الخميس، 29 أغسطس 2013

قصتي مع د.عبد القادر حاتم





قصتي مع الدكتور محمد عبد القادر حاتم تستحق أن تروى، فقد كانت بداية معرفتي به عام 1984 حينما كنت أنفذ ملفا صحفيا لمجلة المجلة (التي كانت تصدر في ذلك الوقت من لندن)، وكان عنوان الملف (ماذا فعلتم بمصر؟) حيث يعتمد الملف على لقاء الشخصيات الذين كانوا في موقع المسئولية على مدار السنوات السابقة ويبحث في ملفاتهم عن الأخطاء التي ارتكبوها وساهمت في تدهور الحال بالبلاد.. كانت مواجهة حامية بين وكل من التقيت بهم من رموز وطنية تقلدوا مناصب رفيعة بالبلاد.

الوحيد الذي استوقفني رد فعله كان د. حاتم، حين القيت عليه بالسؤال (ماذا فعلت بمصر؟) كانت صدمته شديدة وقال تقصد (ماذا فعلت لمصر؟) وأكدت عليه سؤالي مرة أخرى فلو كان كل مسئول فعل لمصر وليس بمصر لما وصل حالنا إلى هذه الدرجة من السوء.. بكى الرجل من هول الصدمة لكنه لم يرفض الحوار ووافق على مواجهة لائحة الاتهامات التي اعددتها له وأجاب بكل صدق موثقا ما يقول من ردود.

ثم، وبعد حوالي خمسة عشر عاما (في عام 1999) التقيت به (إعلاميا) للمرة الثانية في حوار ضمن مجموعة حوارات ضمنتها في برنامج أوراق شخصية الذي كنت أقدمه في ذلك الوقت على قناة اقرأ ، وفي هذا الحوار أطلعت على مساحات في تجربته السياسية وحياته الشخصية لم أكن عالما بها من قبل، وأدركت وقتها أن إيمان المرء جزء اساسي من بلوغه الهدف المنشود

شاهدوا معي الجزء الثاني من الحوار مع د.عبد القادر حاتم رائد الإعلام المصري، والمسئول عن الخطة الإعلامية في حرب أكتوبر 1973. الحوار أذيع على قناة اقرأ وقنوات art  عام 1999 وتكررت إعادته مرات بعد ذلك.

الأربعاء، 28 أغسطس 2013

حوار مع د.عبد القادر حاتم - جزء 1




 
د. محمد عبد القادر حاتم ابن الإسكندرية رائد الإعلام المصري وصاحب الإنجازات المتعددة في الإعلام المصري حتى استحق أن يصبح عن جدارة أبا للإعلام المصري

عبد القادر حاتم المولود عام 1918 والذي جاء من أحد الأحياء العريقة بالإسكندرية وهو حي كرموز الشعبي العريق الذي يعتبر أحد أقدم أحياء الإسكندرية  

من المؤكد أن جيل ثورة 25 يناير لا يعرفه، بل ربما بم يقرأ عنه.. لكن المؤكد أن جيل ثرة 23 يوليو 1952 أدرك انجازاته، فهو الذي وضع البنية الأساسية للإعلام المصري في الخمسينات وانشأ أول وكالة للإنباء وأقام ماسبيرو في الستينيات وبرهن على مصداقية الإعلام المصري في أكتوبر  1973 وهو خبير اعلامى مصري ذائع الصيت ارتبط اسمه بوضع إستراتيجية إعلامية لثورة 23 يوليو

حصل على 40 قلادة ووساماً من مختلف دول العالم. وله مايقرب من 20 كتاباً تناولت الإعلام والسياسة والعلاقات المصرية اليابانية.

في الجزء الأول من الحوار معه لبرنامج أوراق شخصية يتحدث د. عبد القادر حاتم عن لحظات التحول الكبرى في حياته والتي تعكس بحق إيمانه بالآية الكريمة (إن مع العسر يسرا).  برنامج أوراق شخصية أذيع على قنوات art   واقرأ الفضائية. شاهدوا هذا المقطع من البرنامج الذي أعده وقدمه محمود صادق

 

السبت، 17 أغسطس 2013

شيزوفرينيا المصريين وديمقراطية الانقلاب العسكري




نعم، أنا من مؤيدي المسار الديمقراطي وضرورة الالتزام به وعدم الخروج عنه، لكني لا أؤيد عودة الرئيس المعزول (شعبيا) محمد مرسي لأن المسار الذي كنا نتجه إليه خلال فترة حكمه كان يقوض أركان الدولة المصرية التي نفخر دائما بأنها تمتد لأكثر من خمسة آلاف عام.



