الاثنين، 11 فبراير 2013

حقائق الشارع المصري وإعلام الفلول الكاذب!

دخل صديقي مكتبي فوجد على الطاولة بعض الجرائد المصرية التي تعودت مطالعتها كل صباح، نظر إليها سريعا ثم وجدته يصرخ "كل جرائد الفلول عندك!! تقرأ كل هذه الأكاذيب؟. دقائق مرت حتى استطعت استيعاب ما يقوله، مثل كل شيء في مصر الآن لدينا معسكرين؛ أو على قول أسامة بن لادن قسطاطين؛ قسطاط الخير والآخر شر.. لا يوجد خيار ثالث إما أن توافقني رأيي فتكون من قسطاط الخير أو تعارضني فتصبح من الأشرار. صرخة الصديق واتهامي بقراءة الأكاذيب التي يروجها الفلول أربكتني طوال اليوم إلى أن حسمت أمري وقررت عمل مقارنة سريعة بين الصحف التي تروج أكاذيب وتلك التي لا تنشر إلا الحقائق، فعلت هذا عن قناعة تامة بهدف الوصول إلى الأخبار الحقيقية عن بلدنا أم الدنيا. تعالوا نقرأ ماذا قالت المواقع الإليكترونية لصحف مصر الصادرة يوم الاثنين 11 فبراير 2013. على صدر موقع جريدة الأهرام (وهي من جرائد النظام) هذه العناوين: • صاحب شركة يتهم ضابطا فلسطينيا بطلب شحنة لعب أطفال لاستخدامها في التفجيرات • مناقشات حادة بالشوري حول قتل المتظاهرين‏..‏ والداخلية تتبرأ.. بحث مشروع قانون لاسترداد الأصول المنهوبة في الداخل والخارج • مفاجأة في قضية هروب المساجين من وادي النطرون.. المتهم الحقيقي خرج بعفو رئاسي رغم إدانته بالاتجار في المخدرات • مليار جنيه زيادة في مخصصات مياه الشرب • مقتل شخصين وإصابة آخرين في اشتباكات بالأسلحة الآلية بسبب اسطوانة بوتاجاز بقناوية نجع حمادي • الأهلي يفوز على وادي دجلة 1 / صفر بقدم وائل جمعه عندما تطالع مثل هذه العناوين تلاحظ أن أربعة منها يندرج تحت صفة السلبية التي يعتبرها صديقي من الأكاذيب التي تروجها صحف الفلول المعارضة، بينما يبقى خبر واحد يتعلق بزيادة مخصصات الشرب وإن كانت قراءة تفاصيل الخبر وتحليلها ستنزع عنه الصفة الإيجابية التي حاول العنوان الإيحاء بها، أما الخبر الأخير فهو الخاص بنتيجة مباراة الأهلي وادي دجلة. وإذا طالعت أخبار أكثر في موقع الجريدة الرسمية الأولي في مصر سوف تكتشف أن كم الأخبار السلبية عن مصر هو الغالب على عناوين الجريدة. ومن بين هذه العناوين (رويترز‏:‏ البنوك الأوروبية تعرض فروعها في مصر للبيع، معتصمو التحرير يغلقون المجمع ويهددون بإجراءات تصعيدية أخري، تهديدات البلاك بلوك باقتحام قصر الاتحادية، في استطلاع لـ الأهرام :72%‏ قلقون علي مستقبل مصر، مقتل سيدة وإصابة‏12‏ في مشاجرة بسبب الخبز)، هل هذه الأخبار تعكس الصورة الحقيقية لما حدث في مصر بالأمس؟، بالتأكيد، لكن صديقي لم يسره ذلك أيضا فقررت أن أسايره إلى ما هو أبعد حتى نصل في نقاشنا إلى الحقائق المجردة. تعالوا نقرأموقع حزب الحرية والعدالة (الحزب الحاكم حاليا في مصر)، على صدر الموقع تقرأ العناوين التالية: • اليوم.. زخاري تفتتح ورشة عمل بشأن التكنولوجيا والابتكار • اليوم.. الأزهري يفتتح ورشة حول السلامة المهنية • المعتصمون يواصلون إغلاق مجمع التحرير لليوم الثاني على التوالي • إطلاق قناة تعليمية جديدة بالتعاون بين «التربية والتعليم» و«الإعلام» • هيئة مفوضي الدستورية تؤجل حل الشورى لجلسة 3 مارس • صالح: الإخوان لم يسرقوا الثورة وشاركوا فيها من اليوم الأول وكما ترون فإن عناوين الأخبار المنشورة على صدر الموقع لا تشجع أبدا على الضغط عليها وقراءتها بل بكل تأكيد ستحرك الفأرة بشكل سريع مبتعدا عنها وباحثا عن مدد إعلامي آخر يعكس لي صورة ما يجري في مصر، صحيح أن المنشور على بوابة الحرية والعدالة الإليكترونية أخبار صادقة وحقيقية لكنها ليست التي تعكس حراك شارع يغلي وقضايا سياسية ساخنة يناقشها رجل الشارع العادي. لكن الموقع لا يخلو أيضا من بعض الأخبار السلبية ولكن إذا أخرجتها من صياغتها الحالية وجردتها من الرأي الممزوج بالحدث، فمثلا (ميليشيات المعارضة تواصل الكوميديا السوداء عند مسرح الاتحادي) وتفهم ن ذلك أن معارك سوداوية تدور حول قصر الاتحادية لكن المحرر غلف الخبر