السبت، 3 أكتوبر 2009

الصين بين غشاء البكارة ولقاح الخنازير


الصين، هل هناك في العالم كله من لا يعرف هذه الجمهورية الشيوعية التي استطاعت أن تسيطر على الأسواق التجارية سواء في الدول المتقدمة أو تلك المتخلفة.

يوم الخميس الأول من أكتوبر 2009 أطفأت الثورة الشيوعية الصينية شمعة عيد ميلادها الستين، كيف أصبحت الصين بعد ستة عقود من إعلان زعيمها الأسطوري ماوتسي تونج قيام الدولة الشيوعية في الأول من أكتوبر‏1949‏ أمام ‏300‏ ألف شخص احتشدوا في ميدان تيان أن مين‏'‏ السلام السماوي‏'.

لقد أضحت الصين ثالث أكبر قوة اقتصادية في عالمنا المعاصر بفضل تحولها لورشة تصنيع كبيرة لحاجات شعوب الأرض‏، فهي تنتج‏75%‏ من ألعاب الأطفال،‏ و‏30%‏ من أجهزة الكمبيوتر، و‏60%‏ من الهواتف المحمولة‏،‏ و‏55%‏ من الكاميرات الديجيتال والـ دي في دي‏.‏
و الصين التي أصبحت في الفترة الأخيرة تصدر لعالمنا العربي سبحات وفوانيس رمضان والحج الملابس والمحجبات دمى بإربي ، المايوه الإسلامي، أنتجت في الفترة الأخيرة منتج جديد موجه في الأساس للأسواق العربية حيث انتشرت في الشهور الماضية أغشية بكارة صناعية مستوردة من الصين.


وأشار تقرير لوكالة أنباء "دى برس" السورية أن غشاء البكارة الصيني يباع في دمشق بـ 15 دولار، ونقلت الوكالة نص الإعلان الشائع في شوارع المدن الصينية الذي يقول "استعيدي عذريتك في خمس دقائق ، المنتج التكنولوجي الراقي.. سرك المفزع يختفي للأبد، استعيدي عذريتك بخمسة عشر دولارا بلا جراحة ولا حقن ولا أدوية ولا آثار جانبية بخمسة عشر دولارا فقط"!.


المنتج الذي مكث في الصين فترة تصنيعه فقط دخل الأسواق العربية وبطرق غير شرعية بحثاً عن مشترين بعد أن عانى الركود في بلد المنشأ، وهو حاليا يحظى بطلب كبير، كما يؤكد العديد من أطباء النساء الذين يرون أن مثل هذه المنتجات لم تكن يوماً بحاجة إلى حملة تسويقية خاصة، لأنها معدة لهذه المجتمعات وزبائنها قادرون على التقاطها مباشرة.

لقاح الخنازير
وحتى لا تأخذنا الظنون بالشعب الصيني، نؤكد أن هم الصينيين الأول هو التجارة والربح، وليس هدفهم، كما قد يدعي بعض المؤمنين بنظرية المؤامرة، إفساد أخلاق العرب، التي أصبحت فاسدة بالفعل ولولا ذلك لما فكر المستثمر الصيني في إغراق بلادنا بمنتجه اللا أخلاقي.

والدليل على ذلك هو دخولهم أيضا المجال الطبي الكيميائي بإنتاجهم لقاح أنفلونزا الخنازير، وقد زفت السلطات الصينية بشرى إلى دول العالم بإعلانها أن أول دفعة ممن حصلوا على اللقاح المضاد لفيروس أنفلونزا الخنازير لم تعان أى أعراض جانبية خطيرة.

وقد بدأت منذ نهاية شهر سبتمبر 2009 حملة تلقيح جماعي شملت نحو 100 ألف طالب في بكين، فيما يعد أول تلقيح جماعي في العالم ضد الوباء، وأعلنت إدارة مكافحة الأمراض في مكتب الصحة ببكين أن حملة التلقيح ناجحة، وأن اللقاح الذي ثبت أنه آمن وفعال في التجارب الإكلينيكية قد يسبب ردود فعل جزئية مثل الالتهاب والحمى، ولكن ذلك لا يمكن تجنبه، وتنوي الصين تطعيم 5% من تعدادها بنهاية هذا العام ( حوالي 50 مليون).

والصين هي القوة الاقتصادية الصاعدة لتسيطر بقوة على أسواق العالم وتجارته، ووفقا للتقارير الدولية فإنه بعد أن استطاعت الصين إزاحة ألمانيا عن مرتبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم، يبدو أنها تسعى بجدارة حاليا لتطيح أيضا باليابان من المركز الثاني الذي طالما تشبثت به على مدى عدة عقود.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير إن انتزاع الصين لهذا المركز قد يحدث في وقت قريب جدا, ربما في العام القادم، أي قبل خمس سنوات مما كان يتوقع سابقا، وأوضحت أن عدة حقائق إقليمية فرضت نفسها على الساحة. فسوف تؤدي التغييرات الإقليمية إلى إنهاء النظام الاقتصادي العالمي الذي ساد خلال أربعة عقود وما يستتبع ذلك على التجارة والدبلوماسية والقوة العسكرية في العالم.


