الأربعاء، 27 يناير 2010

لماذا لا توجد ديمقراطية عربية؟


لماذا لا توجد ديمقراطية عربية؟، والسؤال يحمل تأكيدا بغياب هذا النوع من الممارسة السياسية الذي لا تعرفه الشعوب العربية وإلا أصبح سؤالا استفهاميا على طريقة هل توجد ديمقراطية عربية؟، لكنه بصيغته المطروحة يحمل رؤية استنكارية، والسائل بالطبع هم قادة الرأي في الدول المتقدمة.
لقد بدأت موجة التحول الديمقراطي ولم يكن عدد الدول الديمقراطية يتجاوز 40 دولة، ومع بداية التسعينات وانهيار الاتحاد السوفيتي وصل عدد تلك الدول إلى حوالي 76 دولة وبحلول عام 2002 أضحى عدد تلك الدول حوالي 118 دولة بحيث أضحت الديمقراطية النمط السائد في غالبية دول العالم باستثناء الدول العربية . إذ صمدت السلطوية واحتكار السلطة السياسية بالمنطقة العربية في مواجهة المد الديمقراطي الذي اجتاح النظام العالمي منذ عام 1974 والذي تعزز بانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وهو ما آثار تساؤلات عديدة حول أسباب افتقاد الزخم السياسي الداعم لعملية التحول الديمقراطي في الدول العربية المتلاصقة جغرافيَّا دون غيرها من المناطق الجغرافية في العالم، ولماذا لا توجد ديمقراطية راسخة في العالم العربي على امتداد مساحته الجغرافية؟
و في هذا الإطار تأتي الدراسة التي أعدها لاري دياموند Larry Diamond مدير مركز الديمقراطية والتنمية وحكم القانون في جامعة استانفورد Stanford’s Center on Democracy, Development, and the Rule of Law ونشرتها دورية الديمقراطية Journal of Democracy في يناير 2010 تحت عنوان: " لماذا لا توجد ديمقراطيات عربية؟".
وتتضمن الدراسة؛ التي أشار إليها "تقرير واشنطن لشهر يناير 2010؛ تحليلاً للاتجاهات السائدة في تفسير عدم وجود دول ديمقراطية عربية معللاً أسباب عدم قابلية تلك التفسيرات للتعميم وافتقادها للدقة وتبنية تفسيرًا جديدًا لغياب الديمقراطية في العالم العربي يقوم علي الدمج بين عوامل اقتصادية وسياسية وجيواستراتيجية.
ولا يمكن الجزم بأن الثقافة السياسية هي المحددة الأساسي لتعثر عملية التحول الديمقراطي في العالم العربي فالقيم النابعة من المعتقدات الإسلامية لم تمنع عددًا من الدول التي يعتنق غالبية سكانها الدين الإسلامي من تحقيق ديمقراطية سياسية مستقرة خاصة ألبانيا وماليزيا وتركيا والسنغال. حيث يصنف مركز "فريدم هاوس" 8 دول إسلامية غير عربية باعتبارها دولاً ديمقراطية، بما يعني أن المعتقدات الدينية لا تعد محددًا لمسار التحول الديمقراطي.
المعضلة تكمن من وجهة نظر داياموند في الانقسامات والشكوك المتبادلة بين التيارات السياسية العلمانية من جانب والتيارات الإسلامية المعتدلة والراديكالية من جانب آخر، وتأكيد حوالي 56% ممن تم استطلاع آراؤهم في عدد من الدول العربية علي ضرورة التوافق بين الممارسة الديمقراطية والشريعة الإسلامية وهو ما يجعل موضوعات مثل حقوق الأقليات السياسية والدور السياسي والمجتمعي للمرأة موضع جدل ونقاش عام في مختلف المجتمعات العربية في ظل مخاوف التيارات السياسية المدنية العلمانية من احتمالات وصول الإسلاميين للسلطة عبر انتخابات نزيهة يتلوها قيامهم بقمع المعارضة السياسية والعودة للسلطوية ومركزية السلطة، في مقابل مخاوف أخرى من قيام الجيش بتنظيم انقلاب عسكري لمنع الإسلاميين من السيطرة على السلطة على غرار ما حدث في الجزائر بعد تحقيق جبهة الإنقاذ الإسلامية للأغلبية في الانتخابات البرلمانية بما أسفر عن حرب أهلية استمرت قرابة عقد من الزمن وحصدت أرواح حوالي 150 ألف مواطن .
ويعتقد مدير مركز الديمقراطية والتنمية وحكم القانون في جامعة استانفورد أن السبب الأول لعدم وجود ديمقراطية عربية يكمن في هيكل النظم الاقتصادية العربية وليس مستوى التنمية الاقتصادية في تلك الدول، حيث إن حوالي 11 دولة عربية يمكن تصنيفها كدول ريعية rentier states تعتمد على صادرات البترول والغاز كمصدر أساسي للدخل القومي وفي بعض الحالات تمثل تلك الصادرات حوالي 90 % من قيمة الناتج المحلي الإجمالي ومن ثم تتضاءل حاجة الدولة لفرض ضرائب على دخول المواطنين في مقابل تصاعد اعتماد المواطن على الدولة للحصول على الدخل والخدمات العامة، ويسبب ذلك خللاً في العلاقة بين السلطة السياسية والمواطنين وعلى حد قول هنتجتون في كتابه الموجة الثالثة للديمقراطية " إذا كانت مقولة لا ضرائب دون تمثيل مطلب سياسي فإن مقولة لا تمثيل دون ضرائب تصبح حقيقة سياسية في الدول الريعية ".
