منصور النقيدان كاتب وصحفي إماراتي
مكان الولادة في مدينة بريدة بالمملكة
العربية السعودية
تبنى مواقف إسلامية متطرفة أدت إلى دخوله للسجن
لكنه أجرى مراجعات ذاتية ونقدية داخل السجن أنتجت تحولات وانعطافات
فكرية مختلفة مع سابقتها
في سنوات مراهقته التحق بمجموعة إسلامية متشددة تدعى إخوان
بريدة
وهي جماعة تنادي بالتقشف والزهد والالتزام بتعاليم محمد
بن عبد الوهاب
انضم منصور إلى حلقات العلم والكتاتيب لدراسة الفقه وعلوم الشريعة
بتوجيه من العلماء في مدينته بريدة
1985 حتي 1991
في عام 1990 كان منصور متأثرا من التحول الحاصل في المملكة العربية
السعودية بعد احتلال العراق والكويت ووجود قوات التحالف الدولي على الأراضي
السعودية
في ذلك لوقت نادى دعاة الإسلام السياسي بمعارضة الحكومة، وفي منتصف
عام 1991 مع مجموعة من الناشطين قام باحراق محلات
الفيديو في
بريدة، ولذلك حكم عليه بالسجن لمدة سنتين وثمانية أشهر
بدأ تحوله الأيديولوجي في منتصف التسعينات عندما بدأ باعادة قراءة
التراث الإسلامي المكتوب باقلام المفكرين المسلمين من المغرب والأردن
في
عام 1999 نشر مقالته الأولى التي سلطت الضوء على الخلاف بين المدرسة العقلية
والمدرسة النقلية في الفترة المبكرة من الحضارة الإسلامية
وأدي ذلك إلى نبذه من قبل العلماء ومن قبل زملائه ورفاقه
في
ديسمبر عام 2002 نشرت له مقابلة في منتدى إسلامي على شبكة الإنترنت صرح فيها بجرأة
عن أفكاره الدينية والمذهبية
ووقتها وجهت له انتقادات قاسية من قبل العلماء المسلمين وحكما بجلدة 75
جلدة وصدرت بحقه فتوى تكفيره
وإهدار الدم أو اعلان الاستتابة العلنية
منصور النقيدان وصفه المؤرخ البريطاني روبرت ليسي بأنه أحد الشخصيات المؤثرة في الجيل
الجديد من الشباب السعودي
نجح منصور النقيدان في تغيير تفكيره وحياته وتحول من الإمام الإسلامي
إلى العلماني
يعد منصور النقيدان في عين الليبراليين السعوديين بارقة الامل فمن خلال
تحوله من عالم اسلامي إلى ليبرالي نشط يمثل صورة لما يأمل الليبرالين به من في
المجتمع السعودي
وهو يناظر ويساجل ضد الإرهاب والعنف في العالم الإسلامي
وقد عرضت قناة العربية عام 2005م فيلماً وثائقياً اسمه (منصور النقيدان
بين تيارين) عن حياة النقيدان وأفكاره وتحولاته الفكرية
التقيت والنقيدان في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية ودار
بيننا حوار ممتد لأكثر من ثلاث ساعات حكى فيه المراحل الفكرية التي مر بها
والأسباب التي دفعته لهذا التحول الحاد في مساره الفكري
وفي السطور التالية نص الحوار الذي نشر بمجلة الوطن العربي
منصور النقيدان يروي قصة توبته ولماذا كفره الآخرين!
كنت يوماً أحد الذين يتبنون الفكر المتطرف، وفي كل مرة أُقابَلُ
بالعفو
والتسامح.. لهذا فأنا لا أحفل بما قد تشكله فتاوى تكفيري من خطورة
بعد قراءة "نقد العقل العربي"
للجابري.. أحسست أن شيئا ما يحدث داخلي..
وبعد قراءة "المحنة" لفهمي
الجدعان تيقنت أن هناك إسلاما غير الذي نعرفه!