نعم، أرفض الانقلابات العسكرية وأرى فيها إهدارا لحقوق الإنسان الفردية والجماعية واعترف بأن ما حدث في مصر انقلابا عسكريا مكتمل الأركان، لكني أؤيده وبقوة وأرى أنه حظي بدعم شعبي اعطاه القوة الشرعية وأعاد البلاد إلى مربع الشرعية الثورية التي تحكم بالحسم وبقوة القانون وأؤمن أننا كنا بحاجة شديدة إليها حماية لمستقبل أبنائنا وعودة لحُلم جميل راود أغلب المصريين حين هبوا بثورتهم في الخامس والعشرين من يناير 2011.

نعم، أنا مع حق الاعتصام تعبيرا عن الرأي ورفضا للسياسات القائمة، لكني أرفض وبقوة أن يؤدي هذا الاعتصام إلى قطع الطريق وترويع الآمنين، وكاذب من يقول أنه يوجد ترحيب من سكان تلك المناطق بهؤلاء المعتصمين الذين حتى ولو لم يمتلكوا بنادق اوتوماتيكية ورشاشات آلية إلا أنهم امتلكوا ما هو أخطر والمتمثل في سلاح الخوف والرعب الذي بثوه بمهارة وجدارة في قلوب غالبية المصريين الذين صاروا يتخوفون من أي مظاهرة حتى ولو سلمية ليقينهم بما يحدث فيها وبسببها.

هل ما أفعله بموقفي هذا أترجم حالة من حالات (schizophrenia) التي أعيشها ويعيشها معظم المصريين هذه الأيام؟.. ربما لكنها schizophrenia مقبولة وبصراحة لا اعتقد أنها تدين من يعانيها، فالمبدأ واحد: حين تتعارض الديمقراطية مع المصلحة الشعبية وكيان الدولة الواحدة فمعنى ذلك أن المسار الذي نسير فيه خطأ ويجب تصحيحه حتى ولو بالقوة.

وبمناسبة الحديث عن (القوة)، اعتقد أن من مهارات القيادة أن يُحسن القائد تقدير قوته كما يحسب بدقة قوة خصمه وربما يكون ذلك ترجمة دقيقة للقاعدة الشرعية (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)، ولهذا كان الأخوة السلفيون يرفضون الخروج على الحاكم، حتى ولو كان ظالما، خوفا من إراقة الدماء. وبدون فذلكة سياسية هذا بالفعل ما استند إليه الرئيس الأسبق أنور السادات في حرب السادس من أكتوبر حين قبل إيقاف الحرب بمجرد دخول الولايات المتحدة لمناصرة إسرائيل وقال يومها قولته الشهيرة (لا قبل لي بمحاربة أمريكا).

تقدير القوة وحساباتها مغيب تماما عن قادة المرحلة الحالية، الذين لفرط إحساسهم بجُرم ما حدث لهم فقدوا توازنهم وإدراكهم السياسي لحقائق القوة على الأرض واعتقدوا أنهم قادرون على مواجهة (دولة) حتى ولو كان الحق معهم، فالحق بدون قوة لن يجلب إلا مزيدا من العنف سواء كان صادرا مني أو من دخلاء هدفهم تشويه سلمية معارضتي.

أتمنى من كل المصريين تقدير الأمور تقديرا صحيحا وعدم الانجراف وراء الهوى، فنحن هذه الأيام لا نرى ونسمع إلا ما نحب أن نرى ونسمع وبعدها نعتقد أن هذه هي الحقيقة كاملة بينما ما رأيناه أو سمعناه هو جزء من الحقيقة وأكاد أجزم أن لا أحد يمتلكها أو يعرفها، لذلك علينا العودة إلى القاعدة الديمقراطية الأصيلة التي استنها لنا الإمام الشافعي (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب) فالحقيقة الكاملة لا وجود لها وهذا ما يوجب علينا قبول الآخر والاعتراف بما يمتلك كجزء من الحقيقة فلربما بحوارنا المشترك نصل إلى الحقيقة المجردة، وإن كان هذا حُلم يصعب تحقيقه مع وجود هذا الإعلام (الكاذب) الذي يحيط بنا من كل جانب، لكن علينا ألا نفقد الأمل فسيبقى في نهاية النفق بصيص من نور وعليه وبالأمل نعيش ونحيا.   