و يؤدي اعتماد الاقتصاد الوطني على الصادرات النفطية لعدة تداعيات على المستوي السياسي أهمها مركزية السلطة السياسية وإيلاء الأمن والاستقرار قدر كبير من اهتمام النظام الحاكم فضلاً عن انتشار الممارسات القمعية في مواجهة الإضرابات والمظاهرات بما يؤدي لإضعاف وتهميش مؤسسات المجتمع المدني في مقابل تضخم الجهاز الإداري والتنفيذي للدولة.
وعلى المستوى الاقتصادي تغيب المبادرة الفردية ويتضاءل دور القطاع الخاص باستثناء رجال الأعمال المرتبطين بالنخبة الحاكمة، وتحذر الدراسة من أن الدول المصدرة للنفط قد تعاني مما يسمى " الداء الهولندي " Dutch Disease، نتيجة وفرة الموارد الاقتصادية وغياب دور القطاع الخاص، واعتماد المواطن بصورة شبه كاملة على الدولة لتوفير مختلف احتياجاته، بما يؤدي لحالة من التراخي وانتشار أنماط الحياة الاستهلاكية وتراجع ثقافة الإنتاج وتوجيه الاستثمار والعائدات النفطية إلى قطاعات خدمية وليست إنتاجية .
ولا يمكن فصل البنية الاقتصادية عن نظيرتها السياسية، حيث يعد احتكار السلطة السياسية أحد أهم السمات المشتركة بين دول المنطقة العربية في ظل تأييد القوى الخارجية لاستمرار التسلطية السياسية حفاظًا على الاستقرار السياسي، ومما يعزز سلطوية النظم الحاكمة في العالم العربي استغلالها لاحتكار الدولة لأدوات القهر السياسي المتمثلة في قوات الشرطة والمخابرات وتوظيفها لقمع المعارضة السياسية للحفاظ على بقائهم في السلطة، بحيث تصنف غالبية الدول العربية ضمن أعلى دول العالم من حيث مستوى الإنفاق على الأمن، بيد أن النظم العربية الحاكمة لا تمارس القمع السياسي بصورة دائمة وإنما تعتمد على عدة آليات بصورة متزامنة مثل استقطاب بعض قيادات المعارضة والسماح بقدر محدود من التمثيل السياسي وإجراء انتخابات بصفة دورية حتى وإن كانت غير نزيهة وهو ما يطلق عليه دانيل برومبرج Daniel Brumberg إجراءات التكيف السلطوية، والتي يتم اتخاذها للتوائم مع المتغيرات الداخلية والخارجية، فعقب السماح بقدر محدود من الحريات السياسية بما يسمح للمعارضة السياسية بممارسة نشاط فعال لفترة مؤقتة يعود بعدها النظام الحاكم لقمع الحريات وتضييق الخناق على الأنشطة السياسية للمعارضة.
وكما يشير تقرير واشنطن فإن غالبية الدول العربية تعتمد على تمرير تعديلات دستورية تستهدف تعزيز احتكار النظام الحاكم للسلطة السياسية ، فالنظام الحاكم يدير عملية الإصلاح السياسي ويحدد وتيرتها بحيث يراوح النظام السياسي مكانه للحيلولة دون تداول السلطة . أما المعارضة السياسية في الدول العربية فتواجه معضلة معقدة، فهي إن شاركت بفاعلية في الانتخابات والبرلمان يتم اتهامها من جانب القوى الراديكالية بإضفاء الشرعية على ممارسات النظام الحاكم والمشاركة في النظام السياسي السلطوي وإن امتنعت عن المشاركة على سبيل الاحتجاج يتم اتهامها بالسلبية السياسية وعدم الفاعلية، ناهيك عن أن عوامل الضعف الهيكلية في بنية المعارضة السياسية تكون كفيلة بجعل دورها هامشيًا لاسيما انقسامها إلى جبهات متضادة والإطار القانوني غير التنافسي وافتقاد غالبيتها للدعم الشعبي باستثناء القوى السياسية الإسلامية .
تتكامل العوامل الاقتصادية والسياسية سالفة الذكر مع العوامل الجيواستراتيجية بما أدى لاستمرار حالة الجمود السياسي في الدول العربية، حيث يدفع تركز الاحتياطات النفطية في المنطقة مختلف الأطراف الدولية للتدخل لحماية مصالحها وخاصة الولايات المتحدة ويكون النمط الغالب للتدخل الدولي محاولة الحفاظ على الاستقرار السياسي ودعم النظم السلطوية الحاكمة، وتستخدم في هذا الصدد آليات من قبيل المساعدات العسكرية والاقتصادية والدعم العسكري ومبيعات السلاح .
ويبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تهتم كثيرا بقصة الديمقراطية في المنطقة العربية، وقد بات واضحا لكل المراقبين السياسيين أن إدارة الرئيس أوباما لا تضع نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان ضمن قائمة أولوياتها سواء في علاقاتها مع دول الخليج أو حتى علاقاتها مع مصر، وهو ما أكدته وزيرة الخارجية الأمريكية في أول زيارة للقاهرة في مارس 2009 بقولها "إن المشروطية السياسية غير مطروحة في إطار الشراكة بين مصر والولايات المتحدة".
أما المؤشر الأكثر أهمية في هذا الصدد فتمثل في تخفيض المساعدات الأمريكية لدعم الديمقراطية في مصر في موازنة عام 2009 إلي حوالي 20 مليون دولار في مقابل 54.8 مليون دولار في عام 2008 وهو ما تبعه تخفيض موازي في المساعدات المخصصة لمؤسسات المجتمع المدني المصرية إلي حوالي 7 مليون دولار في عام 2009 في مقابل 31 مليون دولار عام 2008.
ووفق إحصائيات مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط the Project on Middle East Democracy لا تتجاوز مساعدات دعم الديمقراطية نسبة 1% من إجمالي المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي حصلت عليها القاهرة خلال عام 2009. حيث اتجهت إدارة أوباما لتقليص مساعدات دعم الديمقراطية بنسبة 23% وتقليص دعم المجتمع المدني المصري بنسبة 44% وهو ما يعني أن الإصلاح السياسي لم يعد أحد أولويات العلاقات الأمريكية المصرية.
و في هذا الصدد تأتي دراسة شادي حامد Shadi Hamid نائب مدير فرع مؤسسة بروكنجز بالدوحة، وزميل مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط Saban Center for Middle East Policy التي نشرت في دورية الديمقراطية Democracy Journal في عدد شتاء عام 2010 لتركز علي تناقضات العلاقة الوطيدة بين القاهرة وواشنطن لاسيما بين الاعتبارات البرجماتية المرتبطة بالمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والاعتبارات القيمية المرتبطة بوضع الديمقراطية وحقوق الإنسان علي قائمة القضايا الثنائية بين الدولتين.
ويشير الكاتب إلي أن السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط طالما رجحت اعتبارات الاستقرار علي ما تمليه أسس النموذج الأمريكي من ضرورة دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، حتى بعدما تبنت إدارة الرئيس بوش نهجاً داعماً للإصلاح السياسي في منطقة الشرق الأوسط فإنها عادت لتتراجع بعدما شهدت المنطقة صعوداً للتيارات الإسلامية التي اعتبرتها إدارة بوش مناوئة للمصالح الأمريكية في المنطقة لاسيما بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وحصول الإخوان المسلمين في مصر علي 88 مقعداً في الانتخابات التشريعية عام 2005.
وهو ما دفع الإدارة الأمريكية للعودة للمعادلة التاريخية التي تحكم التحالف الوثيق مع مصر والتي تقوم علي الإفادة من مكانة القاهرة في الإقليم لتحقيق المصالح الأمريكية في مقابل التغاضي عن الأوضاع الديمقراطية وحقوق الإنسان. أي تحقيق المصالح مقابل غض الطرف عن وتيرة الإصلاح السياسي في مصر، علي الرغم من أن القاهرة هي ثاني أكبر دولة متلقية للمساعدات الأمريكية منذ عام 1979 علي حد قول الكاتب.
المشروطية الايجابية
يطرح حامد رؤية جديدة فيما يتعلق ببلورة سياسة خارجية أمريكية جديدة تجاه مصر تقوم علي الدمج ما بين تحقيق مصالح واشنطن في منطقة الشرق الأوسط ودعم الإصلاح السياسي وتعزيز الديمقراطية في مصر دون تهديد الاستقرار السياسي الذي يكفل تحقيق المصالح الأمريكية منوهاً إلي ضرورة تغيير نهج إدارة الرئيس أوباما تجاه المزيد من دعم الإصلاحات الديمقراطية والارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان في مصر باعتبار ذلك أحد أركان برنامجه للتقارب مع العالم الإسلامي وتحسين صورة الولايات المتحدة علي المستوي غير الرسمي.
ويري الكاتب أن تبدأ الجهود الأمريكية لدعم الديمقراطية بتغيير الخطاب السياسي لإدارة أوباما تجاه القاهرة بحيث ينحو تجاه انتقاد التراجع عن الإصلاحات السياسية التي اتخذتها مصر منذ عام 2005.
