الأحد، 8 مايو 2022

حوار مع د.محسن العواجي في فترة الراحة من الاعتقال!

 


محسن بن حسين بن عبد الله العواجي بدأ حياته السياسية أثناء دراسته للدكتوراه في بريطانيا تذوق خلالها قيمة الحرية السياسية وإعداد الدستور واللوائح والانتخابات والاجتاجات وغير ذلك من المصطلحات والمواقف التي كانت جديدة على بيئته المحافظة داخل السعودية قبل ابتعاثه  

تعرض للاعتقال في حياته مرات عديدة من قبل النظام السعودي خلال الأعوام 1991 و 1994 و 2006 و2013  وآخرها في 2018، ولا يزال رهن الاعتقال.
 
التقيت والدكتور العواجي بمدينة الرياض عام 2003.. كان خلالها فيما يمكن تسميته فترة راحة من سنوات الاعتقال، وكان هذا الحوار الذي كشف فيه عن جانب من أفكاره ومبادئه السياسية.
 
***
 

5 سنوات أمضاها هذا الرجل في المعتقل، ربما لأنه كان يرفض الآخر ولا يعترف بالتنوع ولا يؤمن بأن هناك من يعيش إلى جواره ومن حقه أن يختلف معه، وربما لأن من حوله لم يقدروا على سماع من يعارضهم ولم يتعودوا إلا سماع الصوت الواحد.. وأيا ما كان السبب الذي من أجله دخل محسن العواجي المعتقل فلا شك أن هذه السنوات الخمس فعلت شيئا ما داخله! المهم أنه خرج ليجد من حوله قد تغير أيضا وصارت لغة الحوار هي المفروضة وعلى الجميع أن يقبل بالتعايش الآمن في الوطن الواحد، وهذا ما حدث وتؤمن القيادة السياسية في المملكة بأنه الطريق الوحيد للحفاظ على مكتسبات الدولة الواحدة القوية.

وإذا كان ما يحدث على الساحة السعودية من تحاور ورغبة في تقبل الآخر ليس بغريب على دولة تستمسك بثوابت الدين الذي أرسى دعائم الحوار حتى مع الآخر الديني، فإن المثير أن يتحول الرجل من صاحب فكر أحادي لم يتعود سماع رأي مخالف إلى صاحب موقع إعلامي يدشن الحوار ويرحب بالرأي المخالف.

د.محسن العواجي، صاحب أول موقع سلفي على شبكة الإنترنت، ولأن موقعه الفكري كان في أقصى اليمين من هذا التيار جاءت المفارقة، أن يسمح بنفسه وينشر آراء تتعارض كليا مع ما كان يدعو إليه من أفكار.. نجح الموقع وكثر زواره وأصبح يعبر بصدق عن شريحة عريضة من المجتمع السعودي، بل إن بعض الباحثين الغربيين يعتمده كوسيلة علمية في قياس اتجاهات الرأي العام السعودي ومعرفة مدى تطور الحوار الفكري الداخلي.

في الرياض العاصمة التقت "الوطن العربي و الأستاذ الجامعي الدكتور محسن العواجي وكان هذا الحوار الذي نستطيع من خلاله رصد التطور المجتمعي في المملكة العربية السعودية. 

يشكل موقع الوسطية علامة فاصلة بالنسبة للمثقفين السعوديين، وإلى حد ما يمكن تأريخ مواقفهم استنادا إليه، فيصبح الانعزال وأحادية الرأي سمتا لمرحلة ما قبل الوسطية والجرأة والاستماع للآخر صفة المرحلة التالية..إلى أي حد يمكن القول أنكم ناقشتم قضايا الوطن في هذا المنتدى! وهل بالفعل كانت لهذه الحوارات تأثير في الساحة السعودية؟

الإشكالية أن هناك أشياء كثيرة في السعودية لابد أن نناقشها ولحساسية القضايا ليس من السهولة أن يجد الإنسان المدخل المناسب لكي يعرض القضية وذلك سر مأساة المثقف العربي بصفة عامة، والستار الحديدي الذي كان يعاني منه الاتحاد السوفيتي والشيوعية ليس شيئاً بالنسبة للستار الحديدي الذي كنا نعاني منه فكرياً، فالمدرسة الدينية كانت منغلقة على نفسها لدرجة أنها كانت تعيش خارج العالم ومن الممكن اعتبارها في كوكب آخر، ولكن عندما بدأت الأسوار تتحطم وجدت تلك المنظومة نفسها تتعرض لهجوم لم تحسب حسابه وبالتالي أصبح عندنا زلزال تمخض عنه ما يلي:

4 جماعات

·       جماعات متطرفة إلى أقصى اليمين تعتبر من مثلي خارج عن الدين.