الثلاثاء، 13 أغسطس 2013

القديس مرسي العياط.. وأسس الخطاب الديني




من بين أخبار صباح اليوم (الثلاثاء- 13-8-2013) استوقفني هذا الخبر "داعية سلفي: من يشكك في عودة مرسي "يشكك في ربنا"، الخبر منشور على موقع العربية السعودي أي أنه مؤكد وصحيح وغير مفبرك، ومنسوب إلى مصدره (الشيخ فوزي السعيد) ومحدد الزمان (مساء الأحد 11-8-2013) ومحدد المكان (منصة رابعة العدوية) مقر اعتصام مؤيدو الرئيس المعزول محمد مرسي من الإخوان المسلمين ومناصريهم.

لا شبهة إذن في الخبر، ولا اعتقد أنه سيخرج من ينفيه لأنه يأتي في سياق المشهد العام المحيط بمقر اعتصام الإخوان في رابعة العدويه، فالملائكة والقديسين يحيطون بالمكان من كل جانب، وسبق أن أخبرنا واحد من دعاتهم بأن سيدنا جبريل يصلي معهم، كما أنهم يتبركون حاليا من بقعة دماء سالت من أحد المعتصمين على الأرض أمام قبر الجندي المجهول وضريح الرئيس الأسبق محمد أنور السادات في معركة المنصة الشهيرة، وهذه البقعة هي بالمناسبة قريبة جدا من المكان الذي قتل فيه السادات برصاص أحد شركائهم، ويقال أن هذه البقعة تخرج يوميا كمية لا بأس بها من (المسك) الذي يتطيب به شيوخ المعتصمين ويدهنون به لحاهم.

واستمرارا لهذا المشهد المقدس، جاء الشيخ فوزي السعيد أحد شيوخ السلفية الكبار الذي يستمع لخطبته آلاف المسلمين من كل حدب وصوب، وأعلن من فوق منصة رابعة العدوية أن من يشكك في عودة الرئيس المعزول محمد مرسي لمنصبه يشكك في الله، واصفًا مرسي بأنه "هدية من الله".، وأقسم الداعية "السعيد" بالله على أن مرسي عائد لمنصبه، وأنه مستعد أن يحلف بالطلاق 360 مرة على عودة المعزول، و"اللي يشك في عودة مرسي فهو يشك في ربنا، لأنه هو اللي جبنا هنا في رابعة العدوية".!!!

وخطاب السعيد الذي ألهب مشاعر الحاضرين فتفاعلوا معه بالهتافات (المليونية) ليس هو الأول من نوعه، بل سبق وتكررت القصص الغريبة والخطابات التي تؤيد مرسي باستخدام المشاعر الدينية حيث خرج الشيخ أحمد عبدالهادي وهو من وعاظ جماعة الإخوان المسلمين، على المعتصمين قبل نحو شهر ليؤكد أن مرسي مؤيد برؤيا لأحد الصالحين، وقال عبدالهادي إن بعض الصالحين في المدينة المنورة أبلغه برؤيا أن جبريل عليه السلام دخل في مسجد رابعة العدوية ليثبت المصلين، وأنه أيضا رأى مجلساً فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، والرئيس مرسي والحضور، فحان وقت الصلاة، فقدّم الناس الرسول ولكن الرسول قدّم مرسي.

وبعيدا عن الشرعية والانقلاب وتحليل ما حدث أو توصيفه أو رفضه أو تأييده، اتوقف فقط أمام الخطاب الموجهة للجماهير المحتشدة ومنه سنعرف كيف يتم استمالتها ثم توجيهها وحثها على البقاء وعدم المغادرة، ونحن في ذلك أمام مجموعة من الحقائق التي لا يختلف عليها اثنان

·         أن غالبية الجموع المعتصمة من متوسطي الثقافة إن لم يكن من معدومي الثقافة، وبالتالي فإن التأثير عليهم سيأتي من خلال دغدغة المشاعر وسيكون الخطاب الموجه إليهم خطابا عاطفيا أكثر من كونه عقلانيا يعتمد على الحقائق.

