ليقرأه الجميع.

إن موقع "تدوينات" هو البذرة الإعلامية الأولى التي تبدر بشكل علمي متخصص لتجذب شريحة من مستخدمي الإنترنت لم تجد في السابق متنفسا لعرض أفكارها وإبداعاتها وأيضا ما تتوصل إليه من أخبار ومعلومات.

إن موقع تدوينات هو الموقع العربي الأول الذي يمكن أن تكتب أسمه بالحروف العربية وتستطيع أن تزوره بكتابة عنوانه بهذا الشكل تدوينات com. ، كما يمكنك أن تكتبه بالطريقة التقليدية tadwinat.com، أو tadwinat.net.. اكتبه بأي طريقة فكلها ستؤدي بك إلى دخول عالم التدوينات ومن يعلم ربما تصبح روس كيرك العربي وتتناقل وسائل الإعلام كلها ما تنشره من معلومات.

كأس العالم وحب الوطن


أقر وأعترف بأنني واحد من قليلين على سطح المعمورة لم يتابعوا بالكامل فعاليات كأس العالم والمباريات التي شهدت فعالياتها ساحات جنوب أفريقيا، لكني وبحكم العادة الجبرية كنت اقرأ نتائج المباريات خلال مطالعتي لصحف الصباح ثم أكتفي بمشاهدة ما ينشر من صور تعطيني انطباعا عن ردود فعل الجمهور تجاه النتائج وكيف يواجهون خسارة فريقهم أو صعوده للدور التالي.

ومن متابعة انطباعات الجمهور لاحظت أن السعادة تغمر المشاهدين عندما يفوز فريقهم ويسارعون إلى التعبير عن ذلك بألوان متعددة لعل أبرزها رسم علم دولتهم على الوجوه والأذرع ومناطق أخرى من الجسم، كانوا يتسابقون إلى التغني بأوطانهم والتعبير عن حبهم له عندما يسجل فريقهم هدفا في مرمى الخصم، وكانوا يغضبون ويثورون عندما يخسر الفريق، وفي كثير من الحالات يتحول الغضب إلى تخريب وتدمير يعكس حالة الكراهية الإيجابية للوطن الضحية.

هل حب الوطن يكون فقط في حالات الانتصار، سواء السياسي أو الكروي، وهل هو حب فطري أم أننا حولناه إلى كلمات مجردة تفتقد الروح والمعنى؟، وإذا كان حب الوطن دافعاً إلى تحقيق المواطنة فإن ممارسة المواطنة هي التعبير الصادق عن ذلك الحب، ما الذي يجعلني إذن مواطنا صالحا أحب بلدي إذا ما انتصر فريق ينتمي إليها وأحبها أيضا إذا ما خسر الفريق أو حتى انهزم الناس كلهم.

اعتقد أن خللا ما حدث في نظرة الفرد للوطن أو المكان الذي يعيش فيه، كنت أظنها ظاهرة مصرية محلية فقط، حيث تظهر وتنتشر في بلدي ويلمسها كل من يسير بالطريق أو يعاشر الناس ويخالطهم، مفهوم حبي لمصر يعني دفاعي عنها في كل مكان وإخلاصي في العمل لنهضتها كان نجاحي لا يتم إذا استمر تأخر بلدي ومصلحتي الذاتية الشخصية تنصهر في المصلحة العامة التي تسيطر على الجميع كان تخريب المال العام أمرا مستبعدا وعبارة "يا عم هو أنا اللي سأصلح الكون" غير مدرجة في قاموسي الفكري.

اليوم، ماذا نرى ونسمع!، غلبت المصلحة الفردية وسيطرت الأنانية وغابت المصلحة العامة وصار حبي لذاتي هو البداية والنهاية، صرت لا أشعر بمن حولي وأعيش كأني في جزيرة منعزلة لا وجود فيها لغيري، لا أشعر بإحساس المواطنة إلا إذا رأيت تجمعا كرويا وانتصر الفريق الذي يحمل علم بلدي، وبتلقائية غريبة وبدون تفكير صرت أنصهر في هذا الرد فعل للحدث وبمجرد انتهاءه تتفرق المشاعر وأعود إلى ذاتي انكمش داخلها وأنسى من حولي.

باختصار صرنا مواطنين حسب الحدث ولم يعد يجمعنا كيان جغرافي ولا رابطة عاطفية، بل صار ما يجمعنا ويفرقنا هو الحدث وتبخر حب الوطن.

هذا ما لاحظته أيضا خلال متابعتي لصور وحكايات كأس العالم 2010 وهي بالتالي تختلف عن صور وحكايات أول مونديال عرفته البشرية.. تغيرنا جميعا إلى الأسوأ وليس إلى الأفضل كما كنت أحب وأتمنى.