بارعون نحن في التهرب من المواجهة، ناجحون بدرجة امتياز في إخفاء رؤوسنا بالرمال.. نعلم يقينا ما يحيق بنا من أزمات ويخطط لنا من مكائد، لكننا نتغافل عنها وكأننا لا نراها مع أننا نعيش فيها وتعيش من حولنا.. أفلا نقرأ التاريخ لندرك أن ما يحدث ما هو إلا سلسلة متتالية من المكائد التي تحاك ضد المسلمين؟ هل نحن في حاجة إلى من يذكرنا دائما بموقف الآخرين منا على امتداد التاريخ!
ألم يقل اللورد كرومر أول حاكم بريطاني في مصر : إن مهمة الرجل الأبيض الذي وضعته العناية الإلهية على رأس العالم هي تثبيت دعائم الحضارة المسيحية إلى أقصى حد ممكن بحيث تصبح هي الأساس في العلاقات بين الناس و إن كان من الواجب منعا من إثارة الشكوك ألا نعمل على تنصير المسلمين و أن نراعي المظاهر الزائفة للدين الإسلامي كالاحتفالات الدينية و ما شابه ذلك.
هكذا تحدد في بدايات القرن العشرين الهدف الاستعماري بكل وضوح و هو اجتثاث الإسلام من نفوس الناس من قلوبهم وعقولهم و إحلال قيم الفكر الغربي العلماني بدلا منها.. ولقد طبق الحاكم الإنجليزي هذه الرؤية فقال عندما قدم إلى مصر كحاكم عسكري لها عن طريق بريطانيا "جئت إلى مصر لأمحو ثلاثا : القرآن والكعبة والأزهر".
أما كبير المبشرين زويمر فقد قال في كتاب "الغارة على العالم الإسلامي" أن تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول من أنفسهم، ومن بين صفوفهم، لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها، (أليس حكامنا إلا تطبيق عملي لهذه النظرية!).
وفي كتابه "الإسلام في وجه التغريب" يؤكد زومير "إن الغاية التي نرمي إليها إخراج المسلمين من الإسلام ليكون أحدهم إما ملحداً أو مضطرباً في دينه، وعندها لا يكون مسلماً له عقيدة يدين بها، ولن يكون للمسلم من الإسلام إلا الاسم"!.. هل نحن في حاجة لأمثلة مما حولنا تؤكد أن هذه الغاية صارت حقيقة لا مجرد أمنيات.
ويقول المستشرق جيب في كتابه "وجهة الإسلام" إن تغريب الشرق إنما يقصد به قطع صلة الشرق بماضيه جهد المستطاع، في كل ناحية من النواحي حتى إذا أمكن صبغ ماضي الشرق بلون قاتم مظلم يرغب عنه أهله فقدت شعوب الشرق صلتها بماضيها ففقدت بذلك أعظم جانب من حيويتها!
أليس هذا ما يحدث الآن!.. هل نحن في حاجة إلى مزيد من الأدلة لنثبت أن ما يحدث اليوم هو استمرار لما أحيك بالأمس، من المؤكد أننا جميعا نؤمن بذلك، لكن بعضنا كالنعام يدفن رأسه في الرمال معتقدا أن لا أحد يراه، وهذا ليس بغريب عنا، فالنعام أصله عربي وهو مثلهم طائر عشبي ضخم تأقلم مع العيش تحت ظروف الصحراء القاسية وسماه العرب قديماً "الطائر الجمل" وهو محدود الذكاء فحجم المخ حوالي ثلثي حجم إحدى عينه، ومن العجيب أن الغرب يستفيد منه بشكل غريب الآن حيث يدخل في صناعة أدق الأجهزة الإلكترونية الحساسة لتمتعه بخاصية الكهرباء الساكنة!.. لا أسكن الله لنا جسدا عند الدفاع عن الحق والدين، وندعوه ألا يجعلنا فريسة سهلة يلوكها الآخرين دون أن يجدوا لها، على الأقل، "مرارة" بداية من كرومر ومن كان قبله إلى من يأتي بعده ومرورا بكل أشكال الاستعمار التي تستهدف ديننا ووطننا وحياتنا.