·         أن هناك تباينات واضحة بين فئات المعتصمين، فمنهم من آتي بوعي كامل وإدراك لحقيقة ما حدث لكن غالبيتهم لا تعرف إلا ما يقال لها، بل وربما لا تفهمه ولا تعيه لكنها تتحرك بدافع الحاجة سواء مادية تتمثل في نقود تدفع لها مقابل اعتصامها، أو معنوية يمكن تلخيصها في أسلوب حياة أفضل تعيشه خلال فترة الاعتصام وتضمن خلاله وجبة ساخنة، أو نفسية حيث سنجد البعض يبحث عن قيادة وزعيم يلقي عليه أحماله وينفذ ما يقوله له دون تفكير أو وعي فلا زلنا نعيش زمن النظام الأبوي الذي يجب أن يطاع في كل الأوقات.

·         أنه رغم وعي القيادات بخطأ خطابها الجماهيري وإدراكها عدم جدوى  ما تفعله، إلا أنه ليس أمامها بديل على الأقل من المنظور الذي تشاهد به الأحداث، فالبديل من وجهة نظرهم هو العودة إلى المعتقل.

·         أنه بالإضافة إلى كون اللغة العربية تملك تأثيرا عاطفيا خاصا، فإنه لا توجد سلطة موازية في الثقافة العربية لسلطة الكلمات الإلهية فهي تخاطب الوجدان وتلمس أوتار القلوب ولا تعمل معها العقول ولذلك يحرص خطباء المعتصمين بميداني رابعة والنهضة على الإكثار من استخدامها لما يرونه من تأثيرها الساحر على المعتصمين.

·         أن هناك ما يمكن أن نسميه بظاهرة الكسل العقلي منتشرة حاليا بين محدودي الثقافة من المصريين، فجُلهم لا يشغل نفسه بصحة أو عدم صحة ما يسمعه ويراه وينقاد قسراً أو طوعاً وراء من يتصور أنهم احتكروا الحقيقة واطلعوا على أسرار الكون فما بالنا لو كان هذا الخطاب يعتمد على الغيبيات الدينية.

إذن وسط هذه الحقائق الثابتة التي لا يمكن تجاهلها لا نستغرب من توجهات الخطاب السياسي الموجه لمعتصمي رابعة العدويه والذي يعتمد على تقديس الظواهر العادية وإلباسها ثوبا يخطف القلوب دونما حاجة لإعمال العقول، وهذا بالطبع عكس الأسس التي يجب أن يكون عليها الخطاب الإسلامي الذي كنا ننتظره من علماء منصة رابعة العدويه.

يفترض في الخطاب الإسلامي ـ أياً كانت وسيلة بثه إلى الجمهور ـ أن يؤسس على مبادئ وقيم من الحق والصدق والخير،  فضلا عن التزام الوضوح والشفافية في جميع الأحوال والظروف. والسبب في كل ذلك ينبع من وصفه خطاب دعوة وإصلاح يستند إلى التعاليم التي بشر بها الإسلام وهو يقع على الامتداد الطولي لدعوة الأنبياء والأولياء الصالحين، كما أنه يقوم على الحقائق ويهدف إلى الإقناع بالحكمة والموعظة الحسنة والبرهان العلمي والدليل المنطقي وليس من أغراضه الدعاية الكاذبة والتضليل والإثارة الفقاعية، فالخطاب الإسلامي يختلف عن غيره، فهو يحترم الديانات السماوية ويقوم على الحكمة ومخاطبة الناس بما يفهمونه وما تقبله عقولهم وليس بما يؤثر في عواطفهم خاصة إذا عجزوا عن فهمه وإدراكه.

ديننا الإسلامي يفرض على من يخاطب الجماهير مجموعة قوانين والتزامات أخلاقية صارمة لا يمكن الإخلال بها، مثلما تمنحه استحقاقات كبيرة لا يمكن التخلي عنها تحت أي ذريعة كانت. مطلوب من العالم الذي يوجه جماهير مؤيديه في رابعة والنهضة عدم المغالاة والتطرف ليساعد بذلك على فتح قنوات جديدة لقبول الآخر ، مطلوب منه البحث عن خطوط مبتكرة للتلاقي مع الطرف أو الأطراف المخالفة في المجتمع، مطلوب منه كذلك الموضوعية في التعاطي مع الأحداث الجارية وعدم إصدار الحكم المسبق على آخر والتجرد قدر المستطاع عن الأنا لخلق فرص تفاهم أكبر وتذليل صعوبات التقارب. وليس مطلوبا منه الانكماش والتقوقع على الذات الذي يؤدي إلى التخشب والانقباض في حدود ضيقة لا يمكن التعويل عليها في تصدير الأفكار وضمان الاستجابة المنشودة.