·       جماعات أو توجهات هي أقرب ما تكون للبروتستانت في التاريخ النصراني، فهم أناس أصلهم طلبة علم ومحسوبين على التيار الديني لكنهم نفروا وابتعدوا وتمردوا على كل ما هو تقليدي وتراثي.

·       تيار وسطي يحاول أن يجمع كلا الطرفين لأننا جميعا في قارب واحد، والمصيبة أن كلا الطرفين يملك من الأدوات ما يعبر به عن موقفه إما قولاً أو عملاً سواء في وسائل الإعلام أو منابر المساجد.

·       مجموعة المسلحين وهذا أسوأ ما يهدد استقرارنا، ليس في السعودية فحسب وإنما في الوطن العربي كله، فدخول المسلحين الساحة أصاب المجتمع بتصدع كبير وما حدث للأمريكيين مجرد شظية من شظايا الانفجار البركاني الذي صار في أوطاننا بعدما تحطمت الأسوار الحديدية وبعدما جاءت العولمة، في البداية كان التغيير على استحياء ثم جاءت القنوات الفضائية بكل عنفوانها وحطمت كل شيء وأصبح المواطن العربي الآن لا يلتفت لإعلامه المحلي إلا للتسلية فقط، أما إذا أراد معلومة فإنه يتجه لقنوات العدو قبل الصديق فيجد فيها ما يروي ظمأه ويشفي غليله.

الحرس القديم

في هذه الأجواء أردنا أن نمسك بالوسطية، نريد أن نتمسك بثوابت الدين المعلومة ثم أضفنا عليها الثوابت الشرعية من مدرستنا الدينية السعودية، أي أننا تمسكنا بثوابت الدين الذي نزل به الروح الأمين على محمد صلى الله عليه وسلم تلك التي يختصرها حديث رسول صلى الله عليه وسلم للأعرابي حين جاء يسأله عما فرض الله عليه، وبعد أن عرفها قال "والله لا أزيد" فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن قال "أفلح إن صدق"، فهذه الثوابت إذن هي ما نتمسك به حاليا لأننا نريد أن نبين للناس من خلال طرح وسطي ما يلي:

أولا: أن ضوابط الدين المعلومة بالضرورة هي الضوابط التي أجمعت الأمة عليها وهي وحدانية الله عز وجل، القرآن الكريم، أركان الإسلام، البعث، وتلك هي الأشياء التي لا يختلف فيها مسلمان ومن تمسك بها منا فهو مسلم له علينا كل حقوق المسلمين.. بعد ذلك نختلف ونقاتل بعضنا البعض كيفما شئنا بشرط ألا يكفر بعضنا بعض، وفي ذلك يقول علي رضي الله عنه لمعاوية: "والله إن ربنا واحد وقبلتنا واحدة وديننا واحد ورسولنا واحد وكتابنا واحد إلا أنهم يتهمونا بقتل عثمان ونحن منه براء"، هذا هو الخلاف.

ثانيا: نريد أن ندخل أدبيات الحوار الإسلامي وليس الحوار القبلي أو حوار العصبيات، والسؤال عند تطبيق هذا الهدف "كيف لنا أن نحقن هذه الحقنة في هذا الجسم المتحجر دون أن يشعر أننا نصفه بالتحجر!"، إن الجانب السيكولوجي لا يمكن إغفاله وهذه مهمة شاقة جداً ولا يمكن أن تتم إلا من خلال الجيل الذي تربى في بيئة التقليدية المحافظة.