أجرى الحوار في الرياض- محمود صادق
نعم لدينا
شباب انحرفوا عن الطريق الصحيح للإسلام وهناك أفكار متطرفة في الغلو بدأت تنتشر في
المجتمع العربي المتسامح بطبعه، وربما لهذا السبب عكف المسئولون على وضع منظومة
متكاملة تعالج هذا العوج وتنقي الساحة من الشوائب التي علقت بها نتيجة ما شهدته
المنطقة من تفاعلات وأحداث خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
ورغم أن الظاهرة
ليست خاصة بالمملكة العربية السعودية فحسب وإنما هي من الابتلاء الذي شمل العالم
كله حيث يعتبر التطرف والانحراف الفكري من الظواهر التي رافقت العالمية والعولمة
والقطب الواحد والاحتلال الفكري.. لكن الظاهرة تأخذ تركيزا أكبر حينما تظهر
بوادرها في مجتمع اعتمد الشريعة الإسلامية منهاج حياة وأسلوب حكم، وقتها يصبح
الغلو والتطرف مستغربا ومستهجنا، وهذا ما فعلته الغالبية من السعوديين حين تكاتفوا
مع قيادتهم السياسية لمحاربة هذا الفكر الدخيل على المجتمع السعودي.
"الوطن
العربي" لم تذهب بعيدا حين التقت بواحد من أساطين الفكر المنحرف والذي عاد
إليه وعيه واكتشف خطأ الطريق الذي كان يسير فيه فرجع إلى صوابه وأعلن توبته ومن ثم
تحديه لمن كان يوما في صفوفهم، ومع لحظة الندم الأولى حمل قلمه وبدأ يفضح أفكارهم
ويدعو من استطاع منهم إلى الاستتابة والندم.
ومنصور النقيدان،الذي التقينا
به في الرياض، كانَ كما يصف نفسه متدينا حتى التطرف، ترك الدراسة النظامية وهو في سنوات
المراهقة، كما كانت "الموضة " في نهاية الثمانينات عند بعض الشباب واكتفى بشهادة الكفاءة المتوسطة، ثم انكبَ على علوم السلف وكتبهم يقرأها
ويفسرها له أحدهم ممن تخرج على يديه الكثيرين من أصحاب هذا الفكر، ولم يكتف بالتعليم والوعظ و جمع
الأموال بحجة إنفاقها في العمل الخيري وإنما تقدم في طريق الغلو والتطرف خطوة إلى
الأمام، أي إلى العمل الجهادي الداخلي فقام بإشعالِ حريق في أحد محلات الفيديو في
الرياض، فقبض عليه وحوكم بالسجن لعدة سنوات.
السجن كانَ بالنسبة إليه منعطفاً مهماً
في حياته، ففيه استطاع أن يخلو إلى نفسه بعيداً عن أي
تأثيرات جانبية، فتكالبت عليه الأسئلة التي كانت قبل السجن غائبة أو مغيبة عنه،
وراح يتعامل معها بموضوعية ومنطقية، وبقدر ٍ كبير من تلمس الأجوبة في محاولة
للوصول إلى رؤية جديدة تنسجمُ مع الواقع وظروفه أكثرُ من انسجامها مع العواطف
والشعارات والمواقف الأيديولوجية المسبقة.
وبعدَ السجن كان متلهفاً للقراءة،
نهماً في البحث عن إجابات، ليسَ في الكتب الصفراء هذه المرة، وإنما في الكتب الأخرى، تلك
التي كانت محرمة عليه قبل السجن، وبها، ومنها، بدأ العودة إلى الموضوعية، أو إلى المجتمع،
لا فرق.
ولأنه الآن عرفَ الآخر، كل آخر، بقدر
معرفته وعمقه واستيعابه لفكر التطرف أصبح شخصاً آخر، فالإسلام لم يعد لديه مجرد أفكاراً
معلبة، يتم انتقاؤها لمقاصد ونوايا مسبقة من الموروث ثم يجري تهميش ما عداها
وما يختلف معها تهميشاً كلياً.
مرتد وكافر
لقد كان النقيدان واحداً من أهم أساطين الفكر الجهادي
والتكفيري، ليسَ على المستوى النظري فحسب، وإنما على المستوى الحركي أيضاً، لذلك فإن
شهادة النقيدان تكتسب أهميتها لكونه
يحمل من الهموم والرؤى والأسئلة والنقد والتجارب والخبرات، سواء على
المستوى الفكري أو على المستوى الشخصي، ما جعله بحق يستطيع أن يكون بمثابة شاهد
الإثبات الأول، وكذلك شاهد النفي الأول.