وأرجو ألا يتحجج قائل بأن الخطاب الصادر من الآخر المعارض به قدر كبير من الأكاذيب ولي الحقائق، فلا تجوز المقارنة بين الخطابين وعلى الداعية الذي يصف نفسه بالإسلامي أن يتمسك بالمنهج الذي استنه لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم واستند فيه إلى تعاليم المنهج الرباني التي حددها لنا ربنا عز وجل ونتلوها صباح مساء من كتاب رب العالمين.  

 

الأحد، 11 أغسطس 2013

سيناء والإرهاب.. حقائق ومعلومات




خلال الفترة الأخيرة تصاعدت نبرة الحديث عن سيناء وما يحدث على أراضيها، وفي ظل سخونة المشهد السياسي الداخلي في العاصمة المصرية استغلت بعض الجماعات والفرق الحزبية ما وقع من مواجهات مع جماعات مسلحة داخل سيناء كورقة ضغط سياسي تحاول أن تكسب بها مزيد من الأنصار.

لكن، بعيدا عن أي مهاترات سياسية ورؤى حزبية ضيقة يجب على المتابعين إدراك مجموعة من الحقائق عن سيناء وما يحدث على أراضيها (المصرية)، فلربما وسط هذا المشهد السياسي الساخن تذوب بعض المعلومات لكنها أبدا لا تختفي وعلينا التذكير ببعضها في السطور التالية.

·         ما يجرى في سيناء سببه فشل الإدارات المتعاقبة فى معالجة الأمور هناك منذ سنوات طويلة والاعتماد على الحل الأمنى فقط خصوصا عندما انتقل ملف سيناء من المخابرات العسكرية التى تعرف قدر المشايخ وتتعامل معهم وفق هذا الأساس وكان الشيوخ يتولون مهاماً أساسية فى ضبط أفراد القبيلة وتحقيق الأمن على عكس معاملة أمن الدولة التى تولت إدارة الملف هناك من منطلق أن سكان سيناء جميعهم متهمون حتى تثبت براءتهم.

·         منذ عام 2006 وانفصال حركة حماس عن الدولة الفلسطينية وظهور الأنفاق للتغلب على حصار سيناء تحولت مع الوقت لأكبر خطر يهدد الأمن القومى المصرى.. الأنفاق أصبحت معبرا للمطلوب القبض عليهم، والعناصر المطاردة من إسرائيل تهرب إلى مصر فأصبحت جزءاً من الحدود غير المسيطر عليها.

·         التنظيمات التكفيرية في سيناء  ليست مقتصرة على أبناء سيناء بل إن التكفيريين ممن حاصروا قسم الشرطة معظمهم من محافظات أخرى ووفدوا إلى سيناء .. أى أن وصم أهل سيناء بالإرهاب والتطرف غير حقيقى.. بل إن سكان سيناء أنفسهم يعانون من هذا التطرف!.

·         إذا راجعنا خريطة الجماعات السلفية والجهادية في سيناء سنجد أن هناك جماعات يطلق عليها الجهادية السلفية - التكفيرية - ومنها خلايا أطلقت على نفسها أسماء «التوحيد والجهاد» وجماعة «شورى المجاهدين» وفى حقيقة الأمر كلها مسميات لكيان واحد ومرتبطة ببعضها ولها علاقات بتنظيمات تكفيرية متطرفة داخل غزة مثل حركة «جلجلة»، «جيش الإسلام» وفصائل أخرى تكفيرية.

·         أن الذين أفرج عنهم المجلس العسكرى ومن بعده رئيس الجمهورية من انتهت مدة حبسهم وكان طبيعيا أن يجرى تصالحا معهم أعطى رسالة فهمتها بعض التنظيمات الجهادية خطأ وأنه إشارة لممارسة أعمالهم بحرية، وكان الأخطر ما جرى العام الماضى (2012) ومر مرور الكرام بعد قيام 300 من العناصر التابعة للتوحيد والجهاد باقتحام قسم شرطة بالعريش وتجولوا فى أنحاء المدينة وهم يرفعون الرايات السوداء، أعلام تنظيم القاعدة.