من هؤلاء الذين تقصدهم؟

نحن مثل كل المجتمعات الإنسانية لدينا نقاط ضعف، وهناك ما يسمى "بالحرس القديم" في التركيبة الدينية الذي لابد أن نحيده فهو لم يذهب خارج منطقته ولذلك يواجه مشاكل كثيرة، وحميتنا الدينية والوطنية تدفعنا لأن نبين للناس أن باب الجنة ليس من هنا وأنهم ليسوا حراسه ولا يستطيع أحد في الدنيا أن يزعم ذلك لأن الله يقول لمن هم أفضل منا جميعا وهم الصحابة رضي الله عنهم "وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم"، كذلك لا يمكننا أن نتجاهل أمر الواقع العربي ولو كنا مؤهلين ولدينا الخيارات لبحثنا عن خيار أفضل وما ترددنا لحظة واحدة، لكننا أصلاً لم نطبع لغة الحوار فيما بيننا ولذلك لا نستطيع إلا أن نستفيد من الأوضاع التي تدور حولنا، نحن نتبع توصيات نيكسون في اقتناص الفرصة، ففي حرب العراق الأخيرة أنشأنا الحملة العالمية لمقاومة العدوان ولو لم نفعل ذلك وقتها ما تركتنا أغلب الحكومات العربية، فهي إذن فرص نحاول أن نقتنصها بما نزعم أنه ذكاء والتوفيق بيد الله عز وجل.

معالم الوسطية

حسنا، فلنعد إلى منتدى الوسطية.. منبركم على شبكة الإنترنت!

معالم الوسطية بكل بساطة هي رد الناس إلى الأصول الثابتة فعلاً ونبرز الإضافات الاجتماعية التي نحاول أن ننبذها ونستبعدها لنطبع لغة الحوار وتحمل الرأي الآخر، ونحاول أيضا أن نقنع الناس الذين كانوا على مر عقدين من الزمن والذين يصفهم الإعلام أنهم أفضل الناس وأفضل البشر وأحسنهم عقيدة نحاول أن نقنعهم أنه إن لم تكن الأسوأ فعلى الأقل لست الأفضل.

يقال دائما أن أصحاب الفكر الوسيط هم أكثر الناس تعرضا للتراشق من الواقفين على يمينهم أو يسارهم، ما مدى الإصابات التي طالتك باختيارك موقع الوسطية؟

لقد أنشأت موقعاً أقوم بالأشراف عليه بنفسي ولابد أن أتحمل القذف من الطرفين فقد وجدها التيار الإسلامي الليبرالي فرصة فمن يشرف على هذا الموقع شخص محسوب على السلفية ورغم ذلك يطرح هذا الطرح الليبرالي الهادف وأنا أرحب بهذا، أما الجانب الآخر" المحافظ " فقد اعتبروا ما يحدث من خلال موقع الوسطية بمثابة "ثغرة في سد مأرب" وأن الطوفان سيأتي من خلال ما ينشر، ولكن لا الليبراليين أحسنوا التصرف من خلال تجربة الثلاث سنوات الماضية ولا المحافظون أحسنوا التصرف.

وقد تطور الأمر بعد ذلك إلى إصدار بيانات تكفير وقد تقبلت السهام من الطرفين وتحملتها طيلة سنتين ونصف دون أن يشعر أي طرف أنني منحاز إلى الآخر، وفي رأيي أن الناس لم تتعود على النقاش والحوار وتجربة موقع الإنترنت يرتاده كل يوم أكثر من خمسة عشر ألفا أو أكثر، كيف يتسنى لهؤلاء أن يحلوا مشكلة أو يتفقوا! فهؤلاء هم جزء من التركيبة العربية بل هم عنصر أصيل فيها ومن طبيعتهم ألا يتفقوا.

أضف إلى ذلك أن المجتمع السعودي مازال في بداية استخدامه للإنترنت أي في بداية التنفيس العام في جميع الاتجاهات، وهو الآن يجد نفسه يتحدث إلى وسيلة نشر مباشرة وباسم مستعار فهو يظهر بشخصية غير عادية على أمل أنه بعد "التنفيس" يمكن أن يرجع إلى شخصيته الطبيعية، لذلك نجده مسرور جداً من الإنترنت ومن السب والشتائم الموجود باسم مستعار فذلك يشبه "القيح" الذي لابد أن نتخلص منه حتى يسلم الجسم.