ويطالب بالمزيد من الإجراءات الداعمة للتحول الديمقراطي وتحسين أوضاع حقوق الإنسان وتمكين مؤسسات المجتمع المدني. ويؤكد الكاتب أن هذا الخطاب الداعم للديمقراطية يعطي دفعة لجهود الناشطين السياسيين الإصلاحيين في القاهرة علي اختلاف توجهاتهم ويزيد من الزخم الذي تشهده الساحة السياسية المصرية قبيل الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها عام 2010 والانتخابات الرئاسية عام 2011. كما يوفر للولايات المتحدة الاتساق بين القيم الأساسية للنموذج الأمريكي والسياسة الخارجية بما يعزز من ايجابية الصورة الدولية للولايات المتحدة باعتبار ضغوطها تأتي استجابة لمطالب قطاعات واسعة من الرأي العام وهو ما ينعكس إيجاباً علي فاعلية الدبلوماسية العامة الأمريكية.
وعلي مستوي آخر يري الكاتب ضرورة فرض واشنطن ما يطلق عليه المشروطية الايجابية في علاقاتها مع القاهرةPositive Conditionality بمعني الإبقاء علي المساعدات العسكرية والاقتصادية التي تمنحها واشنطن سنوياً للقاهرة دون تغيير وتقديم عرض من جانب إدارة أوباما بمنح القاهرة مساعدات اقتصادية إضافية تتراوح بين 400 إلي 700 مليون دولار في مقابل اتخاذ القاهرة لإجراءات جادة وتدريجية علي مستوي الإصلاح السياسي وتدعيم الديمقراطية الداخلية. فإذا لم تتخذ مصر تلك الإجراءات يتم تجميد تلك المساعدات وإضافتها علي مساعدات العام التالي لتحفيز الحكومة المصرية بصورة أكبر لاتخاذ خطوات جادة للإصلاح السياسي. ويري الكاتب أن تبدأ الشروط بمراعاة شفافية ونزاهة الانتخابات علي مستوي محلي ثم علي المستوي التشريعي والرئاسي وتشمل تحسين أوضاع حقوق الإنسان وتمكين المجتمع المدني وتوسيع نطاق ممارسة الحريات السياسية وإتاحة المعلومات. ويري الكاتب أن رفض القاهرة لهذه الشروط الأمريكية سيكون غير محتمل بالنظر إلي أن الرأي العام المصري سيجد فيما عرضته الولايات المتحدة تحقيقاً لمصلحة مزدوجة تتمثل في دعم الإصلاح الاقتصادي من خلال المساعدات ودعم الديمقراطية وحقوق الإنسان بما ينعكس بصورة ايجابية علي الأوضاع الداخلية.
أما البعد الثالث للتغير الذي يدعو إليه الكاتب فيتمثل في تدشين حوار مع التيارات والقوي السياسية ذات المرجعية الإسلامية وخاصة الإخوان المسلمين. ويري الكاتب أن تعلن إدارة الرئيس أوباما أنها لا تعارض التعامل مع تلك القوي بشرط قيامها بنبذ العنف والاعتراف بوجود إسرائيل. واقترح الكاتب أن تقوم وزارة الخارجية الأمريكية بالسماح للناشطين الإسلاميين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين بالمشاركة في الأنشطة والمنتديات التي يتم تنظيمها في إطار مبادرة الشراكة في الشرق الأوسط Middle East Partnership Initiative، وهو ما سيحمل رسالة مهمة للنظام الحاكم في القاهرة تؤكد من خلالها واشنطن علي جديتها في دعم الديمقراطية والإصلاح السياسي بغض النظر عن النتائج. وفي الوقت ذاته فإن الحوار مع القوي السياسية ذات المرجعية الإسلامية سيؤدي للتوصل لحلول وسط للخلافات بين الطرفين فيما يتعلق بالقضايا الخلافية المرتبطة بعملية السلام وأمن إسرائيل.
ويشير الكاتب إلي ضرورة عدم انحياز الولايات المتحدة إلي أي من القوي السياسية علي الساحة السياسية المصرية لأن الهدف هو دفع النظام الحاكم في مصر للسماح بتداول السلطة والتنافسية بين قوي سياسية متعددة بحيث يكون تداول السياسية عبر انتخابات نزيهة ودورية، ومن ثم تحقق واشنطن التقارب المنشود مع شعوب العالم الإسلامي انطلاقاً من القاهرة باعتبارها من أكبر مراكز التنوير والمدنية والتحديث في المنطقة العربية والعالم الإسلامي وهي ذات الأسباب التي دفعت أوباما لاختيار جامعتها منبراً لإلقاء خطابه للعالم الإسلامي.
ورغم هذه الصورة القاتمة عن مستقبل التطور الديمقراطي بالدول العربية عموما ومصر على نحو خاص فإن ثورة الاتصالات وما أحدثته من تغيرات فعلية في العقلية العربية تؤكد على أن التغير السياسي باتجاه الديمقراطية لم يعد ممكنًا تفاديه خاصة مع توظيف تكنولوجيا الاتصالات وإفادة المعارضة السياسية من المنتديات الاجتماعية مثل الفيسبوك وتويتر والمدونات كمساحات افتراضية لحشد الرأي العام ضد الركود السياسي الراهن في الدول العربية، أما إذا انخفضت أسعار البترول أو تم إيجاد بدائل للطاقة تتسم بانخفاض التكلفة، فإن النظم الحاكمة للدول المنتجة للنفط ستجد ذاتها مضطرة لإبرام عقد اجتماعي جديد مع شعوبها تقوم على التشارك في السلطة والتمثيل السياسي بما ينهي فترة احتكار تلك النخب للسلطة السياسية .