بالرأي ليخفف من وطأة الحقيقة السوداء على النفس. وهذا خبر آخر (ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى 23ر5% خلال يناير الماضي) لكنه ترك القارئ يبحث بمفرده في معنى هذا الارتفاع وكيف سيؤثر التضخم على قوته اليومي. أما حين حاول محرر الحرية والعدالة نشر خبر إيجابي فكان هذا العنوان (52 مليون جنيه زيادة في إيرادات موانئ بورسعيد) وحين تقرأ تفاصيل الخبر تجد أن الزيادة التي حدثت مقارنة بأرقام العام الماضي أي حينما كانت الأحداث أكثر اشتعالا ولا يوجد رئيس شرعي ولا حكومة يشكلها رئيس منتخب. والآن فلنقرأ ما نشرته صحف الفلول التي أغضبت صديقي، من جريدة المصري اليوم زعيمتهم نقرأ العناوين التالية التي تصدرت موقعها الإليكتروني: «العريان»: الجيش والأمريكان وحكام الخليج كانوا سَنَد مبارك في السلطة • السفيرة الأمريكية: احتياطي النقد المصري في مستوى حرج • مشادات بين معتصمي «التحرير» والمواطنين بسبب إغلاق المجمع • إغلاق نفق الأزهر بعد انقلاب سيارة داخله.. وحادث مروري يوقف الحركة على كوبري أكتوبر • «مسحول الاتحادية» يتهم الشرطة بمحاولة اغتياله أثناء توجهه لقاضي التحقيق وقراءة عناوين الأخبار الخمسة المتصدرة للموقع تعطي بانوراما قريبة لما يحدث في الشارع المصري، وهي كما قلت لصديقي أخبار حقيقية وقعت بالفعل ولم تخترعها الجريدة أو تهول فيها، فإغلاق مجمع التحرير حدث بالفعل، وحادثة نفق الأزهر والأخرى فوق كوبري أكتوبر حقيقية وهي إن كانت أخبار سوداوية لكن يهمني أن أعرفها لأن الحادثين أصابا شريانان رئيسيان في القاهرة التي حتما أصيبت بشلل مروري، وما ذكرته السفيرة الأمريكية بخصوص احتياطي النقد المصري حقيقي والكل يعرفه وقد قالته هل بالفعل ولم تنسبه الجريدة زورا وبهتانا. إذن لماذا نتهم الصحيفة بنشر الأكاذيب لمجرد أنها تعمل بمهنية عالية وتستطيع انتقاء الأخبار التي تحظى بنسب قراءة عالية لأنها ببساطة تهم الشريحة الأوسع من القراء وتخاطب اهتمامات الشارع بالفعل. صحيح أن هناك نوع آخر من العمل الصحفي نشتم منه رائحة الأهداف السياسية مثل هذا التقرير الصحفي وعنوانه (نشطاء «تويتر» في ذكرى إسقاط مبارك: «العيش مفيش».. و«الحرية سحل وتعرية») فهذا تقرير سياسي بالدرجة الأولى ويعكس وجهة نظر أصحاب الجريدة والقائمين عليها، لكن هذا أيضا لم يأت اختلاقا وكذبا بل بحثا عن كل ما يخدم وجهة النظر التي تروج لها الجريدة ويدعمها. أما العناوين الأخرى في موقع جريدة المصري اليوم فهي مثل (شركات البترول ترفض مد الحكومة بالغاز.. و«شعبة الأسمنت»: المصانع تعاني ، شاهد لـ«النيابة»: «الإخوان» عذبوا محمد الجندي بمعسكر «الجبل الأحمر»، أسوشيتد برس»: مخاوف الاغتيال تطارد المعارضة في مصر ، «خفاجي» لمرسي: لو قبلت القرض ولم تحاسب قتلة الأبرياء سأعترف بأنني أسأت الاختيار) وهي كما ذكرنا ليست اختراعا خاصا من الجريدة بل حدث وتمت كتابته بما يخدم الهدف الرئيسي لجريدة سياسية تنشر ما يحدث على أرض مصر كما تراه بعيون محرريها وصيغة كتابها ومحلليها، المهم أن الحدث وقع ولا اختلاق فيه. انتهت المشكلة مع صديقي الذي خف تذمره وإن لم يخفي تضجره من قراءة هذه الصحف الملونة سياسيا، والمشكلة ليست في صديقي فقط بل فينا كلنا كمصريين، اليوم وبعد أن أصبح من حقنا التعبير عن رأينا صرنا لا نقبل إلا بما نقول ولا نعترف أنه ربما يكون هناك آخر يعيش معي على ذات الأرض ويحب تراب هذا البلد بالفعل لكنه يختلف معي في الحلول الممكنة لكل المشاكل المتراكمة. صدقوني لن نتقدم خطوة إلى الأمام ولن نخرج مما نحن فيه من هذا العراك والهوان إلا إذا اعترف كل فصيل بالآخر وبحقه في البقاء ورغبته في تصحيح الأوضاع، لن ينصلح حالنا إلا إذا تحاورنا وجاء خيارنا ليختار الصحيح من الأفكار لنبدأ مشوار الألف ميل في تصحيح أوضاعنا، لن نبدأ إلا إذا سمعنا بعضنا البعض وأيقنا أن كرسي السلطة يتسع للجميع طالما خلصت النوايا العامة وتخلصنا من الأنانية والشخصنة الفردية.. تعالوا فلنجرب ولنرى النتائج ثم نحكم.