هؤلاء الذين كانوا لا يقبلون أي رأي مطلقاً يخشى عليهم الآن أن يكونوا ليبراليين، لذلك فإن الإسلاميين الليبراليين المتعقلون ـإن صح التعبير ـ ومن يطلق عليهم وسطيين هؤلاء يكتسبون الساحة حاليا، أما الليبراليين الذين هم بقايا القوميين فلا سوق لهم عندنا إطلاقاً لأن الدين هو السائد ولابد أن يتمسك الليبرالي بالدين لكي يكون مقبولا، والمستقبل لهؤلاء المفكرين، سواء كانوا إسلاميين أو مثقفين، الذين يطرحون طرحاًُ وسطياً شجاعاً مباشراً يتحدثون عن آلام الناس ومعاناتهم ولا يقصرون الإسلام في شعائر محدودة كما يفعل "الحرس القديم" حينما كانوا يشعرون الناس أن ذلك هو الإسلام.. الآن تتم مناقشة حقوق الناس بكل شفافية من عدل اجتماعي وعدالة توزيع الثروة وما هي الطريقة المثلي التي يعبر بها الناس عن آرائهم بحرية وكيف يختار الناس ممثليهم، وغير ذلك من قضايا.

إذن الوسطية تعكس حال المجتمع السعودي في التقلبات الحالية؟

مع الحفاظ على هويته لأنه مجتمع مسلم.

من خلال موقع الوسطية هل لاحظت من أي الأجيال أغلب الزوار؟

يبدو أنهم ما بين العشرين إلى سن الخامسة والثلاثون أي الجيل الذي تربى على أفكار وقيم واردة من الخارج.

حسنا يبدو أنك قرأت أفكاري، في السعودية أيهما الأوسع انتشارا حالياً المقولب أي "المعلب" أم هؤلاء الذين أطلعوا على ثقافات أخرى وغيروا من أفكارهم؟

تيارات متلاطمة

قبل وجود القنوات الفضائية كانت الأغلبية الساحقة ممن أسميتهم "المعلبلكن بعدما جاءت القنوات الفضائية أصبح المعلبون أقلية ولهم علينا حق الرأفة والرحمة والشفقة لأننا أصلاً لا نريد أن نضر أحد نحن فقط نريد الوعي وأصبحنا قلقين على انفتاح غير المعلب لأن ذلك مشكلة فنحن لدينا إطار معين ونريد أن نمارس حريتنا الثقافية من خلال هذا الإطار.

الآن نحن مهددون لأن هذا الإطار أصبح تحت ضغط رهيب جداً من هذه التيارات التي أصبحت متلاطمة داخل هذا التيار فكل منها يبحث عن الحقيقة وبما أنه لا توجد قيادة علمية متميزة تكون محوراً لهذه التيارات فقد ينفلت الأمر وهذه إشكالية كبيرة ونحن لا نريد أن تستنسخ تجربة الكويت التي تعاني الانشطار الحاد فنجد لديهم حرية لكن ليس هناك مدرسة جامعة  تملأ الفراغ وذلك عكس الأزهر الذي كان يمثل لفترة طويلة محوراً يحظى باحترام شريحة عريضة من العالم الإسلامي وليس المصريين وحدهم، وكنا في السعودية نرى أن الأزهر بدعة وضلال والآن حينما جاءت العولمة وجدنا الأزهريين والأخوان المسلمين أكثر قدرة على التعايش مع العولمة من كثيرين لا يعرفون كيف يتصرفون.

في بداية التسعينات من القرن الماضي برز جيل جديد من الشباب العربي، فخرج سفر الحوالي أستاذ العقيدة في جامعة أم القرى حيث نزل القرآن ليناقش مشايخه ومنذ تلك اللحظة أصبح سفر الحوالي رمزا لا يستهان به إلى الآن، المجتمع إذن تغير والناس أيضا ولم تعد الأجيال الصاعدة كما قال الفرزدق "ما قال لا قط إلا بتشهده".

هل نستطيع القول أن أصحاب التيار الديني المستنير هم الذين يمتلكون زمام المبادءة دائما في المملكة العربية السعودية؟

موقع الوسطية كان أول موقع له علاقة بشخص من التيار الديني في السعودية لذلك توجهت إليه الأنظار وشارك بالكتابة فيه مجموعة من الأخوة بأسمائهم الصريحة وقدموا بالفعل طرحا جديدا، وفي خضم هذا الصراع تم إرساء الضوابط على مرحلتين:

في المرحلة الأولى خرجت مجموعة ممن دخلوا الموقع وأسسوا موقعا آخر أسموه "طوى"، وقد حدث ذلك لأننا لم نكن لنسمح لهم بتلك الحرية المطلقة التي يسبون فيها كل شيء حتى الدين والقرآن ويمجدون الشيطان، لن نسمح بذلك وهناك حد لابد أن يقفوا عنده.