الخميس، 14 يناير 2010

السعودية: تحولات دينية.. حراك اجتماعي وثورة نسائية


يوم الجمعة (8 يناير 2010) عُدت من المملكة العربية السعودية بعد رحلة عمل استغرقت 30 ساعة في الرياض؛ ثم رحلة إيمانية لأداء العُمرة.. وما بين الرياض ومكة مرورا بجدة حكايات تستحق أن تُروى.

يوم الاثنين (4 يناير 2010) وصلتني دعوة كريمة من الصديق نديم مراد مدير عام الدار المحلية للنشر والخدمات الإعلامية حيث تم ترشيحي للتحكيم في جائزة التميز الخليجي بمجال الإعلام الصحي، ولولا المدير العام للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون الخليجي الدكتور توفيق بن أحمد خوجة الذي تدخل بالاتصال المباشر مع القنصل السعودي في مصر لما تم منحي تأشيرة الدخول للسفر في ذات يوم وصولها، إذ تستغرق الإجراءات عادة ما لا يقل عن الثلاثة أيام قبل استلامها رسميا من القنصلية السعودية.. المهم أني بالفعل سافرت في ذات اليوم، دون إعداد مسبق، فأي سفرة إلى السعودية لا تحتاج في رأيي إلى ترتيب إذ يكفي أنني سأتمكن من أداء العمرة والصلاة في بيت الله الحرام.

والرياض هي عاصمة المملكة العربية السعودية، رغم أن جدة هي الأشهر ومكة والمدينة هما في قلب كل مسلم، وكانت المرة السابقة التي ذهبت إليها (الرياض) في عام 2003 أي من نحو 6 سنوات، وهي سنوات قليلة في عمر الأمم إلا أنه بما حدث في الرياض خلفت تأثيرا يستغرق عقودا من الزمن.

في السعودية تحولات دينية وحراك اجتماعي سياسي والأهم تلك الثورة النسائية الهادئة، فهناك إذن مجموعة من المتغيرات سوف تبدل من الصورة النمطية السائدة عنها كدولة سلفية قبلية تحكمها مصالح عشائرية وعادات وتقاليد بدوية.

ولمعرفة حقيقة تلك التحولات لا بد من إطلالة سريعة على الكيفية التي تأسست بها الدولة، فكما هو معروف قامت الدولة السعودية الأولى على التحالف بين سلطة سياسية متمثلة في الأمير محمد بن سعود وسلطة شرعية متمثلة في الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي كان يحمل مشروعاً يهدف إلى إصلاح عقائد الناس ونشر العدل والقضاء على الفساد والظلم المنتشرين في الجزيرة العربية، ووجد سنداً سياسياً في توجهه الإصلاحي من قبل الأمير محمد بن سعود فكان الاتفاق التاريخي الذي قام الشريكان على أساسه بإقامة الحكم السعودي.

ثم قامت الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبد العزيز آل سعود وسانده في قيامها من يطلق عليهم (الإخوان) أو (إخوان من أطاع الله) الذين كونوا نواة الجيش الأساسي للملك عبد العزيز خلال حروبه التي خاضها لتوحيد المملكة، وكان قد قدم لهم نفسه بصفة جديدة تنطلق من مبدأ الإمامة الشرعية وليس من مبدأ السلطة السياسية.

وكان هؤلاء الأخوة يحتسبون ما يقومون به مع الملك عبد العزيز جهاداً في سبيل الله؛ لذلك وبعد انتهاء حروبهم في الحجاز أرادوا مواصلة فتوحاتهم لنشر الدين في العراق والشام لكن الملك عبد العزيز أثناهم عن ذلك لظروف تاريخية وسياسية مما تسبب في خروجهم عليه وقيام معركة السبلة الشهيرة بينهم وبينه التي انتهت بانتصار الملك عبد العزيز.. التوجه الديني والطبيعة القبلية للمجتمع السعودي أذن فرضتا على السلطة السياسية أخذهما بعين الاعتبار في كثير من قراراتها كونهما مصدرَي الشرعية لها.

مع تطور الدولة وتقدمها في بناء دولة مدنية وما تتطلبه من إصلاحات إدارية واقتصادية وبناء أجهزة حديثة استحدث الملك فيصل هيئة لكبار العلماء بهدف استفتائهم فيما يعرض عليهم من قبل الحاكم أو للإجابة عن استفسارات أفراد المجتمع الشخصية، وفرضت هذه الهيئة الطبيعة السلفية على المجتمع كأفراد والدولة بشكل رسمي.

ولكن خلال مرحلة السبعينيات والثمانينيات أرسلت الدولة مجموعات من شبابها إلى الخارج فكان أن تأثروا كثيرا بأفكار ومذاهب سياسية وفكرية مختلفة تسببت في تحريك الجمود الفكري والديني الذي طبعت به المؤسسة الدينية المجتمع جراء تبنيها الرأي الواحد.

وجاءت بعد ذلك الثورة الفضائية والمعلوماتية الحديثة التي مكنت الناس من الاطلاع على آراء واجتهادات فكرية وفقهية متعددة بعضها مخالف لما تتبناه المؤسسة الدينية، وانتشار ذلك بين أوساط العامة والخاصة جعل الدولة تعيد تطعيم مؤسساتها الدينية وعلى رأسها هيئة كبار العلماء والقضاء بشخصيات ذات نظرات تحديثية لضمان مسايرة تلك المؤسسات لتوجهات الدولة الحديثة وحتى لا تفقد مصداقيتها وهي التي قد تحتاجها في وقت من أوقات الأزمات السياسية.

