الثلاثاء، 27 يناير 2015

ثقافة الحوار في التكوين الفكري لخادم الحرمين عبد الله بن عبد العزيز





حينما سمعت نبأ وفاة خادم الحرمين عبد الله بن عبد العزيز، تذكرت مجموعة من الحوارات الصحفية كنت قد أجريتها في المملكة العربية السعودية عام 2003 ميلادية ، وفي ذلك الوقت كان عبد الله ما زال وليا للعهد رغم أنه حينها كان الذي يدير مقاليد الحكم في البلاد نظرا للحالة الصحية لخادم الحرمين الأسبق الملك فهد بن عبد العزيز.
وكان من بين الذين حاورتهم المفكر الإسلامي  الدكتور عوض القرني الذي ركز في حواره معي على الدور الذي لعبه ولي العهد آنذاك (عبد الله بن عبد العزيز) في إرساء مبدأ الحوار بين أطياف المجتمع السعودي وأنشأ لذلك مركز دائم للحوار الوطني ليكون بديلا عن حوار (الرصاص) الذي أنتشر ذلك الوقت في أرجاء المملكة.
لقد كان خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز يؤمن بأن القضاء على الأفكار (المنحرفة) لا يتم إلا بمحاورة أصحابها وبيان الفكر الصحيح المستنير ليكون بديلا عن تلك الأفكار الظلامية التي سيطرت على عقولهم، وهذا الإيمان الراسخ بأهمية الحوار هو ما دفع الدكتور عوض القرني ليؤكد أن (ولي العهد) أكثر تقدمية من المتحاورين.
ولعل المطالع لحواري مع المفكر السعودي الدكتور عوض القرني يدرك كيف أن خادم الحرمين الشريفين رحمه الله أدرك منذ عقد من الزمان وأكثر أنه يمكن تأسيس دولة قوية تعتمد على ثوابت دينها الإسلامية ولا تنكر على الآخر أفكاره حتى لو أصابها كثير من (الشطط)، فالتدين هو الحياة لدى السعوديين لكن ذلك لا يمنعهم عن بناء دولة حديثة لا تنحرف أبدا عن مسارها الآلهي كبلد أختاره رب العالمين ليكون حاضنا للحرمين الشريفين وليحظى بكون خاتم الأنبياء وسيد المرسلين نشأ في بقعة من أطهر بقاع الأرض ثم أنشأ أول دولة في الإسلام بأرض المدينة المنورة، تلك الدولة التي نشرت نور الرسالة والدين الإسلامي في العالم بعد ذلك.
وفكرة الحوار بين المختلفين لم يطلقها خادم الحرمين لتحل المشكلات العضال بين السعوديين أبناء الوطن الواحد، لكنها كانت المدخل والمنطلق لتوسيع الدائرة والحوار مع الآخر المختلف عقائديا وهذا ما تم في العام 2007 حين التقي الملك الراحل بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر. وفي عام 2008 عقد في مكة المكرمة المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار. تلاه في يوليو (تموز) من نفس العام انعقاد المؤتمر العالمي للحوار في العاصمة الإسبانية مدريد بمشاركة ما يزيد على 300 من القيادات الدينية والنخب الفكرية والثقافية والسياسية.

وفي يوليو 2009، شكل المؤتمر العالمي للحوار والذي عقد في فيينا لجنة لمتابعة المبادرة ووضع الأسس اللازمة لتفعيلها ودراسة آليات تأسيس مركز عالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات.

وفي أكتوبر 2009 نظمت رابطة العالم الإسلامي مؤتمرا للحوار في جنيف، بعنوان «مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار وأثرها في إشاعة القيم الإنسانية» بمشاركة 150 شخصية دينية أكاديمية يمثلون مختلف أتباع الأديان والثقافات في العالم.
وفي أكتوبر 2011، قامت 3 دول هي: السعودية والنمسا وإسبانيا بالتوقيع على اتفاقية تأسيس «مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات»، المعروف اختصارا باسم «كايسيد» بحضور ومشاركة الفاتيكان كمراقب، وتأسيس هيئة تحضيرية لوضع الأطر الأساسية لتنفيذ الاتفاقية.
وفي 26 نوفمبر 2012، تم تدشين المقر الرسمي للمركز في العاصمة النمساوية فيينا، وبعدها أطلق المركز 3 برامج لتمهيد الطريق لحوار يهدف إلى تغيير المفاهيم الخاطئة المنتشرة عن الديانات المختلفة.
وربما كانت في هذه السطور القليلة ما يؤكد على الرؤية المستقبلية لخادم الحرمين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز ويدحض مزاعم رفض الآخر التي ينعت بها الغرب كثير من المسلمين والعرب خاصة.