خلال الفترة الأخيرة تصاعدت نبرة الحديث عن سيناء وما يحدث على أراضيها، وفي
ظل سخونة المشهد السياسي الداخلي في العاصمة المصرية استغلت بعض الجماعات والفرق
الحزبية ما وقع من مواجهات مع جماعات مسلحة داخل سيناء كورقة ضغط سياسي تحاول أن
تكسب بها مزيد من الأنصار.
لكن، بعيدا عن أي مهاترات سياسية ورؤى حزبية ضيقة يجب على المتابعين إدراك
مجموعة من الحقائق عن سيناء وما يحدث على أراضيها (المصرية)، فلربما وسط هذا
المشهد السياسي الساخن تذوب بعض المعلومات لكنها أبدا لا تختفي وعلينا التذكير
ببعضها في السطور التالية.
·
ما يجرى في سيناء سببه فشل الإدارات المتعاقبة فى معالجة الأمور هناك منذ
سنوات طويلة والاعتماد على الحل الأمنى فقط خصوصا عندما انتقل ملف سيناء من
المخابرات العسكرية التى تعرف قدر المشايخ وتتعامل معهم وفق هذا الأساس وكان
الشيوخ يتولون مهاماً أساسية فى ضبط أفراد القبيلة وتحقيق الأمن على عكس معاملة
أمن الدولة التى تولت إدارة الملف هناك من منطلق أن سكان سيناء جميعهم متهمون حتى
تثبت براءتهم.
·
منذ عام 2006 وانفصال حركة حماس عن الدولة الفلسطينية وظهور الأنفاق
للتغلب على حصار سيناء تحولت مع الوقت لأكبر خطر يهدد الأمن القومى المصرى..
الأنفاق أصبحت معبرا للمطلوب القبض عليهم، والعناصر المطاردة من إسرائيل تهرب إلى
مصر فأصبحت جزءاً من الحدود غير المسيطر عليها.
·
التنظيمات التكفيرية في سيناء ليست مقتصرة على أبناء سيناء بل إن التكفيريين
ممن حاصروا قسم الشرطة معظمهم من محافظات أخرى ووفدوا إلى سيناء .. أى أن وصم أهل سيناء
بالإرهاب والتطرف غير حقيقى.. بل إن سكان سيناء أنفسهم يعانون من هذا التطرف!.
·
إذا راجعنا خريطة الجماعات السلفية والجهادية في سيناء سنجد أن هناك
جماعات يطلق عليها الجهادية السلفية - التكفيرية - ومنها خلايا أطلقت على نفسها
أسماء «التوحيد والجهاد» وجماعة «شورى المجاهدين» وفى حقيقة الأمر كلها مسميات
لكيان واحد ومرتبطة ببعضها ولها علاقات بتنظيمات تكفيرية متطرفة داخل غزة مثل حركة
«جلجلة»، «جيش الإسلام» وفصائل أخرى تكفيرية.
·
أن الذين أفرج عنهم المجلس العسكرى ومن بعده رئيس الجمهورية من انتهت مدة
حبسهم وكان طبيعيا أن يجرى تصالحا معهم أعطى رسالة فهمتها بعض التنظيمات الجهادية
خطأ وأنه إشارة لممارسة أعمالهم بحرية، وكان الأخطر ما جرى العام الماضى (2012) ومر
مرور الكرام بعد قيام 300 من العناصر التابعة للتوحيد والجهاد باقتحام قسم شرطة بالعريش
وتجولوا فى أنحاء المدينة وهم يرفعون الرايات السوداء، أعلام تنظيم القاعدة.
·
سقوط نظام القذافى كان سببا رئيسيا في انتشار هذا الكم من الأسلحة
ونوعيتها في بلادنا حيث سيطرت على الأمور في ليبيا ما يسمى بالجماعة المقاتلة
الليبية والتى ترتبط بتنظيم القاعدة وأصبح لها حضور قوى بعد سقوط النظام وتولى
الميليشيا التابعة لها حماية الحدود مع مالى التى بدورها فيها جماعة أنصار الشريعة
التابعة أيضا للقاعدة حيث انتعشت فى تلك المنطقة الحدودية عمليات تهريب السلاح
والتدريب مما سبب ضررا شديدا على مصر بسبب دخول كميات مهولة من السلاح الليبى إلى
داخل البلاد وبمراجعة بسيطة لتقارير وزارة الداخلية المصرية خلال الشهرين الماضيين
تتضح كميات الأسلحة والأخطر نوعيتها من صواريخ أرض أرض وقاذفات دبابات ومنصات
لإطلاق صواريخ مضادة للطائرات وهى ليست مهربة للتعامل بين الأفراد وإنما لتخزينها
في سيناء.