·         سقوط نظام القذافى كان سببا رئيسيا في انتشار هذا الكم من الأسلحة ونوعيتها في بلادنا حيث سيطرت على الأمور في ليبيا ما يسمى بالجماعة المقاتلة الليبية والتى ترتبط بتنظيم القاعدة وأصبح لها حضور قوى بعد سقوط النظام وتولى الميليشيا التابعة لها حماية الحدود مع مالى التى بدورها فيها جماعة أنصار الشريعة التابعة أيضا للقاعدة حيث انتعشت فى تلك المنطقة الحدودية عمليات تهريب السلاح والتدريب مما سبب ضررا شديدا على مصر بسبب دخول كميات مهولة من السلاح الليبى إلى داخل البلاد وبمراجعة بسيطة لتقارير وزارة الداخلية المصرية خلال الشهرين الماضيين تتضح كميات الأسلحة والأخطر نوعيتها من صواريخ أرض أرض وقاذفات دبابات ومنصات لإطلاق صواريخ مضادة للطائرات وهى ليست مهربة للتعامل بين الأفراد وإنما لتخزينها في سيناء.

·         أنه حين بدأت الأجهزة الأمنية مطاردة بعض القيادات المطلوبة أمنيا هربوا إلى غزة وكان من بينهم على سبيل المثال «مؤنس العبيدى» الذي سجنته حماس ثم لما طلبت مصر تسليمه أنكرت وجوده لديها وبعد أن أفرجت عنه بيومين قتلته طائرة إسرائيلية وأرادت من ذلك أن تبعث برسالة تؤكد أنه كان موجودا لدى حماس وأن إسرائيل هى من اغتالته!.

·         أن حركة حماس باعتبارها امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين فهمت أن وصول الأخيرة للحكم فى مصر وكذا الدور الكبير لفصائل الإسلام السياسى فى البلاد فى صنع القرار سيكون داعما لها ولذلك تحركت في المنطقة بلا رادع ولا محاسبة.

·         أن التسريبات التي خرجت من الإدارة الأمريكية أكدت أنه كان مخططا أن يتم اقتطاع مساحة بعمق 24 كم على البحر من العريش وحتى الجنوب بمساحة 700 كم مربع لتصبح مكاناً لتوطين الفلسطينيين من قطاع غزة وتخفيف التكدس السكانى بمشاكله ويتحقق حل الثلاث دول «دولة إسرائيل - دولة الضفة – دولة غزة» .

·         أن حماس هى التى تضبط الوضع فى القطاع لصالح إسرائيل وأقامت معها هدنة مستمرة.. لكن هناك أيضا تنسيقاً بين حماس والجماعات المسلحة فمن خطف الجندى «شاليط» كانت عناصر من تنظيم «أبوصواح دغمش» وسلمته لحماس، وإذا تجاوزت هذه الجماعات الخطوط الحمراء التى فرضتها حماس في غزة فإنها ستصطدم بها كما هو جارى حاليا مع حزب التحرير السلفى المتطرف في غزة الذى يعانى من مهاجمة سلطات حماس له والتى تضبط الأوضاع بما يتوافق مع مصالحها!

·         قرار رئيس الوزراء المصرى بتمليك أراضى سيناء للمصريين الموجودين فى سيناء دون أن يذكر في القرار أن يكون حق التملك للمصريين بشرط أن يكون من جدين مصريين جعل هناك خطورة شديدة من أنه قد يمتلك الفلسطينيون سيناء بعد السماح لأبناء المصريات المتزوجات من فلسطينيين حق التجنس بالجنسية المصرية.

·         خلال الفترة الأخيرة نشأت فى سيناء طبقة جديدة من مصريين وغيرهم من جنسيات أخرى يتعاملون ويتاجرون فى نقل السلاح من ليبيا إلى سيناء عبر الأراضى المصرية والهدف الأساسى منها دعم المقاومة وبالتالى إسرائيل هى المستهدفة مما دفع بها إلى تكثيف تواجدها فى سيناء لمراقبة عمليات تهريب السلاح ونوعيته ومن يحصل عليه.

·         الإدارة الأمريكية طرحت فى إطار ما أسموه بالمنظومة الأمنية أن تتعاون مصر مع الولايات المتحدة وإسرائيل للمساعدة فى تأمين سيناء لمواجهة الإرهاب لكن فى جوهره أن تصبح هناك منظومة ثلاثية تشبه ما كررته أمريكا سابقا فى اليمن وباكستان ليصل الأمر أن تقوم طائرة أمريكية أو إسرائيلية بدون طيار بقصف مصريين على الأراضى المصرية وهو ما رفضته الإدارة المصرية تماما لأن الهدف الأساسى لن يكون أبدا مهاجمة الإرهاب وإنما تدويل قضية الأمن فى سيناء حتى تصبح قضية دولية.

