الثلاثاء، 22 سبتمبر 2009

تجربة شخصية مع الإجراءات الاحترازية من إنفلوانزا الخنازير

عائد من العمرة، بعدما أمضيت قرابة العشرة أيام في ضيافة الرحمن.. ترددت قليلا قبل السفر تأثرا بحمى إعلامية تحذر المعتمرين من موتهم بداء إنفلوانزا الخنازير، لكن لأننا نحن المسلمين نؤمن بأن هذه دعوة (من الله) حيث يدعو من يشاء لنيل ثواب زيارة البيت الحرام والمسجد النبوي الشريف، ولأننا نؤمن بذلك وجدت أن كل الأمور ميسرة بل أكاد أجزم أن هذه أول مرة في حياتي أتوجه إلى الأراضي المقدسة، وقد زرتها من قبل عشرات المرات، بهذه السهولة وذلك اليسر.

قبل السفر كنت أخشى "الويل" الذي يتوعدنا به المسئولين ليل نهار إذا نحن فكرنا في الذهاب للعمرة، اعتقدت أنني سأجد إجراءات سفر قاسية وتدقيق في الشهادة الصحية ومراجعة للسجل الصحي لكل مسافر.. لكني فوجئت بعكس ذلك في مطار القاهرة، بل لقد أنهيت إجراءات السفر في أقل من ربع المدة الزمنية التي كنت استغرقها عادة في مثل هذه الرحلة، ووجدتني أحلق في السماء داخل طائرة مصر للطيران دون أن يسألني أحد أو يرشدني طبيب أو ينصحني عالم.. إذن ما هذا الذي كنت اقرأه واستمع إليه!!، اكتشفت أنه حتى مع هذه النازلة نتعامل معها بمنطق (كلام الجرايد) الذي لا يخرج عن كونه تصريحات عنترية حنجورية لمسئولينا المنوطين بحماية صحتنا ووقايتنا من شر الأوبئة.

أما عند العودة فقد ظللت ليلة كاملة أدعو الله أن يقيني شر "الويل" الذي توعدنا به المسئولين لحظة عودتنا حيث كنت قرأت وأنا في رحلة الذهاب تحقيقا صحفيا في جريدة الجمهورية يشير إلى بدء الاستعداد لعودة المعتمرين وكيف أنه سيتم عزلهم لحماية البلاد من شر الأمراض التي صاحبتهم في رحلة العودة من العمرة، لدرجة أن البعض طالب بعزل العائدين في منطقة الحجر الصحي القديمة بطور سيناء!!، تخيلوا معي هذا القلق الذي انتابني، ولذلك مكثت ليلة كاملة بالحرم المكي أدعو الله أن يقيني شر الإجراءات الاحترازية من مسئولي وزارة الصحة المصرية.

وعلى باب طائرة مصر للطيران الرابضة في مطار جدة استقبلني طاقم الضيافة وهم يرتدون الكمامات الواقية، مما ضاعف من قلقي وزاد توتري، ها هم يعتبرون العائدين مجرد جراثيم متنقلة ينبغي الحذر عند التعامل معها، وما زاد من قلقي ذلك المسئول الذي استقبلني على باب الطائرة، وأظنه موفد وزارة الصحة، والذي أعطاني بطاقة بيضاء طلب مني ملئها بدقة وإعادتها إليه مرة أخرى، وكعادتي في حُسن الظن بالإجراءات الحكومية ظننت أن الأمر لا يعدو أن يكون إجراءً روتينيا خصوصا وأنه يتعامل مع وباء عالمي، وأن المسئولين سبق وتوعدوا وأسرفوا بالوعيد، لكن ما حدث على الطائرة وما بعدها يثبت أنك بالتأكيد في مصر!.

إذ أنه بعد دقائق من استقرارنا بالطائرة اختفت الكمامات الواقية من على وجوه طاقم الضيافة، وبدلا من أن يعطونا مثلها خصوصا أننا جميعا أصبحنا في مكان مغلق يسهل انتشار الأمراض فيه، إذ هم يتخلون عنها وسط سعال وعطس بعض الركاب الذين تعاملوا بمنطق ما أصابنا يجب أن يصيبكم.. كذلك فإن موفد وزارة الصحة لم يذكر لأي راكب كيف يملأ البطاقة الصحية التي دفع بها إلينا، ولم يراجع أو يدقق صحة البيانات التي ذكرها الركاب، بل لقد كنت مبالغا في ظني إذ اعتقدت أنه سيتولى الكشف الصحي علينا في الطائرة حتى ولو كان ذلك عن طريق مراجعة حرارة أجساد المسافرين.

لكني كنت واهما فلم يفعل موفد وزارة الصحة شيئا من هذا حتى مع هؤلاء الذين لم يتوقف سعالهم وعطسهم، بل أظن أنه لم يكن مؤهلا لذلك ومن المؤكد أنه ليس طبيبا لكنه مجرد أحد موظفي الوزارة وقد جاء في هذه المهمة عن طريق المجاملة وليستفيد من بدل سفر أو مكافأة وغير ذلك!.

ورغم هذه الصدمة الصحية إلا أنني لم أشأ أن أفقد حُسن الظن بالإجراءات الصحية، وتوقعت أنه بمجرد هبوط الطائرة أرض مطار القاهرة سوف أشاهد عربات الإسعاف تسرع في تلقف العائدين لتجري عليهم الاختبارات الصحية حتى تتأكد من خلوهم من المرض اللعين قبل أن تسمح لهم بالمرور وإلا فسوف تلقي بهم في المعازل الصحية وقاية للبلاد من شر المعتمرين المحملين بكثير من الأوبئة.

ورغم القلق والخوف من هذه الإجراءات، خصوصا مع خلفية وتجربة عن كيفية التعامل الرسمي المصري مع هذه مثل هذه الأزمات، إلا أنني كنت راغبا في تنفيذها حريصا عليها حتى اطمئن على نفسي أولا واطمئن من أنني لن أؤذي أهلي أو من التقي به بعد حين.

ومثلما كانت صدمتي على الطائرة، تلقيت أخرى مماثلة على أرض مطار القاهرة، إذ كنت واهما حين تصورت أن التعامل معنا سوف يكون على أعلى مستوى طبي، وسنمر على جهاز قياس حرارة الجسد، وسوف نخضع لمراقبة دقيقة حتى يتم التأكد من خلونا من مرض إنفلوانزا الخنازير، لكن كل هذا لم يتم ولم يراجعنا أحد وخرجنا مجموعات "بالزوفة" من صالة المطار.. وتيقنت وقتها أن كل ما قرأته سابقا لا يخرج عن كونه (كلام جرايد) وتصريحات حنجورية يطلقها المسئولين الذين يستخدمون دوما كريم الورنيش الإعلامي الذي يبقيهم لأطول فترة في الساحة الإعلامية.