.jpg)
سببان يدفعاني للكتابة عن الإعلامي القدير، السبب لأول شخصية عماد الدين أديب التي عرفتها عن قرب لسنوات، والسبب الثاني هو التعليق على حوار أجرته معه المذيعة الأشهر منى الشاذلي في برنامجها "العاشرة مساء" والذي يعتبر من أفضل برامج "التوك شو" التي يتنافس على تقديمها العديد من القنوات الفضائية والأرضية المصرية ويحظى بنسبة مشاهدة عالية داخل مصر وخارجها.
في هذا الحوار الذي دار قبل أن يلملم عام 2009 أوراقه ويرحل عنا، تحدث عماد الدين أديب عن السنة التي رحلت مبينا أفضل شخصيات العام، من وجهة نظره، ولذلك لا استطيع التعليق عليها طالما كان الأمر مجرد وجهات نظر تتباين من شخص لآخر ولا تستند إلى أسلوب علمي يحلل الأحداث ويصل إلى نتائج موضوعية مدعمة بالأسانيد، وكنت أظن أن الإعلامي القدير سينتهج هذا الأسلوب خصوصا بعدما ذكرت مقدمه البرنامج منى الشاذلي أنه حضر إلى الأستوديو ومعه (ستوب ووتش) ومجموعة من الأوراق تحوي العناصر التي سيتحدث عنها لكي يكون دقيقا في كلامه محددا في وقته حتى لا يضيع وقت المشاهدين هدرا مثلما يفعل باقي الضيوف الذين يتحدثون في ساعات ما يمكن اختصاره في دقائق دون إخلال بالمعنى وبما يرغبون في إعلام الجمهور به.
المهم، ما استوقفني في الحوار أن عماد الدين أديب عرج للحديث عن الأوضاع السياسية وأسلوب إدارة الأزمات الذي تعاني مصر من فقدانه، وكان من بين أهم تلك الأزمات ما حدث بين مصر والجزائر بعد مباراة التأهل لكأس العالم 2010، وهذه لم يتوقف أمامها عماد أديب كثيرا كما أنني أؤيد ما ذهب إليه وأرى أن مرتكبي هذه المهزلة لم يحاسبوا بل تم تكريمهم وكان الأفضل والأوجب أن يحاكموا قبل أن يطاح بهم من فوق عروشهم.. ولكنها "عزبة" تُدار بطريقة ارتجالية ولا تجد من يقول لهم قف لقد اخطأتم ويجب أن ترحلوا!.
وكان أخطر ما تناوله الإعلامي عماد الدين أديب في الحوار ما يتعلق بالجدار الفولاذي الذي تقيمه مصر على حدود دولة فلسطين، وبالتحديد مدينة غزة المحاصرة، لقد سارع بتقديم العديد من المبررات مؤكدا أن الإدارة المصرية لها كل الحق في إقامة هذا الجدار لكنها لم تنجح في تسويق ما تفعل سياسيا أو إعلاميا وبالتالي كانت حملة الهجوم الشديدة التي شارك فيها ناشطون من كل دول العالم أفزعهم ما يحدث لمجموعة من البشر، بغض النظر عن جنسيتهم وديانتهم وتوجهاتهم، وقرروا أن ما يحدث جريمة أخلاقية وإنسانية قبل أن تكون سياسية.
أنصت إلى ما يقوله عماد الدين أديب وما يلح على تكراره من غياب مفهوم التسويق السياسي للإدارة المصرية، وهو بالطبع يقصد مجموعة من الوزراء ولا أكبر من ذلك على الإطلاق، وتساءلت عما يطمح الإعلامي القدير في الوصول إليه خاصة وأنه معروف بطموحاته الإعلامية ثم السياسية في الفترة الأخيرة وسعيه لأن يكون أكثر من مقدم برامج ناجح أو مالك لمجموعة من الإصدارات الصحفية أو حتى صاحب شركة إنتاج كبيرة وليس من طموحاته بالطبع أن يكون فقط مالكا لقناة فضئية كانت أم أرضية.!.
وعماد الدين أديب إعلامي عربي، ولا أقول مصري بحكم الجنسية، حيث عمل بوسائل إعلام عربية أكسبته بُعدا سياسيا وشمولا في الرؤية الإعلامية.
ووفقا لما ذكرته موسوعة ويكيبيديا فإنه إعلامي ورجل أعمال مصري شهير، وهو الابن الأكبر للسيناريست والكاتب الراحل عبد الحي أديب وشقيق الإعلامي عمرو أديب. يعتبر من أفضل مقدمي البرامج ومن رجال الإعلام المصريين المتميزين، إلا أنه ترك الإعلام واتجه إلى عالم الأعمال، فأصبح يمتلك إحدى كبريات شركات الإنتاج في مصر وهي جود نيوز التي قدمت بعض الأفلام المتميزة والمثيرة للجدل مثل عمارة يعقوبيان وفيلم حسن ومرقص.
ومن سماته الشخصية أنه يتميز بالهدوء وتشعر ان هذا الشخص لدية افكار، في يوم 27 من شهر إبريل عام 2005م فجر الإعلامي عماد أديب سابقة من نوعها، فلم يحاور أحد الرئيس المصري محمد حسنى مبارك الذى دام حكمه أكثر من ربع قرن تليفزيونيا من قبل. وكان الحوار تحت اسم "كلمة للتاريخ". اللقاء المُعد سلفاً يستغرق سبع ساعات كاملة، تم عرضها على مدار ثلاثة أيام على التلفزيون المصري والقناة الفضائية المصرية. وانتظر المصريون بتفاؤل وحذر وبعض الشك اللقاء خاصة عندما أعلنت جريدة "الأهرام" أن مبارك سيفجر مفاجأة كبرى إلى جانب العديد من المفاجآت الأخرى في مقابلته المنتظرة. وظهر الرئيس المصري في اللقاء أكثر شبابا من ذي قبل.