وتشهد المرحلة الحالية انفتاحا إعلاميا كبيرا، وباتت القنوات الفضائية تغزو كافة المنازل، وأصبحت شبكة الإنترنت مجالا خصبا للشباب المتعطش للجديد ولتجاوز الحدود الضيقة التي ما زال يتسم بها السطح السياسي والاجتماعي السعودي.

كما تنامى دور القنوات الفضائية والمجلات والمواقع الإسلامية على شبكة الإنترنت في تقديم الخطاب الإسلامي المعاصر، من هنا أصبح سؤال "ماذا بعد" يطرح نفسه على الخطاب الاجتماعي للحركة الإصلاحية؛ خاصة أن الانفتاح الثقافي الذي وفرته وسائل الاتصال الحديث يحمل بعدا أخطر في عبور الثقافة الغربية المحملة بقيم ومفاهيم اجتماعية خطيرة - ذات طبيعة علمانية استهلاكية دنيوية تتصادم مع المنطلقات والقيم الإسلامية الغالبة في المجتمعات العربية، وفي مقدمتها الخليجية المحافظة.

ونتيجة لكل هذه المتغيرات كان لا بد أن ينعكس ذلك على هيئة كبار العلماء التي أعاد خادم الحرمين تشكيلها من جديد لتتضمن جميع المذاهب السنية، بعد أن كانت حكرًا على المذهب الحنبلي، وهو ما سيسهم بشكل كبير في إخراج السعودية من دائرة الرؤية الشرعية الواحدة التي كانت مرتبطة بالمذهب الحنبلي، لتصبح الرؤية والفتوى تتم من خلال دائرة آراء أوسع وأشمل شرعيا خاصة بعد أن أعفي العديد من العلماء وجيء بآخرين في الأربعينيات من العمر بعضهم ينحدر من جنوب المملكة فيما كان الوجود الغالب دوما لعلماء منطقة نجد معقل حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

أما فيما يتعلق بوضع المرأة السعودية فيكفي الإشارة إلى سابقة هي الأولى من نوعها على مستوى العلاقة بين السلطتين حيث أقال الملك عبد الله أحد أعضاء هيئة كبار العلماء د.سعد الشثري إثر تصريح له على إحدى القنوات الفضائية انتقد فيه اختلاط الرجال بالنساء في الجامعة التي افتتحها الملك.. هذه الإقالة أعادت طرح التساؤل حول مستقبل العلاقة التاريخية بين السلطة السياسية والمؤسسة الرسمية الدينية، وما إذا كان النمط السائد في العلاقة سيستمر أم أن الواقع بحاجة إلى نموذج آخر؟
ورغم قناعتي الكاملة بأن للمجتمع السعودية خصوصيته، فهو مجتمع قبلي متدين، ولا يستطيع أحدٌ أن يفرض عليه تفسيره الخاص عن الإسلام، إلا أن المتجول في مدينة الرياض يلحظ بسهولة الفارق الكبير في أوضاع النساء بين الأمس واليوم.

وحجم التغيير في هذا المجال سيتوقف على مدى قدرة المسئولين والحكومة على إحداث تغييرات تمس المرأة السعودية بجرة قلم، وإن كان الأمر ليس بهذه السهولة. فالمجتمع لا يتحمل التغييرات الدراماتيكية والفجائية، كما أن جميع المسئولين وصناع القرار هم بالنهاية سعوديون ونتاج هذه البيئة المحافظة، وهم – كغيرهم- حذرون فيما يتعلق بقضايا المرأة، ولعل المسئول يجد هو ذاته صراعاً بين كل تلك القيم الموروثة وبين متطلبات المجتمع الحديث.

وفي قراءة واقعية للمجتمع فإن الكثير من النساء السعوديات لا يردن الاختلاط لا في العمل ولا في التعليم، لكن في المقابل هن لا يردن أن يستخدم الفصل ذريعة للتمييز والتهميش، وحسب استفتاء نادر أجري في عام 2006 أفصحت 86% من النساء عن رفضهن للبيئة المختلطة، و89% منهن عن رفضهن لقيادة السيارة.

من الصعب إذن التنبؤ بما سيحدث في المستقبل القريب ولكن من المؤكد أن رياح التغيير أقوى من العادات والتقاليد، فالنساء السعوديات يقدن ثورة هادئة تهدف إلى الحصول على المزيد من الحقوق والحريات.. وهذا مؤشر لما يحدث بالفعل داخل المجتمع السعودي.

السبت، 2 يناير 2010

عماد الدين أديب والتسويق السياسي


سببان يدفعاني للكتابة عن الإعلامي القدير، السبب لأول شخصية عماد الدين أديب التي عرفتها عن قرب لسنوات، والسبب الثاني هو التعليق على حوار أجرته معه المذيعة الأشهر منى الشاذلي في برنامجها "العاشرة مساء" والذي يعتبر من أفضل برامج "التوك شو" التي يتنافس على تقديمها العديد من القنوات الفضائية والأرضية المصرية ويحظى بنسبة مشاهدة عالية داخل مصر وخارجها.