·
أنه حين بدأت الأجهزة الأمنية مطاردة بعض القيادات المطلوبة أمنيا هربوا
إلى غزة وكان من بينهم على سبيل المثال «مؤنس العبيدى» الذي سجنته حماس ثم لما طلبت
مصر تسليمه أنكرت وجوده لديها وبعد أن أفرجت عنه بيومين قتلته طائرة إسرائيلية
وأرادت من ذلك أن تبعث برسالة تؤكد أنه كان موجودا لدى حماس وأن إسرائيل هى من
اغتالته!.
·
أن حركة حماس باعتبارها امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين فهمت أن وصول
الأخيرة للحكم فى مصر وكذا الدور الكبير لفصائل الإسلام السياسى فى البلاد فى صنع
القرار سيكون داعما لها ولذلك تحركت في المنطقة بلا رادع ولا محاسبة.
·
أن التسريبات التي خرجت من الإدارة الأمريكية أكدت أنه كان مخططا أن يتم
اقتطاع مساحة بعمق 24 كم على البحر من العريش وحتى الجنوب بمساحة 700 كم مربع
لتصبح مكاناً لتوطين الفلسطينيين من قطاع غزة وتخفيف التكدس السكانى بمشاكله
ويتحقق حل الثلاث دول «دولة إسرائيل - دولة الضفة – دولة غزة» .
·
أن حماس هى التى تضبط الوضع فى القطاع لصالح إسرائيل وأقامت معها هدنة
مستمرة.. لكن هناك أيضا تنسيقاً بين حماس والجماعات المسلحة فمن خطف الجندى
«شاليط» كانت عناصر من تنظيم «أبوصواح دغمش» وسلمته لحماس، وإذا تجاوزت هذه
الجماعات الخطوط الحمراء التى فرضتها حماس في غزة فإنها ستصطدم بها كما هو جارى
حاليا مع حزب التحرير السلفى المتطرف في غزة الذى يعانى من مهاجمة سلطات حماس له
والتى تضبط الأوضاع بما يتوافق مع مصالحها!
·
قرار رئيس الوزراء المصرى بتمليك أراضى سيناء للمصريين الموجودين فى سيناء دون أن يذكر في القرار أن يكون حق
التملك للمصريين بشرط أن يكون من جدين مصريين جعل هناك خطورة شديدة من أنه قد
يمتلك الفلسطينيون سيناء بعد السماح لأبناء المصريات المتزوجات من فلسطينيين حق
التجنس بالجنسية المصرية.
·
خلال الفترة الأخيرة نشأت فى سيناء طبقة جديدة من مصريين وغيرهم من جنسيات
أخرى يتعاملون ويتاجرون فى نقل السلاح من ليبيا إلى سيناء عبر الأراضى المصرية والهدف الأساسى منها دعم المقاومة وبالتالى
إسرائيل هى المستهدفة مما دفع بها إلى تكثيف تواجدها فى سيناء لمراقبة عمليات تهريب السلاح ونوعيته ومن يحصل عليه.
·
الإدارة الأمريكية طرحت فى إطار ما أسموه بالمنظومة الأمنية أن تتعاون مصر
مع الولايات المتحدة وإسرائيل للمساعدة فى تأمين سيناء لمواجهة الإرهاب لكن فى
جوهره أن تصبح هناك منظومة ثلاثية تشبه ما كررته أمريكا سابقا فى اليمن وباكستان ليصل
الأمر أن تقوم طائرة أمريكية أو إسرائيلية بدون طيار بقصف مصريين على الأراضى
المصرية وهو ما رفضته الإدارة المصرية تماما لأن الهدف الأساسى لن يكون أبدا
مهاجمة الإرهاب وإنما تدويل قضية الأمن فى سيناء حتى تصبح قضية دولية.