المرحلة الثانية جاءت بعد حوالي سنة ونصف من إنشاء موقع " طوى" وكنا قد بدأنا نشدد بعض الشيء حيث لاحظنا البعض ينتقد بطريقة حكيمة ويسبون بطريقة لبقة بعض الشيء، فلما ضيقنا قليلاً خرج موقع آخر هو " المحاور " جميع كتابه من أبناء الوسطية.. موقع الوسطية إذن كالثانوية العامة خرج كل هؤلاء ليذهبوا إلى هذه المعاهد.

لكن لماذا لم يتسع لهم منبر الوسطية؟

لأن كل طرف يريد مني أن أحكم على خصمه ثم نقول إنه حوار، ولكن لابد أن يحكمنا دائما      منطق الحوار فإذا هزمك صاحبك بمنطقه وهو متأدب فذلك معناه أن كلاكما كفء، وفي البداية كنت أتعامل معهم كالطبيب النفسي أحاور كل منهم بلغة حتى أشتد عود هذا الموقع وقوي ثم تمخض عنه مجلة اسمها "الوسطية "وهي مجلة شهرية استكتبنا فيها الواقع ويشرف عليها أساتذة أفاضل في مقدمتهم من مصر د.محمد عمارة والأستاذ فهمي هويدي، وقد تعرضت المجلة لما تعرض له موقع الإنترنت من هجوم وتأييد حيث عرضنا خلال أحد الأعداد ملف كامل عن التكفير فكان هناك من يؤيده ومن يرفضه لكن المجلة عموما تتميز بأنها أكثر انضباطاً من الموقع.

المثقفون والتغيير

من خلال تعاملك مع موقع الوسطية هل تعتقد أن هناك تغييراً يحدث في المجتمع السعودي؟

في الواقع ما يحدث هو تغيرات ونحن رغم زعمنا بأننا مثقفين لكننا في الواقع غير قادرين على الاستيعاب وفي مواسم الأحداث الكبار نشعر بأنه هناك قابلية للنقد واستعداد لتطوير بعض آليات الإصلاح السياسي والاجتماعي والمالي بشكل يختلف تماماً عن السابق لذلك أعتقد أن المجتمع السعودي يختلف تماماً عن ذي قبل ولا وجه للمقارنة مع الفترة السابقة.

لقد خرجت من السجن عام 1999 ولم تمر ثلاث سنوات إلا وحدثت تطورات على الصعيد المحلي تمثل فتحاً فهي كالزلزال الذي أحدث صدوعاً في صخرة صماء فتحرك الماء الزلال من بين هذه الصخور وذلك ما حدث، واعتقد أنه منذ عام 2001 إلى الآن ومع توالي الأحداث أننا وصلنا إلى درجة من التشبع فيما يخصنا فالهامش الذي كنا فيه كاف لأن نقف كمواطنين ثم نرجع إلى الوراء ونرمم ونصلح ما هو موجود قبل أن نطالب الحكومة بالإصلاح.

أنت إذن على عكس ما يقوله البعض من أنه جاء دور الحكومة لتدعيم لغة الحوار وتعزيز الإصلاحات؟

الحكومة الآن تقريباً اتخذت طريقها في دعم عمليات الإصلاح المطلوبة، بل لقد قبلت بالفعل وجود تيارات أخرى تخالفها في الرأي، ويكفي أن تعلم أن هذا التيار الوسطي هو الذي ينادي بالإصلاح الشامل الذي لا تكون فيه أية مجاملة، نحن ليس لدينا أي حسابات شخصية مع أي طرف ولدينا مشكلة واحدة هي الإصلاح الذي يجب أن يتم حتى نواكب من حولنا من الأمم. ونحن لا نريد إصلاحا على النمط القطري أبداً، وإلى حد ما النمط الكويتي مقبول رغم ما فيه من انشطارات إلا أن لديهم انتخابات حقيقية وبرلمان حقيقي، وكذلك النمط المغربي.