·         أنه في منتصف يوليو 2013 ذكر محلل الشئون المخابراتية والإستراتيجية فى صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية، يوسى ميلمان أن جهاز الأمن العام (الشاباك) أسس مؤخرا وحدة خاصة باسم «وحدة سيناء»، يقودها عميد، وتعمل فى إطار المنطقة الجنوبية بالتعاون مع الأمن المصرى، وتركز عملها فى شبه جزيرة سيناء بهدف إحباط العمليات الإرهابية.

·         أن إسرائيل سمحت بدخول تعزيزات عسكرية مصرية إلى سيناء بناء على الملحق العسكرى لمعاهدة السلام والذي يلزم الطرف المصري أخذ موافقة إسرائيل على ذلك.

·         أن العملية نسر التي بدأها الجيش المصري وكان يواجه فيها عدوا غير منظور على عكس عقيدته وتدريبه القائم على مواجهة عدو محدد المعالم.. أشاعت روحاً من الأمن لدى الرافضين للإرهاب والتكفيريين فبدءوا يشعرون بالثقة ويتعاونون مع الأجهزة الأمنية ويوفرون المعلومات وقد حققت النجاح فى حدود المطلوب منها وهو ألا تتجاوز عملية مواجهة الأفراد لمواجهة السكان حتى لا يزيد الاحتقان فى سيناء مما يخلق فرصاً أكثر للإرهاب.

·         أن الخريطة الإقليمية، من العراق وايران وحتى السودان، مرورا بالطبع بمنطقة الشام والمغرب العربى، مليئة بتفاعلات لم تتحدد بعد بوصلتها السياسية والأمنية، فهناك تلال من المشكلات تتراكم يوما بعد يوم، وأكوام من الأزمات تتزايد تدريجيا. وكلها تجعل من أى نظام سياسى مصرى أو عربى بين فكى رحى، إعادة ترتيب شئونه المحلية والقبول راغبا أو صاغرا بحزمة ترتيبات اقليمية، لمنع تفجير أوضاعه الداخلية، أو مواجهة قوى اقليمية ودولية فى وقت يفتقر فيه (أى نظام) لعناصر التوازن الحقيقية، وعدم تحمل التداعيات القاتمة لأى مناطحة سياسية أو أمنية أو حتى اقتصادية. لذلك فكل الطرق تؤدى إلى عدم استبعاد ظهور ترتيبات ترفع من شعار "مكافحة الإرهاب". وهو شعار "فضفاض" ويمكن أن توضع أسفله، بحكم الأمر الواقع وملابساته، جميع الإجراءات الأمنية الغامضة.

·         أن القضاء على متطرفين مدربين يحتاج وقتا طويلا، لأن محاربة الإرهاب فى البيئة العادية تشبه محارب الأشباح. وإذا كانت هذه البيئة وعرة مثل سيناء، فالمسألة ستكون أكثر صعوبة لأن مطادرة نحو 1600 متشدد تقريبا، على دراية بدروب ودهاليز الجبال فى سيناء، عملية ليست هينة.

في النهاية ما زال لدينا تفاؤل أننا قادرون على الخروج من عنق الزجاجة المحبوسين فيها منذ زمن! الصورة ليست قاتمة بالشكل الذى يقتل فينا الأمل، لكن الشعور بالقلق يتولد لدي من افتقادنا لأبسط القواعد الخاصة بالأمن القومى حيث تقوم بعض القوى السياسية بالمزايدة والاستهتار بقضايا أمنية وتتعامل معها وفقا لعملية رخيصة لتصفية الحسابات السياسية فى حين الموقف يتطلب سموا على أى تجاوزات من شخص أو حزب وعدم الوقوف عند أى مصالح ضيقة مع حركة أو جماعة لأن ما يجرى فى سيناء من الواضح أن له امتدادات وروافد خارجية وقد يدخل فى باب محاولة تغيير البيئة الديموجرافية وهو ما لا تصلح معه  هذه المهاترات والمزايدات والتجاذبات السياسية الضيقة التي لا تراعي مصلحة الوطن العليا.