تفوقت الصين أيضا على اليابان بتحقيق فائض تجاري كبير واحتياطي ضخم من العملات الأجنبية كما استطاعت أن تحتفظ بمركز الصدارة في صناعة الفولاذ، ومن المتوقع أن تصبح الصين في العام القادم أكبر منتج للسيارات في العالم لتتفوق على جارتها.وفي الصين يمثل دخل الفرد أقل من عشر ما يمثله في اليابان، لكن إذا قيس الاقتصاد بمقاييس أخرى فإن الاقتصاد الصيني استطاع أن يتفوق على الاقتصاد الياباني في نواح عدة، فبالنسبة للقوة الشرائية استطاعت الصين التفوق على اليابان منذ عام 1992 وسوف تتفوق على الولايات المتحدة في عام 2020.


ويقول سي إت كوان بمؤسسة نومورا سيكيورتيز إن ما يحدث يمثل "صدمة سيكولوجية كبيرة".، ويضيف كوان الذي أصدر كتابا بعنوان "اليابان رقم 1" في 1997 ويعمل حاليا لإصدار كتاب "الصين رقم 1" إن اقتصاد الصين قد يتفوق على الاقتصاد الأميركي في 2039 وقد يحدث ذلك عام 2026 إذا أطلقت الصين العنان لارتفاع قيمة الرينمنبي (اليوان الصيني) بنسبة 2% فقط سنويا، ويضيف أيضا "لم نعد نتحدث عن الصين التي تنتج الكثير من الأحذية.. بل الصين التي ستترك الجميع خلفها".

ولم تتبوأ الصين هذا المركز المتقدم على العالم فجأة أو بين عشية وضحاها، إذ أنه منذ عام 1978 وبعد أن تم تحرير الأسواق المالية في الصين في عهد دينج اكسيابينج (Deng Xiaoping ) تضاعف حجم الاقتصاد الصيني 70 مرّة وفي عام 2005 تفوّق الاقتصاد الصيني على الاقتصاد الفرنسي والاقتصاد البريطاني حجما ً في عام 2007 أصبحت الصين هي الاقتصاد الأكبر الثالث دوليا ً بعد تفوقها على الاقتصاد الألماني . حقق الناتج المحلي الإجمالي الصيني نموا ً مقداره 13% خلال عام 2007 ليصل مجمل قيمة الاقتصاد إلى 3.38 تريليون دولار).


ورشة للعالم
من يتابع التقدم الاقتصادي الذي تحققه الصين يصاب بالدهشة والإعجاب ‏في الوقت نفسه، إذ يبدو الأمر وكأن الصين قد تحولت إلى "ورشة عمل ‏للعالم" فالشركات الصناعية والخدماتية من كافة أرجاء الأرض تتقاطر ‏على هذا البلد منذ سنوات، بل إن صناعات وماركات عريقة انتقلت إلى ‏الصين من بلدانها الأصلية.‏


وأينما تواجدت في أسواق العالم، بما في ذلك البلدان الصناعية المتقدمة، ‏فستجد حضورا قويا للمنتجات الصينية وبعلامات تجارية عريقة تتميز ‏بجودة عالية وبأسعار تنافسية

ولكن، كيف حدث ذلك في بلد منغلق حتى سنوات قليلة مضت؟ وما ‏هو الدافع لهذا التهافت على السوق الصينية من قبل الاستثمارات الأجنبية؟ ‏والتي ساهمت بصورة فعالة في نمو الاقتصاد الصيني بمعدلات عالية لم ‏تصلها الاقتصاديات الصناعية الأخرى في العالم على مدى سنوات العقد ‏الماضي.‏

هناك العديد من العوامل التي ساعدت على هذا التغيير المهم في العلاقات ‏الاقتصادية الدولية، منها عوامل سياسية واقتصادية وهيكلية، وبالأخص ‏سقوط نظام القطبين والذي ساد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والعولمة ‏الاقتصادية التي أتاحت انفتاحا لا سابق له لحرية الأسواق وحركة رؤوس ‏الأموال في العالم وتوجهات الصين الرامية لإعادة هيكلة اقتصادها للتأقلم ‏مع هذه المستجدات وتسخيرها لخدمة نموها الاقتصادي.‏

التجربة الصينية تستحق الدراسة للاستفادة منها لتنمية الاقتصاديات النامية، ‏وخصوصا الاقتصاديات العربية، هذا إذا كان هناك أمل في المسئولين العرب.