في هذا الحوار الذي دار قبل أن يلملم عام 2009 أوراقه ويرحل عنا، تحدث عماد الدين أديب عن السنة التي رحلت مبينا أفضل شخصيات العام، من وجهة نظره، ولذلك لا استطيع التعليق عليها طالما كان الأمر مجرد وجهات نظر تتباين من شخص لآخر ولا تستند إلى أسلوب علمي يحلل الأحداث ويصل إلى نتائج موضوعية مدعمة بالأسانيد، وكنت أظن أن الإعلامي القدير سينتهج هذا الأسلوب خصوصا بعدما ذكرت مقدمه البرنامج منى الشاذلي أنه حضر إلى الأستوديو ومعه (ستوب ووتش) ومجموعة من الأوراق تحوي العناصر التي سيتحدث عنها لكي يكون دقيقا في كلامه محددا في وقته حتى لا يضيع وقت المشاهدين هدرا مثلما يفعل باقي الضيوف الذين يتحدثون في ساعات ما يمكن اختصاره في دقائق دون إخلال بالمعنى وبما يرغبون في إعلام الجمهور به.

المهم، ما استوقفني في الحوار أن عماد الدين أديب عرج للحديث عن الأوضاع السياسية وأسلوب إدارة الأزمات الذي تعاني مصر من فقدانه، وكان من بين أهم تلك الأزمات ما حدث بين مصر والجزائر بعد مباراة التأهل لكأس العالم 2010، وهذه لم يتوقف أمامها عماد أديب كثيرا كما أنني أؤيد ما ذهب إليه وأرى أن مرتكبي هذه المهزلة لم يحاسبوا بل تم تكريمهم وكان الأفضل والأوجب أن يحاكموا قبل أن يطاح بهم من فوق عروشهم.. ولكنها "عزبة" تُدار بطريقة ارتجالية ولا تجد من يقول لهم قف لقد اخطأتم ويجب أن ترحلوا!.

وكان أخطر ما تناوله الإعلامي عماد الدين أديب في الحوار ما يتعلق بالجدار الفولاذي الذي تقيمه مصر على حدود دولة فلسطين، وبالتحديد مدينة غزة المحاصرة، لقد سارع بتقديم العديد من المبررات مؤكدا أن الإدارة المصرية لها كل الحق في إقامة هذا الجدار لكنها لم تنجح في تسويق ما تفعل سياسيا أو إعلاميا وبالتالي كانت حملة الهجوم الشديدة التي شارك فيها ناشطون من كل دول العالم أفزعهم ما يحدث لمجموعة من البشر، بغض النظر عن جنسيتهم وديانتهم وتوجهاتهم، وقرروا أن ما يحدث جريمة أخلاقية وإنسانية قبل أن تكون سياسية.

أنصت إلى ما يقوله عماد الدين أديب وما يلح على تكراره من غياب مفهوم التسويق السياسي للإدارة المصرية، وهو بالطبع يقصد مجموعة من الوزراء ولا أكبر من ذلك على الإطلاق، وتساءلت عما يطمح الإعلامي القدير في الوصول إليه خاصة وأنه معروف بطموحاته الإعلامية ثم السياسية في الفترة الأخيرة وسعيه لأن يكون أكثر من مقدم برامج ناجح أو مالك لمجموعة من الإصدارات الصحفية أو حتى صاحب شركة إنتاج كبيرة وليس من طموحاته بالطبع أن يكون فقط مالكا لقناة فضئية كانت أم أرضية.!.

وعماد الدين أديب إعلامي عربي، ولا أقول مصري بحكم الجنسية، حيث عمل بوسائل إعلام عربية أكسبته بُعدا سياسيا وشمولا في الرؤية الإعلامية.

ووفقا لما ذكرته موسوعة ويكيبيديا فإنه إعلامي ورجل أعمال مصري شهير، وهو الابن الأكبر للسيناريست والكاتب الراحل عبد الحي أديب وشقيق الإعلامي عمرو أديب. يعتبر من أفضل مقدمي البرامج ومن رجال الإعلام المصريين المتميزين، إلا أنه ترك الإعلام واتجه إلى عالم الأعمال، فأصبح يمتلك إحدى كبريات شركات الإنتاج في مصر وهي جود نيوز التي قدمت بعض الأفلام المتميزة والمثيرة للجدل مثل عمارة يعقوبيان وفيلم حسن ومرقص.

ومن سماته الشخصية أنه يتميز بالهدوء وتشعر ان هذا الشخص لدية افكار، في يوم 27 من شهر إبريل عام 2005م فجر الإعلامي عماد أديب سابقة من نوعها، فلم يحاور أحد الرئيس المصري محمد حسنى مبارك الذى دام حكمه أكثر من ربع قرن تليفزيونيا من قبل. وكان الحوار تحت اسم "كلمة للتاريخ". اللقاء المُعد سلفاً يستغرق سبع ساعات كاملة، تم عرضها على مدار ثلاثة أيام على التلفزيون المصري والقناة الفضائية المصرية. وانتظر المصريون بتفاؤل وحذر وبعض الشك اللقاء خاصة عندما أعلنت جريدة "الأهرام" أن مبارك سيفجر مفاجأة كبرى إلى جانب العديد من المفاجآت الأخرى في مقابلته المنتظرة. وظهر الرئيس المصري في اللقاء أكثر شبابا من ذي قبل.