نحن نريد إصلاحا سياسيا، نريد قضاء مثل القضاء المدني المصري ولا بد أن يكزن القاضي مؤهلاً تأهيلاً شرعياً ولديه وعي كامل يجعله يدرك أنه حينما يتقاضى عنده اثنان مهما كان دينهما وانتمائهما فلابد أن يحكم بينهما بالعدل مثلما كان القاضي "شريح" الذي كان يحكم بين علي بن أبي طالب ويهودي فقال لعلي "أجلس يا علي" ولم يقل يا أمير المؤمنين أو فخامة الرئيس ثم حكم بينهما بالعدل دون النظر لهوية كل منهما.

خارج السور

استناداً إلى ماذكرت هل مجموعة الإسلاميين الليبراليين حالياً يشكلوا وحدة عمل واحدة أم أنهم جزر منعزلة؟

بداية لا أحب أن اسميهم إسلاميين ليبراليين إنما أسميهم وسطيين فأمة الإسلام أمة وسطية والإسلام دين وسط وكتابها كتاب وسط، لقد أطلقت عليهم ذلك قبل قليل حتى أميزهم عن المحافظين والذين يعتبروا متشددين وسلفيين وأحياناً يطلق عليهم حنابلة أو وهابيين، نحن لدينا تيار يبدأ من الإسلامي الليبراليين وينتهي بالليبرالية الإسلامية، ومن حسن حظنا أنه لا توجد لدينا أحزاب سياسية فلو وجدت أحزاب لأصبحت تكتلات صغيرة تتصارع فيما بينها مثلما يحدث في أي منطقة أخرى في العالم لكن بفضل الله الحكومة السعودية منعت جميع الأحزاب فأصبح الشعب السعودي خارج السور يشكل حزباً تلقائياً ولو بذلنا قصارى جهدنا لنكون هذه الوحدة في معارضة الفساد ما استطعنا، ويتميز هذا التيار في الوقت الراهن بميزة وهو أنه غير منظم إلا أن وجهة هذا التيار واحدة فهو يوجد نوعاً من الاحتكاكات الداخلية والتي تعتبر طبيعية إلى حد ما والتوجه العام له ينبأ بأنه تيار واعد ويملك في الوقت الراهن من الوعي ما يؤهله لينافس في ميدان الإصلاح السياسي ويراهن كبار الأمراء على استمرار هذا التيار.

هل الرأي العام السعودي مع هذه النخبة المثقفة أم غير مبال بها؟

الرأي العام يريد أن تحل جميع مشاكله سواء الاجتماعية أو الاقتصادية والمثقفين فقط هم الذين يستطيعون العزف على هذه الأوتار كالذي يقوم بحملة انتخابية في بلاد الغرب سواء كان جاداً أم غير جاد فإجادة العزف على احتياجات الناس تضفي جماهيرية غير طبيعية.

هل أنت متفائل بشأن المستقبل والحوار الوطني داخل السعودية ومن ثم الإسراع بعملية الإصلاح؟

نعم أنا متفائل لكنني متخوف من دخول عامل ثالث لا نحسب له حساب وهو " أمريكا" العدو اللدود لنا هنا في السعودية ولكل العالم الإسلامي، إذ لما دخلت أمريكا أفغانستان فبدلاً من أن تعطي صورة أنها رائدة حضارة أعطت صورة أنها رائدة حظيرة، وتكرر الشيء نفسه مع دخولها العراق فكما تلاحظ هم يكلفون يهودياً من جامعة نيويورك يعمل أستاذ مساعد في القانون ليرأس لجنة الدستور العراقي بحيث لا نجد كلمة إسلام ولا عروبة.

وأمريكا في حملتها الأخيرة ضد الإرهاب سحبت من مطالبها الإصلاح الديمقراطي، ولذلك هم خسروا ما يسمى بالرهان الحضاري والريادة الحضارية ولذلك فإن تخوفي من أمريكا يتركز في أن تأتي وتفرض نمط من الإصلاح لا نريده، ونحن العرب قد نختار ديكتاتورية أي حاكم قبل أن نعطي رامسفيلد أو أي شخص آخر فرصة ليعطينا فلسفته وكيف يكون الحكم في دولتنا، نعم لا تندهش من رؤيتنا فمن الممكن أن يزول هذا الديكتاتور بقدرة الله في يوم من الأيام لكن أن يأتي هذا المستغرب ثم يضخ فكره المستغرب بعد أن أفلس فذلك مرفوض.