الجمعة، 13 أكتوبر 2017

الكاروشي.. مرض بعيد عن العرب



نعم.. "الكاروشي" مرض جديد قادم من اليابان ولا تعرفه أغلب دول العالم الثالث وبالذات الدول العربية، والسبب سنعرفه في السطور التالية

ومرض الكاروشي ظهر حديثا  بعد وفاة فتاة يابانية بشكل مفاجئ وتم تشخيص سبب الوفاة علميا بأنه نتيجة الإفراط الشديد في العمل.

والكاروشي مصطلح ياباني يعني الوفاة المهنية المفاجئة نتيجة الإفراط في العمل، نعم الإفراط في العمل،  فهناك بعض الدول كاليابان والصين يعشق مواطنوها العمل إلى حد الإدمان وهو ما يؤدي بهم للوفاة، الأمر الذي أجبر الحكومة اليابانية مثلا على تقليص عدد ساعات العمل الإضافية لمنع الموظفين من العمل حتى الوفاة.

وبناء على المعطيات والمحددات العلمية التي صاحبت ظهور المرض وفسرت أسباب انتشاره، فمن المؤكد أنه لن يزور منطقتنا العربية على الأقل في المدى القريب أوالمتوسط، ذلك أن المرض ينتشر بين العمال الذين يتفانون في العمل أو يؤدون أعمالا شاقة.

الأسباب الطبية الرئيسية المعلنة للمتوفين بالمرض هي توقف القلب فجأة نتيجة الإجهاد الشديد، أوالحرمان من الطعام فترات طويلة، وقلة النوم، والإجهاد المفرط في العمل، والعمل تحت الضغط، وهي كلها أسباب يفتقدها المواطن العربي ربما باستثناء قلة النوم نتيجة السهر لفترات طويلة أمام البلاي ستيشن وصفحات التواصل الاجتماعي!!.

والحقائق تؤكد أن العامل العربي من أقل العاملين في العالم إنتاجية، إذ كشف الاتحاد العربي للتنمية البشرية في آخر تقرير له  أن معدل إنتاجية العامل العربي هو من أقل المعدلات في العالم، ويبلغ متوسط ساعات العمل الحقيقية التي يؤديها العامل العربي  18 دقيقة في اليوم، بينما يبلغ معدل العمل الفعلي للموظف في الدول المتقدمة اقتصاديا مثل  اليابان وفرنسا وألمانيا أكثر من 7 ساعات يوميا.

وفي الدراسة ذاتها  تبين أن السوداني ينتج بمعدل 20 دقيقة، والجزائري 22 دقيقة، وينتج المصري 30 دقيقة في اليوم. أما دولاً عربية مثل الإمارات والسعودية والأردن وتونس فقد قطعت خطوات جادة وناجحة في مجال زيادة إنتاجية الموظف الحكومي، وجاء ذلك من خلال توظيف جاد لتكنولوجيا المعلومات والتقنيات الحديثة في هذا المجال.

الإنتاجية ليست كلاما إنشائيا منمقا نصفه، بل ضرورة ماسة لكل اقتصاد وشركة ومؤسسة، فهناك علاقة مباشرة بين الشعوب المنتجة والازدهار الاقتصادي والنمو وتحقيق الشركات الربحية وغيرها. ولذا، لا بد من أن ندرك جميعا أن الإنتاجية هي المسطرة التي نقيس بها القيمة المضافة للفرد في عمله وهي أول خطوة لإصلاح البيئة المتراخية.

الإنسان العربي لم يخلق كسولا، بل البيئة المحيطة به هي ما قتلت فيه الحماسة والنشاط، لأنه لا يرى حافزا يدفعه للإنتاجية، فهو يلاحظ أن المتراخين والمتزلفين والمتملقين وأصحاب الحظوة هم من يصعدون السلم الوظيفي بسرعة البرق! ولذا، لا بد من إعادة النظر في آلية التقييم، للوصول إلى الحد الأدني من تقويم الأداء العادل، وفق احدث الطرق العلمية الحديثة.

والمثير في الدراسات العلمية التي تناولت موضوع العمل من حيث قيمته وتأثير ذلك على التنمية ورفاهية المجتمعات العربية، ما أظهر استطلاع صادر عن مؤسسة "يوجوف" البريطانية المختصة بالدراسات التسويقية على الإنترنت، من أن العمل لمدة 7 ساعات فقط يوميا يؤدي إلى زيادة إنتاجية الفرد، على الرغم من أن متوسط ساعات العمل للموظف البريطاني حوالي  8 ساعات ونصف يوميا.

كما أثبتت تحليلات السوق الصادرة من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن أكبر 10 دول من ناحية إجمالي الناتج المحلي السنوي، 7 منهم ضمن قائمة الدول صاحبة الأقل ساعات عمل في العالم وفقا لتقرير نشرته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية.. وهذه الدول هي "لوكسمبورج، والنرويج، وأستراليا، وسويسرا، وهولندا، وألمانيا، والدنمارك، والولايات المتحدة، وأيرلندا، والسويد".

ودخلت منظمة «غالوب» العالمية على الخط أيضا بدراسة شملت 142 دولة، ونشرت قبل فترة، تبين من خلالها أن 35 % من العاملين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا غير منتجين وأن 55 % منهم يفتقدون الحافز، وهو ما اعتبر «أعلى نسبة في العالم»، وفق ما نشرته صحيفة القبس.

في وقتنا الحالي أصبح مقياس تقدم الأمم هو إنتاجيتها،  وقد ضرب عدد غير قليل  في العالم المتقدم مثلا رائعا لذلك ، مثل اليابان وأمريكا و إنجلترا  والسويد وغيرها، في هذه الدول يعمل المواطن 8 ساعات يوميا وفقا لقانون العمل في بلاده، يأخذ منها ساعة للراحة والغذاء، وباقي الساعات السبعة يعمل فيها بكل جد وإخلاص.

أما العامل العربي فأغلب وقت العمل عنده ضائع في الوصول المتأخر إلى مكان العمل، والخروج المبكر منه، وقضاء الوقت في المحادثات الهاتفية والدردشة غير الضرورية، وتصفح شبكة الانترنت والمواقع الاجتماعية لأسباب لا علاقة لها بالعمل، والتدخين المتكرر، والخروج لتناول الطعام أو القهوة .

مما لا شك فيه أن نقص التدريب والتطوير، وعدم تفعيل مفهوم إدارة الجودة الشاملة TQM من خلال حساب معدل إنتاجية كل موظف ووضع مستهدفات خدمية له يتم تقييمه ومكافأته أو محاسبته عليها، يعتبران عنصرين مسببين لما سبق إضافة إلى عدة أسباب أخرى منها غياب المحفزات والدوافع التي تجبر الموظف على الإبداع وأداء ماهو مطلوب منه.

والتحدي الأبرز للعالم العربي اليوم هو الاستثمار في الإنسان العربي واتباع النموذج الغربي الذي ينفق من 2 ـ 5% من مجموع أجور العمل في  عملية تدريب مستمرة تحقق النجاحات الاقتصادية المرجوة في جانب الإنتاج.

عموما لهؤلاء الذين يخشون "الكاروشي" إذا ما أُجهدوا في عملهم وارتفعت انتاجيتهم لسبع ساعات على الأقل، لهؤلاء نعرض روشتة طبية قدمها عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة وزميل معهد الطفولة بجامعة عين شمس الدكتور مجدي بدران عبارة عن  12 نصيحة تحد من مخاطر "الكاروشي" وتحمي الإنسان من الوقوع في براثنه وهي:

الترفيه، والتوقف عن التدخين، والنوم لساعات معقولة، وممارسة الرياضة، والغذاء الصحي المتوازن، وضبط نسبة السكر والملح، والتقليل من التوتر، والفضفضة، والعمل بروح الفريق، والحصول على قسط مناسب للراحة، وقضاء الإجازات في مناطق غير مزدحمة ويستحسن في المناطق التي تنتشر بها الخضرة والأشجار، والتوقف فورا عن العمل لو شعر الإنسان بالإجهاد المفاجئ.

*محمود صادق