
حين شرعت في كتابة هذه التدوينة لم يكن قد بقي من شهر شعبان إلا أقل من 48 ساعة لتعلن بعدها دار الإفتاء في كل دولة إسلامية مولد هلال شهر رمضان الذي ينتظره المسلمون من العام للعام، وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء نقوله كلما اقترب شهر الصوم، "اللهم بلغنا رمضان".
وسوف أحاول في هذه التدوينة ممارسة عادة التفكير بصوت مسموع لتحديد ما الذي يجب علينا أن نفعله قبل دخول شهر رمضان..
بداية يجب علينا أن نعرف ونتذكر الهدف من فريضة الصيام، لقد حددها لنا المولى عز وجل بشكل واضح وصريح حين ذكر في الآية الكريمة "يا أيُّها الذينَ آمَنوا كُتِبَ عليكُمُ الصيامُ كما كُتِبَ على الذين مِن قبلكم لعلَّكُم تتَّقون"، أي أن المقصود من الصيام أن أصبح تقياً، أن أخشى الله عز وجل وأجعل بيني وبين غضبه وقاية، وإذا نجحت في فعل ذلك خلال شهر رمضان سأكون قادرا على فعله خلال باقي أيام العام، فهذا الشهر فرصة للتدريب كي أصبح تقيا وأنال رضوان الله ورضاه.. إذن يجب أن أبدأ الاستعداد من الآن كي أكون في رمضان من المتقين الفائزين برضوان الله وجناته .
والمقصود من هذا التدريب أن أحول حياتي كلها إلى عبادة، من خلال النية تطبيقا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "لكل امرئ ما نوى"، وعليه فإذا أكلت يجب أن تكون نيتي هي أن أقوِّي جسمي لأقوم بالصلاة على أكمل وجه ممكن، وإذا نمت مبكراً كانت نيتي هي أن أستيقظ لقيام الليل ثم صلاة الفجر، وإذا أعدت ربة البيت الطعام كانت نيتها هي إطعام الطعام وإفطار الصائمين لتنال بذلك أجرا ًعظيماً.
أيضا يجب علي أن أحاول تغيير عادة سيئة من عاداتي واستبدالها بعادة حميدة، فإذا كنت أعتدت السهر إلى وقت متأخر فيجب أن أعوِّد نفسي على النوم المبكر من أجل الاستيقاظ قبل الفجر لقيام الليل وصلاة الفجر.
ومن المهم أن أبدأ بعمل خطة تدريجية لقيام الليل، مثلا أبدأ بركعتين قبل أذان الفجر ولو بخمس دقائق وبعد أن أعتادها أجعل قراءتي في القيام بسور أطول، وفي المرحلة التالية أستيقظ قبل الفجر بربع ساعة ليكون لدي وقت للتسبيح والاستغفار حتى أذان الفجر،فإن شعرت بحلاوة قيام الليل وصارت نفسي تهفو إليه استيقظت قبل الفجر بنصف ساعة لأصلي عدداً أكبر من الركعات، وهكذا..
وقت السحر وهو الوقت المبارك الذي يضيعه أغلب الناس في أغلب العام فيأتي رمضان لينبههم عليه فيوقظهم ليتقووا من خلال الطعام ولكن كثيرا من الناس يقضون هذا الوقت في الطعام وينسون الحديث الشريف " إن الله ينزل في الثلث الأخير من كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول ألا هل من مسترزق فأرزقه ألا هل من مستغفر فأغفر له ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر
ويجب الحرص على صلاة الفجر في المسجد؛ والتي نسهو عنها وننام في سائر أوقات السنة فيأتي رمضان ليوقظ في أنفسنا أن هناك صلاة مشهودة في المسجد ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا )، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم " بشر المشاءين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة يفزع الناس ولا يفزعون" ، ويقول صلى الله عليه وسلم" من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح".
ويجب أن أتذكر أهمية الدعاء في هذا الوقت من الليل وأن أكثر منه والاستغفار طوال اليوم لاسيما في هذا الشهر المبارك حيث إن دعاء الصائم مستجاب كما ورد في الحديث الشريف " ثلاثة لا ترد دعوتهم ....الصائم حتى يفطر " وفي رواية "الصائم حين يفطر"، قال العلماء إن الله وضع آية الدعاء بين آيات الصيام إشعارا منه بأن الدعاء في الصيام لا يرد فكم عندنا من الحاجيات نري أن تقضى.
وبالإضافة إلى ذلك هناك كثير من الوسائل التي تجعلنا نجدد حيلتنا في رمضان منها الإكثار من النوافل والتصدق وصلة الأرحام وإدراك معاني الأخوة في الله ومراعاة شعور المسلم فكلها تعطي للحياة معنى آخر غير المعنى الذي كنا قد اعتدناه .
وأهم هذه الوسائل التي تجدد الحياة أول كلمة نزلت في رمضان من القرآن وهي كلمة اقرأ والقراءة باسم الله فهي الوسيلة الأولى لرفع مستوى الثقافة الإسلامية ونشر الوعي، فليجعل المسلم لنفسه في رمضان ساعة على الأقل يقرأ فيها وليتدبر معاني القرآن ليعرف ما يقرأ فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم جميعا لا يتنقلون من آية إلى أخرى إلا بعد أن يتدبروا معناها ويطبقوها في حياتهم.
وقبل أن أترككم أذكركم بدعائه صلى الله عليه وسلم حين نرى، أو نعلم، ظهور هلال رمضان فقد كان الرسول يقول "اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله هلال رشد وخير".