·
أنه في منتصف يوليو 2013 ذكر محلل الشئون المخابراتية
والإستراتيجية فى صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية، يوسى ميلمان أن جهاز الأمن العام
(الشاباك) أسس مؤخرا وحدة خاصة باسم «وحدة سيناء»، يقودها عميد، وتعمل فى إطار
المنطقة الجنوبية بالتعاون مع الأمن المصرى، وتركز عملها فى شبه جزيرة سيناء بهدف
إحباط العمليات الإرهابية.
·
أن إسرائيل سمحت بدخول تعزيزات عسكرية مصرية إلى سيناء
بناء على الملحق العسكرى لمعاهدة السلام والذي يلزم الطرف المصري أخذ موافقة
إسرائيل على ذلك.
·
أن العملية نسر التي بدأها الجيش المصري وكان يواجه
فيها عدوا غير منظور على عكس عقيدته وتدريبه القائم على مواجهة عدو محدد المعالم..
أشاعت روحاً من الأمن لدى الرافضين للإرهاب والتكفيريين فبدءوا يشعرون بالثقة
ويتعاونون مع الأجهزة الأمنية ويوفرون المعلومات وقد حققت النجاح فى حدود المطلوب
منها وهو ألا تتجاوز عملية مواجهة الأفراد لمواجهة السكان حتى لا يزيد الاحتقان فى
سيناء مما يخلق فرصاً أكثر للإرهاب.
·
أن الخريطة الإقليمية، من العراق وايران
وحتى السودان، مرورا بالطبع بمنطقة الشام والمغرب العربى، مليئة بتفاعلات لم تتحدد
بعد بوصلتها السياسية والأمنية، فهناك تلال من المشكلات تتراكم يوما بعد يوم،
وأكوام من الأزمات تتزايد تدريجيا. وكلها تجعل من أى نظام سياسى مصرى أو عربى بين
فكى رحى، إعادة ترتيب شئونه المحلية والقبول راغبا أو صاغرا بحزمة ترتيبات
اقليمية، لمنع تفجير أوضاعه الداخلية، أو مواجهة قوى اقليمية ودولية فى وقت يفتقر
فيه (أى نظام) لعناصر التوازن الحقيقية، وعدم تحمل التداعيات القاتمة لأى مناطحة
سياسية أو أمنية أو حتى اقتصادية. لذلك فكل الطرق تؤدى إلى عدم استبعاد ظهور
ترتيبات ترفع من شعار "مكافحة الإرهاب". وهو شعار "فضفاض"
ويمكن أن توضع أسفله، بحكم الأمر الواقع وملابساته، جميع الإجراءات الأمنية
الغامضة.
·
أن القضاء على متطرفين مدربين يحتاج وقتا
طويلا، لأن محاربة الإرهاب فى البيئة العادية تشبه محارب الأشباح. وإذا كانت هذه
البيئة وعرة مثل سيناء، فالمسألة ستكون أكثر صعوبة لأن مطادرة نحو 1600 متشدد
تقريبا، على دراية بدروب ودهاليز الجبال فى سيناء، عملية ليست هينة.
في النهاية ما
زال لدينا تفاؤل أننا قادرون على الخروج من عنق الزجاجة المحبوسين فيها منذ زمن! الصورة
ليست قاتمة بالشكل الذى يقتل فينا الأمل، لكن الشعور بالقلق يتولد لدي من افتقادنا لأبسط القواعد الخاصة بالأمن
القومى حيث تقوم بعض القوى السياسية بالمزايدة والاستهتار بقضايا أمنية وتتعامل
معها وفقا لعملية رخيصة لتصفية الحسابات السياسية فى حين الموقف يتطلب سموا على أى
تجاوزات من شخص أو حزب وعدم الوقوف عند أى مصالح ضيقة مع حركة أو جماعة لأن ما
يجرى فى سيناء من الواضح أن له امتدادات وروافد خارجية وقد يدخل فى باب محاولة
تغيير البيئة الديموجرافية وهو ما لا تصلح معه هذه المهاترات والمزايدات والتجاذبات السياسية
الضيقة التي لا تراعي مصلحة الوطن العليا.