وقبل أن نبدأ
حوارنا مع النقيدان نقرأ سطورا من وثيقة "التكفير" التي أطلقها البعض
ضده بعدما أتخذ قراره بالعودة إلى معسكر أهل السنة والجماعة الذي يشمل غالبية
المسلمين، تقول وثيقة التكفير "إن ما فعله النقيدان كفر بواح وردة ظاهرة وزندقة مكشوفة يجب
على المسئولين أن يستتيبوا صاحبها فإن تاب وإلا قتل مرتدا كافرا لا حرمة له، حيث
أنه سلك الطريق الذي يفضي به إلى الزندقة".
وسرد الموقعون على بيان الردة العديد من
التهم الموجهة للنقيدان، مستشهدين بمقاطع من حواره في منتدى (الوسطية)، مستندين على ما أسموه
"الدعوات المشبوهة التي دعا لها"، وفساد "معتقداته ومذهبه"،
و"تعطيله لأصل البراءة من الكفار ومعاداتهم" و"سخريته بالدين
وبشعائره وبالمتدينين"، والكثير من التهم التي وجهوها له، والتي على أساسها
أفتوا أن الواجب في حقه: " أولا : تكفيره وعدم التوقف في ذلك، ثانيا: المطالبة بإقامة حد الردة إن
كان هناك شرع يقام، ثالثا : الدعاء عليه وعلى أمثاله والإلحاح على
الله في ذلك."
وفي تعليقه
على وثيقة التكفير قال النقيدان "لقد كنت يوماً أحد الذين يتبنون هذا الفكر
المتطرف، وكنت في كل مرة أُقابَلُ بالعفو والتسامح، وأجد من يقف بجانبي ويأخذ بيدي
ويقول لي :هاهو الطريق أمامك، لهذا فأنا لا أحفل بما قد تشكله هذه الفتاوى من
خطورة على المستوى الشخصي بل يداهمني أحياناً شعور بأنني أتطهر.
إذن فلنبدأ ولتروي
لنا قصة التكفير وكيف بدأت؟
بدأت بعد حوار أجري معي في المنطقة الوسطية على الشبكة العنكبوتية، وفي الحوار
تلقيت أسئلة عديدة جداً تتناول قضايا دينية حساسة فكنت أجيب عليها بمنتهى
الشفافية وبكل صراحة وكانت أكثر القضايا حساسية هي قضية حقوق الإنسان وقضية
الموقف من الآخر غير المسلم؟ وأيضاً قضية الخوف من انحراف المسلم إذا ما أطلع على مؤلفات لآخرين من خارج النطاق الإسلامي. وكانت هذه هي أكثر إجاباتي حساسية
في نظر الذين أصدروا الفتوى ضدي، فأنا اعتقد أن الإنسان يسعى إلى
الحقيقة فإذا ما أهتدي إليها فإن ذلك أقصى ما يمكن أن يستطيعه في هذه الدنيا، ومن هذا المنطلق جاءت إجابتي شاعرية إلى حد ما حينما قلت أننا معذبون في البحث عن
الحقيقة فليقل كل منا تجربته وينظر إلى ما تنتهي إليه، فربما نصل إلى
الحقيقة التي أراد الله من العبد أن يتلمسها في هذه الدنيا.
المهم أنني فوجئت
بعد الحوار
بأسبوع أن أحدهم
أصدر فتوى بكفري وردتي عن الإسلام في موقعه لكنه لم يذكر أسمي ولكن
كانت هناك إشارة عن الحوار وذكر مقتطعات منه، بعدها بأسبوع آخر
ظهرت فتوى من أربعة أشخاص منهم حميد الحميدي، أحمد الخال، حميد الريس، علي الخبير، وجميع هؤلاء تم القبض عليهم بعد تفجيرات الرياض الأخيرة،
والمفارقة أن هؤلاء كانت تربطني صداقة بأحدهم وآخر تربطني
به علاقة احترام منذ زمن بعيد وآخران لم أعرفهم، وقد جاءت
الفتوى طويلة جداً وكانت تحوي قرابة 2500 كلمة وفحواها أنني كافر
ومرتد ولابد من تطبيق شرع الله علي.