هذا ما كتبته الموسوعة العالمية، وبعض ما قرأته عن عماد أديب حين أردت الكتابة عنه، ولا يختلف اثنان على شخصية عماد الآسرة.. التقيت به لأول مرة عام 1980 حينما كان يدير مكتب جريدة الشرق الأوسط؛ التي تصدر من لندن؛ وقتها كنت قد انتهيت من أداء الخدمة العسكرية بعد تخرجي من كلية إعلام القاهرة وانطلقت مثل أي شاب يملؤه الحماس للبحث عن فرصة عمل في بلاط صاحبة الجلالة.. ولما كنت أعرف اسم عماد أديب من أيام الدراسة الجامعية ثم علمت بتوليه مسئولية إدارة أكبر جريدة عربية في ذلك الوقت بمصر، لذلك اقنعت صديقي جلاء (مدير تحرير جريدة الجمهورية حاليا) بالذهاب إلى مكتب جريدة الشرق الأوسط ومقابلة عماد حيث لم يساورني أدنى شك في ترحيبه بنا خاصة إذا عرف أننا من ذات الكلية التي تخرج منها.
وربما أكون قد صدمت في البداية حين التقانا عماد في مدخل المكتب ليخبرنا بأن إدارة الجريدة في لندن تطلب منه تخفيض أعداد الصحفيين المتعاونين(!!)، لكنه سرعان ما تراجع عن هذا الموقف حين استمع إلى أفكارنا ونوعية التحقيقات الصحفية التي نعرضها عليه، وبمجرد أن استمع إلى أفكارنا لمعت عيناه وتراجع سريعا عما ذكره لنبدأ معه رحلتنا الصحفية في بلاط صاحبة الجلالة.
وهذا الموقف؛ الذي فضلت ذكره كما حدث؛ يعطي دلالة واضحة وقوية على شخصية عماد الدين أديب، فهو الذي رفض السماح لنا بالعمل حين كانت مسوغاتنا في ذلك مجرد زمالة دراسة، لكنه كان الأكثر ترحيبا بنا حين استمع إلى أفكارنا ووجدها تختلف عما يعرضه أقراننا وتأكد بالفعل أن لدينا جديدا نقدمه، وبالتالي أصبحت تلك الأفكار هي مسوغ دخولنا.. حُكمه ونظرته كانت موضوعيه مما يؤكد أنه إنسان عملي له رؤية إعلامية.
ما زلت أذكر أيضا لقاء آخر له دلالة ومغزى هام، ذلك أنه حينما أصبحت مسئولا لتحرير جريدة الشرق الأوسط عام 1985، أي بعد 5 سنوات من بداية عملي مع عماد الدين أديب الذي صار وقتها مراسلا متجولا لإصدارات المجموعة، وكان هذا اللقاء في واحدة من كافتيريات وسط البلد بالقاهرة، وقد أراد به أن يعطيني الكثير من المعلومات؛ ذات الدلالة؛ عن شخصية هؤلاء الذين سأعمل معهم من موقع المسئولية لأعرف موضع خطواتي وأكون قادرا على اتخاذ قراراتي.. لقد أكد لي مرة ثانية كيف يأخذ الإعلامي بيد من يأتي بعده ولا يتركه وحده حائرا وسط مجموعة من اللوغاريتمات، لقد أراد أن يساعدني للنجاح في أداء مهمتي الجديدة.. وهذا ملمح آخر من شخصية عماد الدين أديب.
موقف آخر جعلني أكثر معرفة بشخصيته، ذلك أنه أثناء واحد من المؤتمرات السنوية للشركة السعودية للأبحاث والتسويق هاجمني أحد رؤساء تحرير السابقين رغم أنني لم أعمل معه قبل ذلك الوقت، وكنت ما زلت مسئولا عن تحرير جريدة الشرق الأوسط بالقاهرة، ولما استشعر عماد بأن لهذا الهجوم أغراض شخصية وأن ما يقوله غير صحيح ومجافي للحقيقة سارع بطلب الكلمة ليدافع عن شخصي وعملي وأدائي ويستشهد بالعديد من الانفرادات الصحفية التي تم تنفيذها أثناء إدارتي لتحرير جريدة الشرق الأوسط من القاهرة.. وهذا الموقف يؤكد أصالة نادرا ما توجد في صحفي حيث الصراع والإقلال من جهد الآخرين هو النمط السائد بين من يعملون في هذا الوسط.
هذا هو عماد الدين أديب، وتلك هي شخصيته التي عرفتها عن قرب، وهذه شهادة حق تبين سمات إعلامي قدير برع في بلاط صاحبة الجلالة كاتبا وإداريا ومالكا لمجموعة من الإصدارات الصحفية التي تركت بصماتها بين أقرانها، ورجل له مثل هذه السمات من حقه أن يطمح وهو يستحق أن يحقق طموحاته فهي بالتأكيد مشروعة، ويكفي أن هناك فرق كبير بين مؤهلاته وكثير من الذين كانوا جزءا من أزمتنا الراهنة.. وشهادتي هذه بكل تأكيد غير مجروحه ذلك أنني لم التق به منذ قرابه 15 سنة وليس بين وبينه أي تعاملات فهي إذن خالصة لوجه الله تعالى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق