السبت، 15 نوفمبر 2014

حكايتي مع "المصدر المجهول"



على مدار ثلاثين عاما، عمر تجربتي الصحفية، لم أكره في حياتي إلا هذا "المصدر المجهول" الذي يردده الصحفيون كثيرا مدعين أن "المصدر" رفض ذكر أسمه!.

وحينما كنت مسئولا عن تحرير جريدة الشرق الأوسط في مصر، كنت دائم الشجار مع الصحفيين الذين يتعاونون مع الجريدة لكثرة استخدامهم هذا "النعت" استخداما غير دقيق.

أفهم أن ينسب الصحفي ما يكتبه إلى مصدر "مجهول" إذا كان فيه معلومات يخشى أن تصيب المصدر بأذى وبالتالي فهو يخفي المصدر معتمدا على صدق المعلومة، لكن هذا نادرا ما يحدث، وغالبا ما تأتي الفقرات المنسوبة إلى المصدر "المجهول" مجرد عبارات انشائية أو سرد أرشيفي لا جديد فيه ولا خطورة منه.

وحتى لا يراجع أحد أرشيفي الصحفي ويلتقط منه ما يشير إلى تجهيل المصدر في بعض ما كتبت، أسارع إلى التأكيد بأنني بالفعل اضطررت إلى استخدامه عدة مرات ولكن مع تعديل في الصفة وإبقاء على اخفاء "المصدر".

أذكر أنه في بعض ما كتبت، كانت لدي معلومات لا يمكن أن يكون مصدرها إلا وزارة الخارجية، لكن لا أحد في الوزارة كان يريد أن يتحمل ردود فعل نشرها، لذلك اتفقت مع السفير "جهاد ماضي" المتحدث الرسمي باسم الوزارة في ذلك الوقت على أن أنسبها إلى مصدر "مطلع".. وهكذا ظللت استخدم هذا المصدر "المطلع" في معظم ما نشرت من معلومات لا يمكن أن "يُسربها" إلا مصدر في وزارة الخارجية، وبالتالي كان المصدر معلوما وواضحا لكل من يقرأ.

ما الذي ذكرني بحكاية المصدر "المجهول"؟
تذكرته وأنا أتابع عددا من المواقع المصرية على الشبكة العنكبوتية، يعجبني عنوان الموضوع فأضغط عليه لقراءته، لكن رغم استمراري حتى آخر سطر فيه لا أجدني قد حصلت على أي معلومة جديدة.

على سبيل المثال، نشر أحد المواقع المصرية الشهيرة هذه العبارة في سياق تقرير كتبه الزميل عن أحداث سيناء الأخيرة، تقول الفقرة (أكد جهادي سابق يقيم بالشيخ زويد -رفض ذكر اسمه- أن الجماعات التكفيرية بسيناء بدأت تغيير استراتيجيتها الخاصة بالتفجيرات؛ فلجأت للتقنيات الحديثة في زرع العبوات الناسفة وتفجيرها عن بُعد، بَعد أن كانت تلك الجماعات تستخدم "الانتحاريين" لاستهداف قوات الجيش والشرطة وهي الطريقة التي أدخلها لسيناء تنظيم "التوحيد والجهاد" خلال تفجيرات طابا وشرم الشيخ عامي 2004 و2005 وهو نفس النهج الذي سار عليه تنظيم "أنصار بيت المقدس" ولاسيما بعد اندماج الجماعتين عقب ثورة 25 يناير.)

والعبارة ليس فيها أي جديد، بل هي معلومات أرشيفية يتكرر نشرها مع كل حادث في سيناء، ولا خطورة على من يكررها، لكن الصحفي يريد أن يؤكد لقارئ الموضوع أنه لا يكتب كلاما مرسلا ولا ينشر معلومات أرشيفية مكررة لذلك لجأ إلى المصدر "المجهول" الذي يرفض ذكر أسمه مع أنه لا وجود لهذا المصدر كما أنه لا جديد فيما يقوله من معلومات.

وإذا كان "تجهيل" المصدر أمر مقبول في صحافة العقود الماضية، فهو أمر لا يمكن قبوله في عصر السموات المفتوحة وازدياد مساحة الحرية التي تسمح ليس بذكر المصدر فقط بل وعدم الخوف من نشر أي معلومة طالما كانت صحيحة، فالقارئ اليوم لن يرضى بأن يشتري الوهم، وقارئ الإنترنت بالذات لن يقرأ إلا ما يعتقد ويؤمن أن فيه جديدا وليس مجرد معلومات أرشيفية يستطيع أن يستدعيها بمحركات البحث في أي وقت يشاء.

ولكي أكون منصفا، وحتى لا يتهمني أحد بالتجني على الإعلام المصري، أؤكد أن حكاية المصدر "المجهول" هذه ليست من سمات الصحافة المصرية فقط، بل هي رافد مشترك يتكرر كثيرا في الصحف العربية عموما، وتلك من السمات السلبية التي أتمنى أن يقضي عليها الإعلام الجديد خاصة وأنه لا شيء غامض أو مجهول مع حرية تداول المعلومة وكثرة المواقع وتنوعها وارتفاع هامش الحرية السياسية  نسبيا في بعض الدول العربية.  

الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

مصر ما لهاش (كتالوج)


مصر ما لهاش (كتالوج) ذكرها سائق تاكسي لزميلي في العمل، والعبارة على بساطتها دقيقة في معناها عميقة في مغزاها، و(Catalogue) كلمة فرنسية تعني الدليل أو الفهرس أو الكتيب الذي يضم كل أسماء المنتجات والخدمات المقدمة من أي شركة.

والكلمة دخلت قاموس المصطلحات المصري منذ زمن الحملة الفرنسية على مصر (1798) وأصبحت متداولة بكثرة في الشارع المصري بين جميع الطبقات دون وعي لأصل الكلمة فالمهم هو مدلولها ومعناها.

وسائق التاكسي حين استخدم (كتالوج) كان يقصد أنك في مصر لا تعرف إجابة محددة لأي من علامات الاستفهام الخمسة من، ومتى، وأين، وكيف، ولماذا؟، فمثلا لا تستطيع أن تجد إجابة على سؤال (من المسئول عن توقيع هذه الأوراق الرسمية؟)، ولا متى استطيع استلام أوراق معاملاتي الحكومية؟، أو ما هي الرسوم المقررة على المخالفات المرورية؟.

بالطبع هذه الأسئلة مجرد أمثلة وما يعنيه سائق التاكسي أنك في مصر لا تعرف (مين رايح فين ومين مسئول عن أيه).. الأمور في بلادنا (سمك، لبن، تمر هندي) وهذا بالمناسبة مثل يشير إلى أن كل حاجة ملخبطه فهذه أشياء لا يمكن أن تجتمع أبدا.

مصر بلد فريدة من نوعها، ففيها تستطيع أن تفعل أي شيء في أي وقت وتستطيع أن تفعل الشيء ونقيضه، وربما تفشل في الحصول على ما تريد رغم أنك سلكت الطريق الصحيح وينجح غيرك مع أنه سلك طرقا ملتوية غير شرعية.

أذكر واقعة جرت لي منذ ما يقرب من عشر سنوات حين أردت تجديد رخصة القيادة، ذهبت إلى المرور المختص بدون كارت توصية أو حتى (صول) يساعدني في إنهاء الإجراءات الروتينية.. وقفت في الطابور، وبعد حوالي الساعة جاء دوري، تقدمت بالرخصة المنتهية طالبا تجديدها.

فوجئت بالموظفة الجالسة وراء حاجز زجاجي تصرخ بأعلى صوتها (عايزه شهادة مخالفات، وشهادة من دكتور باطنه، وشهادة من دكتور عيون، وطابع شرطة ودمغة، و... تروح تدوخ وتجيب كل ده ولا تخلص نفسك وتدفع 40 جنيه وتستريح؟)!!، قالت كل ذلك ليس همسا أو خجلا ولكن بأعلى صوتها وعشرات العالقين بالشباك ينتظرون ماذا سأفعل معها!!.

بصراحة، فضلت اقتراحها الأخير؛ وليه أدوخ نفسي؛ وقلت بصوت هامس (أدفع الأربعين جنيه)، لم افكر إن كانت هذه رشوة أم أنها أخذت شكل الإكرامية؟ هل هي حلال أم حرام، قذفت بالكلمات الثلاثة خجلا فوجدتها تجيبني ( بتقولها بصوت واطي كده ليه، خلاص هات الفلوس وحينادوا على أسمك دلوقتي علشان تتصور).

خرجت من الطابور (اللا آدمي) أحاول أن أتشبث بقميصي حتى لا أفقده، وظننت أنني سأنتظر وقتا حتى تستكمل أوراق ملفي بمعرفتها وتأتي بالشهادات المطلوبة، لكني لم أكد أخرج من الطابور حتى سمعت من ينادي (الأستاذ محمود محمد صادق)، ومن شدة خوفي اعتقدت أن رئيسها الأعلى يناديني ليوبخني على ما فعلت وربما يتم التحقيق معي.

لكن الحمد لله لم يحدث شيء من هذا، وجدت موظف آخر مختص بالتصوير يناديني لاستكمال الإجراء الروتيني واستلام الرخصة، وأمامه وجدت ملفي عالقا به عشرة جنيهات وليس به أي أوراق.

كور؛ أي طبق؛ الموظف العملة النقدية وضغط عليها في كفه، ثم التقط لي الصورة سريعا وفي دقائق معدودة ناولني رخصة القيادة مبتسما!!!. يا الله، كل هذا بحفنة جنيهات!!.

والآن، هل أدركنا ماذا يعني سائق التاكسي حين قال (مصر ما لهاش كتالوج)، أما المغزى السياسي للعبارة فيستحق تدوينه أخرى. 

هل أنت نظيف؟


هل أنت مصري؟، هل أنت نظيف وتحب النظافة؟.. أرجوك لا تغضب واستوعب السؤال جيدا قبل أن تجيب. أسمعك تردد "وهل يوجد إنسان يعترف بأنه غير نظيف!"، لكن الواقع والانطباع السائد؛ ليس عندي فقط ولكن عند كثيرين؛ أن المصري والنظافة ضدان لا يلتقيان!.

سألت أصدقائي فقال بعضهم، إنه الفقر الذي جعلنا غير نظيفين!.. واعترضت لأن النظافة لا علاقة لها بمستوى دخل الفرد فهي لا تتطلب مستلزمات مادية لا يقدر على شرائها، يكفي قليل من الماء يستطيع به أن ينظف كل شيء حوله ولكن حتى هذا الماء نستخدمه بطريقة تدلل على أننا والنظافة ضدان.

ويكفي للدلالة على ذلك مشاهدة من يغسل سيارته في الشارع أو حتى محطات البنزين، صحيح أنه يهدر الكثير من الماء بلا داع ولكنه يجعل كل ما حوله قذرا؛ بل ونفسه أيضا؛ في مقابل أن يخرج بالسيارة وكأنها نظيفة وهي ليست كذلك.

أظن أنك لا تحتاج مثالا آخر يثبت أننا والنظافة ضدان، يكفي فقط أن تنظر إلى الشارع المصري لتتأكد من صدق مقولتي "المصري والنظافة ضدان لا يلتقيان"، بل دعني أكون قاسيا؛ وإن كنت على حق؛ وأطالبك بالنظر إلى بيتك لتتأكد من صدق مقولتي، بل سأكون أكثر قسوة وأطالبك بالنظر إلى نفسك لتكون أكثر اقتناعا بما أدعي وأقول.

أسألك، هل تغسل يديك قبل الأكل وبعده، كما كانت تطالبنا الإرشادات المدونة على ظهر كراسات المدرسة والتي اختفت هذه الأيام مع اختفاء النظافة من حياتنا؟ دعنا من هذا السؤال حتى لا تقول "لست صغيرا حتى أتتبع تلك النصائح" رغم أنها ليست قاصرة على الصغار، هل تنظف نفسك بعدما تقضي حاجتك؟ معظم المسلمين؛ رغم أن الإسلام دين النظافة؛ لا يعرفون!!.

أتذكر ما قاله الدكتور محمد العوضي المفكر الكويتي الجنسية حينما كنت أحاوره، قال "سألت أحد المتطرفين الذين تطاولوا على شيوخنا: قل لي كيف تنظف نفسك بعد قضاء حاجتك؟"، ولما علمت أنه لا يعرف قلت له "أذهب وعندما تعرف كيف تنظف مؤخرتك تطاول على شيوخك ومن هم أكثر منك علما!".

قرأت منذ فترة استبيانا أجرته إحدى الشركات الأمريكية حيث رصدت من خلال جهاز يبين عدد الذين يغسلون أيديهم بعد خروجهم من الحمام فوجدت أنهم لا يتعدون الثلاثة أشخاص من بين كل مائة شخص!!!، ربما نستهين بهذه العملية لكن لو عرفنا عدد الجراثيم التي تمرح في كفوفنا لأدركنا كم هو هام أن ننظف أنفسنا جيدا ثم ننظف أيدينا بدقة حتى نتجنب ومن نخالطه العديد من الأمراض. 

هناك أيضا دراسة علمية تؤكد أن نصف المصريين لا يغسلون أيديهم بعد العطس!، أو بعد العودة إلى البيت أو بعد حمل أشياء من الخارج أو حتى بعد ملامسة بعض الأشياء مثل اللحوم النية ومقابض الأبواب وغيرها، ولأهمية غسل اليدين خصصت منظمة الصحة العالمية يوم 15 أكتوبر من كل عام أسمته ( يوم غسل اليدين) ، فلماذا غسل اليدين مهم؟

بالرجوع إلى الدراسة فقد تبين أنه تحت الخواتم؛ على سبيل المثال؛ مئات الملايين من الميكروبات ونفس الشيء تحت الأساور وساعات اليد، غير أن الأيادي المبللة تنتشر الميكروبات فيها ألف ضعف الأيدي الجافة، ويكثر انتشار البكتيريا والجراثيم في راحة اليد وفي الأظافر وفي الخطوط وفي تعاريج راحة اليد وعُقل الأصابع وفي فتحتي الأنف والجروح والشقوق والدمامل. 

وأوضحت الدراسة أن الموبايلات، التي نستخدمها بكثرة هذه الأيام، تنتشر فيها البكتيريا بشكل مخيف جدا، بنسبة 92% لدى بائعي الأطعمة، وبنسبة 76% لدى الطلبة والأساتذة، وبنسبة 42% لدى الموظفين العموميين، وبنسبة 38% بين مقدمي الخدمات الصحية والمستشفيات.

والآن، دعني أكرر السؤال الذي طرحته في البداية، هل أنت نظيف؟ بالتأكيد إذا أجبت بصدق سيكون بالنفي، ولكن دعنا لا نقف عند الإجابة بل نتخطاها إلى محاولة التصحيح، أبدأ بنفسك ثم بغرفتك التي تعيش فيها ثم ببيتك الذي تسكن به ثم بالعقار الذي تقيم فيه فالشارع الذي تقطن به.. وهكذا كلما أتممت دائرة وتأكدت من أنها نظيفة تنطلق إلى الدائرة الأوسع، ويوما ما سوف نستطيع أن نجيب على السؤال بكل ثقة من أننا نظيفين.

تحدثت عن نظافة اليدين، أما نظافة الروح، وطهارة اليد فلذلك موضوع آخر.