تعترف أنك كنت من المتشددين؟
نعم هذا صحيح وقد تم إيقافي أكثر مرة
في المباحث العامة كان آخرها عام 1996 عقب تفجيرات العليا لمدة سنتين وأربعة
أشهر ولم يثبت ارتباطي بأي من الأربعة الذين قاموا بهذه التفجيرات وأعدموا بعد ذلك، لكن كانت لي علاقة بأشخاص يعرفونهم وفي الفترة
من عام 1994 إلى وقت إيقافي كانت لي علاقة وطيدة
بمجموعة من شباب الجهاد الأفغاني الذين تعرفت عليهم في منطقة الحجاز.
ثقافة التطرف
أروي لنا تجربتك في الفترة من 1994 إلى 1996 وقت أن تم إيقافك، كيف تشربت هذه الثقافة ومن الذي أوصل إليك هذا الفكر وما هي مقوماته؟
منذ عام 1985 حتى فترة الإيقاف قضيت هذه الفترة مع
الشريحة الدينية داخل السعودية التي ندرك أبعادها رغم
أنها ليست واضحة للمراقب من الخارج لأنها قريبة من بعض وهي كلها داخل
الإطار المنحرف لكن هناك ألوان مختلفة نحن ندركها كما
ندرك السحنى عندما نفرق بين الجهات والأقاليم ونقول هذا من المنطقة الجنوبية وهذا من
المنطقة الشمالية، وأيضاً كما نميز اللهجات نميز أيضاً هذه
الدوائر التي لم تصل إلى حد الفرز والمفاصلة الواضحة.
نحن لدينا كثير من الجهاد السلفي
ولدينا ما نسميه سلفية المدينة وهي التي تقوم على اتباع أقوال السلف والأئمة
الكبار لكن أيضا مع الولاء التام وعدم الخروج عن الحاكم وعدم تكفير الحكومة ولدينا
تيار الجهاد السلفي ولدينا جماعة التبليغ ولدينا تيار الشريحة الصحوية وما يعبر عنهم بالإسلام السياسي.
وعبر أكثر من ستة عشر عاماً كنت أمر عبر هذه الأطياف، لكن بداية التغير الحقيقي جاءت ومضاته منذ منتصف عام 1994، ففي ذلك العام كان قد أفرج عني قبل
شهر، وهذا العام أيضا كان منعطفاً هاما في تاريخ الصحوة في السعودية لأسباب
عديدة:
الأول : أنها كانت عقب نضوب أو ضعف أو
تراجع خطاب الإسلام السياسي في السعودية (سلمان العودةـ سفر الحوالي ـ ناصر العمر)، هذا الضعف جاء في مقابل خطاب ديني روحي كنا نسميه "سلفية المدينة"
كانت قائمة على وجود خطاب ديني يعارض الخطاب الصحوي المطروح مما سبب ضعف وتراجع التيار الصحوي عامة.
الثاني:
من بداية عام 1995 كانت مرحلة فراغ في الساحة من قيادات
الصحوة الإسلامية في السعودية حيث تراجع الكثيرون ممن انضموا لهذه الشريحة، ثم كانت مرحلة من الفراغ الهائل الذي ترتبت عليه أشياء كثيرة من ضمنها أن
الكثيرين أتيح لهم أن يقرأوا وأن يفكروا وأن ثمة صوتاً آخر وأتيح لهم أن يطلعوا
على أشياء لم تكن متاحة لديهم من قبل لوجود الضغط والزخم الجماهيري لتلك القيادات.
أنا
شخصياً حسب تجربتي الخاصة كنت ذات يوم في زيارة لأخي الأكبر وكان لديه مجموعة من
الكتب وكان من ضمنها كتب للمفكر المغربي محمد عابد الجابري، وهو يعلم إنني لا اقرأ هذه الكتب من موقف ديني، فقال لي أن هناك كتاب في اللغة العربية
لعالم أزهري اسمه "الجابري" قائلا وأعطاني الجزء الثاني من كتاب "نقد العقل العربي" أريدك أن تقرأه لأنه لابد أن تكون هناك أخطاء أريد أن توضحها لي، فكانت تلك الحيلة نوعاً من الخداع استخدمه معي
حتى اقرأ الكتاب.