هذا ما كتبته الموسوعة العالمية، وبعض ما قرأته عن عماد أديب حين أردت الكتابة عنه، ولا يختلف اثنان على شخصية عماد الآسرة.. التقيت به لأول مرة عام 1980 حينما كان يدير مكتب جريدة الشرق الأوسط؛ التي تصدر من لندن؛ وقتها كنت قد انتهيت من أداء الخدمة العسكرية بعد تخرجي من كلية إعلام القاهرة وانطلقت مثل أي شاب يملؤه الحماس للبحث عن فرصة عمل في بلاط صاحبة الجلالة.. ولما كنت أعرف اسم عماد أديب من أيام الدراسة الجامعية ثم علمت بتوليه مسئولية إدارة أكبر جريدة عربية في ذلك الوقت بمصر، لذلك اقنعت صديقي جلاء (مدير تحرير جريدة الجمهورية حاليا) بالذهاب إلى مكتب جريدة الشرق الأوسط ومقابلة عماد حيث لم يساورني أدنى شك في ترحيبه بنا خاصة إذا عرف أننا من ذات الكلية التي تخرج منها.

وربما أكون قد صدمت في البداية حين التقانا عماد في مدخل المكتب ليخبرنا بأن إدارة الجريدة في لندن تطلب منه تخفيض أعداد الصحفيين المتعاونين(!!)، لكنه سرعان ما تراجع عن هذا الموقف حين استمع إلى أفكارنا ونوعية التحقيقات الصحفية التي نعرضها عليه، وبمجرد أن استمع إلى أفكارنا لمعت عيناه وتراجع سريعا عما ذكره لنبدأ معه رحلتنا الصحفية في بلاط صاحبة الجلالة.

وهذا الموقف؛ الذي فضلت ذكره كما حدث؛ يعطي دلالة واضحة وقوية على شخصية عماد الدين أديب، فهو الذي رفض السماح لنا بالعمل حين كانت مسوغاتنا في ذلك مجرد زمالة دراسة، لكنه كان الأكثر ترحيبا بنا حين استمع إلى أفكارنا ووجدها تختلف عما يعرضه أقراننا وتأكد بالفعل أن لدينا جديدا نقدمه، وبالتالي أصبحت تلك الأفكار هي مسوغ دخولنا.. حُكمه ونظرته كانت موضوعيه مما يؤكد أنه إنسان عملي له رؤية إعلامية.

ما زلت أذكر أيضا لقاء آخر له دلالة ومغزى هام، ذلك أنه حينما أصبحت مسئولا لتحرير جريدة الشرق الأوسط عام 1985، أي بعد 5 سنوات من بداية عملي مع عماد الدين أديب الذي صار وقتها مراسلا متجولا لإصدارات المجموعة، وكان هذا اللقاء في واحدة من كافتيريات وسط البلد بالقاهرة، وقد أراد به أن يعطيني الكثير من المعلومات؛ ذات الدلالة؛ عن شخصية هؤلاء الذين سأعمل معهم من موقع المسئولية لأعرف موضع خطواتي وأكون قادرا على اتخاذ قراراتي.. لقد أكد لي مرة ثانية كيف يأخذ الإعلامي بيد من يأتي بعده ولا يتركه وحده حائرا وسط مجموعة من اللوغاريتمات، لقد أراد أن يساعدني للنجاح في أداء مهمتي الجديدة.. وهذا ملمح آخر من شخصية عماد الدين أديب.

موقف آخر جعلني أكثر معرفة بشخصيته، ذلك أنه أثناء واحد من المؤتمرات السنوية للشركة السعودية للأبحاث والتسويق هاجمني أحد رؤساء تحرير السابقين رغم أنني لم أعمل معه قبل ذلك الوقت، وكنت ما زلت مسئولا عن تحرير جريدة الشرق الأوسط بالقاهرة، ولما استشعر عماد بأن لهذا الهجوم أغراض شخصية وأن ما يقوله غير صحيح ومجافي للحقيقة سارع بطلب الكلمة ليدافع عن شخصي وعملي وأدائي ويستشهد بالعديد من الانفرادات الصحفية التي تم تنفيذها أثناء إدارتي لتحرير جريدة الشرق الأوسط من القاهرة.. وهذا الموقف يؤكد أصالة نادرا ما توجد في صحفي حيث الصراع والإقلال من جهد الآخرين هو النمط السائد بين من يعملون في هذا الوسط.

هذا هو عماد الدين أديب، وتلك هي شخصيته التي عرفتها عن قرب، وهذه شهادة حق تبين سمات إعلامي قدير برع في بلاط صاحبة الجلالة كاتبا وإداريا ومالكا لمجموعة من الإصدارات الصحفية التي تركت بصماتها بين أقرانها، ورجل له مثل هذه السمات من حقه أن يطمح وهو يستحق أن يحقق طموحاته فهي بالتأكيد مشروعة، ويكفي أن هناك فرق كبير بين مؤهلاته وكثير من الذين كانوا جزءا من أزمتنا الراهنة.. وشهادتي هذه بكل تأكيد غير مجروحه ذلك أنني لم التق به منذ قرابه 15 سنة وليس بين وبينه أي تعاملات فهي إذن خالصة لوجه الله تعالى.