وحينما
قرأت الكتاب أحسست أن شيئاً ما يحدث في داخلي فكل ما قرأته في كتب العقائد وعلم
الكلام وقراءاتي الخاصة أعاد ترتيبها وترتيب كل ما لدي من معلومات حيث أعاد فرزها وتصنيفها، كما أحسست أن شيئاً ما يجري في تفكيري
وبداخلي، بعدها وقع تحت يدي كتاب أسمه "المحنة"، وهو بحث في جدلية الدين والسياسة في
الإسلام للدكتور فهمي الجدعان وهو أستاذ في جامعة عمان
فقرأت الكتاب وأحسست إني أدخل طوراً آخر.. أحسست أن هناك إسلام غير الذي نعرفه وأنه الإسلام أرحب من أن يختصر بخطاب ديني
أو مدرسة دينية واحدة، وأحسست أن لدينا مشكلة مع الآخر المسلم الآخر،
والآخر غير المسلم من المسيحي واليهودي وغيرهم. أحسست أن هناك مشكلة نعاني
منها في خطابنا الديني وأن هناك أصواتاً تعبر عن الإسلام وتكون أكثر رحابة وأكثر
وسطية وأكثر تسامحاً وأكثر دعوة وتأثيراً في الجماهير كانت هذه هي النقطة الأولى.
لكني أيضاً حينها كنت لا أزال أرتبط بعلاقات وثيقة
مع كثيرين من شباب الجهاد.
وحينما
وقعت أحداث تفجيرات العليا كنت قريباً منهم بحكم
إنني دخلت السجن أكثر من مرة فقد تم إيقافي لمدة سنتين وأربعة أشهر
وكان إيقافي نوعاً من الإجراء فقط لورود أسمي ضمن لائحة
المطلوبين ولمعرفتي ببعض الأشخاص ولسوابقي الماضية، وبقدر ما كانت تجربة السجن قاسية على المستوى الشخصي بقدر ما
كانت نافعة جداً بالنسبة لي ومن بعدها قررت أن أخلع تلك العباءة
التي اكتشفت زيفها وأرتدي ثوبا آخر أكثر اتساقا مع نفسي
وديني.
عوامل شخصية
واجتماعية
هل كان قرارك راجع إلى الكتب التي
قرأتها أم الضغوط التي تعرضت لها؟
من الخطأ أن أرجعها إلى عامل واحد فقد
كان للقراءة تأثير كبير بلا شك لكن هناك عوامل أخرى اجتماعية تجعل الإنسان يعيش
أكثر من شخصيتين فالكثيرون حينما تجلس معهم وتناقشهم في الكثير من القضايا الهامة
المطروحة سواء على المستوى الديني أو السياسي أو الاجتماعي ستجد أن لديهم قناعات مختلفة عما يقولونه في وسائل
الإعلام، لذلك اعتقد أنها لا تعود إلى عامل واحد فالقراءة
كانت سبباً، كذلك تجربة دخول السجن للمرة الخامسة أعتبرها تجربة ثرية، أمر آخر وهو
الاستعداد الشخصي والقابلية لأن أكون دائماً معبراً وصريحاً وواضحاً في أفكاري
التي أقتنع بها وهذه المشكلة عانيت منها حتى في البداية حينما كنت مع المشايخ، فهناك إذن أكثر من عامل مؤثر في مراجعاتي
لافكاري.
هل تعتقد أن
الفراغ الذي حدث بتقلص تيار الوسطية قد أفسح المجال لتيار الجهاد الثوري؟
لا.. صحيح أنه كان ثمة فراغ لأكثر من
ثلاث أو أربع سنوات لكني أعتقد أن ردها إلى ذلك هو اختزال
للقضية فقد كانت هناك ظروف وعوامل خارجية وتحولات
محلية إقليمية داخلية بالإضافة إلى القضايا الدولية مثل قضية فلسطين وقضايا
الشيشان وأحداث سبتمبر كان لها أيضاً أثراً كبيراً جداً، فقبل أحداث سبتمبر لم يكن أحد يعي أو
يدرك أن" بن لادن" يتمتع بهذه الشعبية المكتسحة في المجتمعات العربية
عامة، كنا نستشعر وجود شيء من هذا لكن ليس بمثل هذه القوة فقد كان شيئاً مفاجئاً للجميع، والذين يعودون ذلك إلى تيار الوسطية فهم مخطئين
لأن الخطاب الديني الذي كان مطروحا من قبل هؤلاء كان مهيئاً لمثل هذه الصفات المتطرفة
وهذه هي المشكلة، لقد فوجئ أصحاب الفكر المتطرف أنهم مثل من أخترع وحشاً ثم تضخم عليه هذا
الوحش ولم يستطع أن يسيطر عليه . فحين تضع هذه الأسس الفكرية والقاعدة الدينية
الصلبة هذه ولا يكون لديك أية استعداد لتحمل نتائج ما حدث من ذلك فأنت تغالط
الحقيقة والواقع. فالخطاب الإسلامي لهذا التيار الذي كنت
أنتمي إليه لم يكن أبداً خطاباً وسطياً فقد كان خطاباً متطرفاً خطاباً متشنجاً
يبعث على الكراهية خطاباً قسم المجتمع إلى إسلامي وعلماني والعلماني أصبح كل من لم
يتفق معهم، رغم أنك لا تجد واحد في السعودية يستطيع أن
يقول أنه علماني لا في الصحف ولا وسائل الإعلام، لذلك فكثيراً ما تسمع منهم من يطالب
بحرية الكلمة وحرية التعبير عن الرأي ولكن حرية الكلمة لهم فقط وكذلك حرية التعبير أيضاً، فهم يطالبون بذلك وفي الوقت نفسه يقفون موقفاً متشنجاً مما عداهم.
وخير دليل على ذلك ما حدث بعد تفجيرات
الرياض حينما تم نقد كثير من الإسلاميين وأنهم وراء كل ما حدث وأنهم يؤثرون على الأطفال في المدارس الابتدائية
والطلاب ويؤثرون على آراء الناس في الشوارع والمساجد وقتها أصبح كل من انتقدهم علماني ومحارب
للدين.
الثقافة الأفغانية
تحاملت في حديثك على خطاب من كنت واحدا
منهم قبل أيام، واليوم ألصقت له مسئولية كل ما يحدث من نمو التيار
الفكري المنحرف لكن أين دور الثقافة الأفغانية التي وردت للملكة؟
أنا لا أنكر دورها لكن في الوقت نفسه لا أبرأ هذا الخطاب
الديني القائم على معاداة الآخر وشرعية اتهام كل من هو غير مسلم في نظرهم، وما حدث في أفغانستان لا يختلف كثيراً
عما حدث هنا بعد أحداث سبتمبر فحينما تقول لي أن كل من ليس مسلم ينبغي جهاده
وقتاله ولكننا لا نملك هذه لقدرة فهذا خطاب تحريضي، وأسامة بن لادن وكل ما لدينا حوله لم
يأت من فراغ ولا أدل على ذلك من أن أحداث سبتمبر لما حدثت لم يدينها أحداً منهم
وأيضاً أحداث الرياض لم تجد أياً منهم يرفع صوته مستنكرا
لها، فالمفجرون كانوا إذن أكثر تطبيقاً لأفكارهم لكني أعتقد أن هذا الفكر يواجه مشكلة كبيرة جداً وأنه بحاجة
إلى إعادة نظر وخصوصا فيما يتعلق بعلاقته مع الآخر غير المسلم فالإيديولوجية
الدينية لا تضمن حين توظفها أنها ستنتهي حينما تريد وذلك ما حدث فالإيديولوجية الدينية لا
تموت لأن الأفكار لا تموت فالأفكار تنبعث عندما تتوافر شروطها الموضوعية.
وإذا كان هناك من يقول إن الإيديولوجية الدينية وظفت لأغراض سياسية
نقول نعم حدث ذلك عبر التاريخ الإسلامي لكنه ظل خطاباً
دينياً لا نقول أنه متعال ومطلق عن الواقع لكن كانت هناك أفكار موجودة ومطروحة بإمكانها
أن توظف دائماً سواء يوظفها الفقيه ضد الفقيه الآخر، يوظفها السني ضد الشيعي،
يوظفها المحدث ضد المتكلم، يوظفها حتى أصحاب السلطات دون غيرهم، وقد سبق ووظفها المهدي السوداني لكنها ظلت
أيديولوجية دينية مستقاه من الكتاب والسنة وترجع إلى النص، لذلك الآن المفتيين والمراجع الحقيقية
لشباب الجهاد الآن ستجد لديهم الكثير من فتاوى العلماء السابقين وستجد من ضمنها ربما نقولات عن سيد قطب
وغيره ذلك أن طبيعة الفكر دائماً أنه قابل للتلقيح
والتأثير.
في ضوء الحوار الوطني الذي صار مؤسسا
بشكل رسمي حاليا ألا ترى أن القيادة
السياسية تحاول تعديل تلك النظرة
الأحادية والعلاقة مع الآخر؟
النظام السعودي دائما كان أكثر تسامحاً تجاه المواطنين سواء كانوا من الشيعة أو
الإسماعيلية، وفي منتصف السبعينات كان هناك تحول في
الخطاب الديني عامة كان تحولاً نحو الإسلام المسيس أتى ثماره في الثمانينات يسمى
بـ" ظاهرة الصحوة الإسلامية"، كان الأمر إذن أكثر تسامحاً في الستينات وبداية
السبعينات.. ثم أن الحوار الوطني الذي تم والتوصية والبيان الذي صدر في ختامه عكس خطابات الإسلام الصحوي، وبالتأكيد
فإن ما حدث يعتبر خطوة أولى جيدة ونتمنى أن تكون هناك خطوات أخرى على ذات
الطريق فالمواطنون كلهم سواء في حقوقهم وواجباتهم.
في تصورك ما هي الخطوات التي لابد أن
تحدث بعد إقرار مؤسسة الحوار الوطني؟
لابد أن يفسح المجال الإعلامي لشتى الطوائف فمن حق كل إنسان أن يعبر
عن دينه وأن يمارس عقيدته فالمسلمون عبر تاريخهم كانوا يؤمنون بالتعدد والتنوع وكان للجميع الحق في أن يمارس شعائر عقيدته كيفما يشاء، وإذا كان المواطن
السعودي يريد أن ينال حقه عبر الحقوق المشروعة والقوانين
الإنسانية فلابد أن يعلم أنه حتى في وطنه هناك آخرون يمارسون دينهم وعقيدتهم
وطقوس دينهم بطريقتهم الخاصة فذلك حق للجميع.
والخطوات التي يجب أن تتخذ هي أن نكون أكثر
تسامحاً حتى على مستوى المذاهب الفقهية الأخرى وقد جاء ذلك بالفعل في توصيات الحوار الوطني فلابد أن تأخذ
المذاهب الفقهية فرصتها في التعبير عن نفسها. فلدينا مالكية وشافعية وأحناف ولابد أن
يعلم الناس أن هناك أقوام أخرى داخل الدين وبإمكان الإنسان أن يقول الأصوب والأسهل
بالنسبة له.. فإذا وجدت هذه الأشياء ستكون هناك
خطوات إيجابية في المستقبل.
إسلامي
وليبرالي
في العلاقة بين الإسلامي والليبرالي يلاحظ وجود تقارب بينهما حاليا على مستوى التفكير وتلاقي المثقفين وغير ذلك! هل يمكن
اعتبار ذلك بداية تغيير حقيقي؟
لابد من الإقرار أن هذه الظاهرة لم تأخذ طور التشكل النهائي فالمجتمع
السعودي حديث العهد بالثقافة والتعليم فهو مجتمع أمي عرف التعليم منذ خمسين سنة
والنساء لم يعرفن التعليم إلا في الستينيات من القرن
الماضي.
بعد التحول
الفكري الذي طرأ عليك، ماذا تقرأ الآن، إذ ربما
يعكس ذلك رؤيتك لما يحدث على الساحة حاليا؟
اقرأ مراسلات طاغور وغاندي ونهرو، وأنا أرى أن ليبرالية الفكر والعقيدة
وجهان لشيء واحد وأن كنت لا أصنف نفسي إلى أي طائفة لكني أؤمن بالإنسان وحقه في التعبير عن
رأيه وحقه أن يعتنق ما يشاء من الفكر وأؤمن بكرامة الإنسان وأؤمن بالديمقراطية.
وهناك كلمة لعالم معروف توفى في منتصف
التسعينيات يقول: "لو أتينا بالملكة اليزابيث لتحكم اليمن لتحولت إلى الإمام أحمد وإذا أتينا بالإمام أحمد
ليحكم بريطانيا لأصبح هو الملكة اليزابيث"، أي أن
الإنسان لا يمكن أن يكون إلا وفق ما هو عليه.. نحن بحاجة إلى قرارات تاريخية حاسمة
يقوم بها أشخاص على مستوى المسئولية وهذا ما اعتقد أنه
سيحدث في القريب.